بسم الله الرحمن الرحيم

جلسه هفتاد و نه

يمكن ان يقال:

قد مر ان المؤونة بمفهومها العرفي ما يصرفه الانسان لادارة‌ معاشه مما يحتاج اليه في ذلك، وينبغي منه صرفه فيه بحسب شأنه. ومتعارف الناس اخراج هذه المصارف من الارباح، والارباح الحاصلة من الكسب وغيره مما تصدق عليه الفائدة انما تحاسب في متعارفهم بحسب السنة، ولذا يعدون مصارفهم الجارية في ادارة المعاش من مصارف السنة وهي تسمى عندهم بالمؤونة.

وهذه المصارف بحسب ما يحتاجون اليها اعم من المساكن والمطاعم والملابس واسباب البيت و المناكح وغيرها حتى تشمل ما يصرفه في تأمين رأس ماله المحتاج اليه لادارة معاشه، وما يصرفه بحسب حاله في تأمين ما لا يتمكن منه حال ابتلائه واحتياجه في سنواته اللاحقة، مثل وضع المال في سنة ربحه لاداء الحج في السنوات اللاحقة – على ما هو المتداول في بلادنا – ووضع المال في سنته لاشتراء البيت في المستقبل وتهيئة التجهيز لبناته في سنته الربحيّة لزواجهنّ  في المستقبل او وضع المال فيه للتهيئته في وقته في المستقبل حسب ما مر تفصيل البحث فيه. فان كل هذه الموارد يعد من مصارفه  في مقام ادارة معاشه.

فلو اتفق احتياجه الى صرف المال في هذه الموارد بجميعها او بعضها في سنة ربحه فالمتعارف بين الناس اخذ هذه المصارف من ارباح نفس السنة.

ولا شبهة في صدق المؤونة عليها عندهم.

وهذا هو الرسم الجاري بين العرف والعقلاء بما هم اهل العرف وبما هم عقلاء.

اذا عرفت هذا، فان المستفاد من الاخبار الواردة في وجوب الخمس بعد المؤونة واستثناء المؤونة من عمومات وجوب الخمس المعنى الناظرة الى هذا العمل العرفي.

 وحاصله: ان مصارف الناس مما يحتاجون اليها في ادارة معاشهم مما يكون المعمول بينهم اخراجها من ارباح سنتهم لا يتعلق بها الخمس بلا فرق بين ان يكون وجه ذلك التسهيل عليهم ورعاية حالهم او غيرها. فالمستثنى في الحقيقة هذه المصارف اي ما يصرفه الناس في هذا السبيل حسب احتياجهم. والمؤونة المستثناة فيها المؤونة بهذا المعنى والمفهوم العرفي.

وعليه، فالاستثناء متعلق بما صرفهم فيها من ارباح سنتهم، وليس في هذا المفهوم العرفي تقييد بان يكون الانتفاع بها محصوراً في نفس السنة، اي سنة الربح التي تُخرج المصارف المذكورة‌ من ارباحها. بل المعيار في الاستثناء اخراج ما يصرفه من المال فيها ومعنى الصرف مفهوم نسبي يختلف باختلاف الموارد، فانه في بعضها بذل الثمن في مقابل اخذ المثمن كاشتراء البيت والمركب، وفي بعضها ما يقتضي صرفه الانقضاء كالطعام والشراب. وفي بعضها اخراج المال واختصاصه بما يريد صرفه فيه كوضع مقدار من المال في كل سنة لاشتراء البيت في السنوات اللاحقة، او تهيئة وتجهيز بناته فيها فانه ايضاً صرف، ولكنه ليس مثل صرف المال لاخذ الطعام، بل صرف بحسب مورده، ولذا التزمنا بوجوب الخمس فيه اذا انصرف في نفس السنة او في سنواته اللاحقة عما اراد اخراج المال في سنته له.