بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و پنج
وربما يقال:
ان يزيد هذا هو يزيد بن اسحاق الذي نقل عنه احمد بن محمد بن عيسى في باب فضل التجارة حسب ما ذكره في جامع الرواة. فلا يبعد ان يكون هو الموثق في لسان العلامة (قدس سره) في الخلاصة المروي عنه روايات كثيرة. مع ان نقل مثل ابي جعفر احمد عنه مع دقته المعروفة في نقل الحديث وفي من يروي عنه يكون قرينة – على الاقل – على حسن ظاهره فلا يبعد اعتبار السند خصوصاً مع كون المتن دليلاً على تورعه، ومعه فلا وجه لما افاده السيد البروجردي (قدس سره) بان يزيد هذا مجهول، ولم يرو احمد بن محمد بن عيسى عنه الا تلك الرواية.
وفيه:
ان المذكور في جامع الرواة في ضمن الروايات الواردة عن يزيد بن اسحاق ما رواه احمد بن محمد عيسى عنه في باب فضل التجارة ولكنه لم يذكر فيما روي عنه هذه الرواية – اي نقل احمد عن يزيد في باب الخمس في معنى الفائدة، وهذا ما يظهر منه ان المحقق الاردبيلي لايتم عنده كون يزيد هذا يزيد بن اسحاق ورواية احمد بن محمد بن عيسى يزيد بعنوان مطلق غير مذكور في الجوامع الحديثية الا هذه الرواية.
وليس لنا شاهد على كون يزيد المذكور يزيد بن اسحاق ولم ينبه عليه احد
ولايفيد القول بان يزيد الذي روى عنه احمد بن عيسى ليس الا يزيد بن اسحاق لانه ادعاء بلا شاهد.
والمذكور في معجم رجال الحديث انحصار هذه الطريق بهذه الرواية.
نعم، لو احرز لنا ان يزيد هذا هو يزيد بن اسحاق كان للقول بتوثيقه وجه قوي لتصحيح العلامة (قدس سره) في الخلاصة الطريق المشتمل عليه.
اذا عرفت هذا فان هذه هي الاخبار التي استدل بها لاستثناء الموؤنة عن عمومات وجوب الخمس في الارباح والمنافع و عرفت تمامية الكثير منها سنداً ودلالة وهي المستند لاطباق الفقهاء على استثناء الموونة من العمومات الدالة على وجوب الخمس الى حد كان عنوان المسألة في الامر السابع في اكثرهم وجوب الخمس في فاضل المؤنة وهذا مما لاشبهة فيه.
انما الكلام يقع في انه هل يستفاد منها التعرض لحد مفهوم الموؤنة والمراد منها يحث يدلنا على معنى شرعي في مفهومها ام لا؟
فان المفاهيم في الموضوعات المتعلقة للاحكام تارة تكون مفاهيم مخترعة من ناحية الشرع كالصلاة، واما مفاهيم مستنبطة يستفاد المراد منها وحدودها من الروايات الواردة في مقامها.
واما مفاهيم عرفية لايستفاد تحديد فيها من ناحية الشرع وان امرها بيد العرف.
فيمكن ان يقال: ان مفهوم المؤونة من المفاهيم العرفية اي القسم الثالث وانه ليس للشارع تصرف في مفهومه، بل الاحكام الواردة فيها انما جرت على نفس العنوان في متفاهم العرف والمتعارف بين العقلاء.
والاخبار المتعرضة لحال المؤنة هي ما ذكرناه ويمكن انقسامها الى طوائف اربعة.
الاولى: ماورد فيها عنوان المؤنة بعنوان مطلق في مقام استثنائه عن تعلق الخمس كقوله (عليه السلام): ان الخمس بعد المؤونة في توقيع الرضا (عليه السلام) الى ابراهيم بن محمد الهمداني.
الثانية: ما ورد فيها عنوان المؤونة في مقام الاستثناء مع اشتماله على بيان المورد لها.
مثل قوله (عليه السلام): «اذا امكنهم بعد مؤونتهم» بعد امره بوجوب الخمس في امتعتهم وضياعهم (صنائعهم) في صحيحة علي بن مهزيار.
الثالثة: ما ورد فيها عنوان المؤنة في مقام الاستثناء مع تقرير الامام (عليه السلام) لما ورد في سؤال الراوي من ذكر موارد من المؤونة مثل قوله: (عليه السلام): «الخمس مما يفضل من المؤونة» في مقام الجواب عن السؤال في الرجل الذي أصاب من ضيعته من الحنطة مائة كر ما يزكى فأخذ منه العشر عشرة أكرار وذهب منه بسبب عمارة الضيعة ثلاثون كراً... في رواية احمد بن محمد بن عيسى عن يزيد حيث يشتمل على بعض موارد الموؤنة وقبول استثنائه بمقتضى تقرير الامام (عليه السلام).
الرابعة: ماورد فيها استثناء الغرام من الفائدة التي يستفيده من تجارة او حرث حيث ان عنوان الغرام قابل للانطباق على ما يصرف في مقام تحصيل الربح كما انه قابل للانطباق على ما يصرفه في معاشه كما انه قابل للانطباق عليهما، والمهم فيها ذكر عنوان الغرام بدل الموؤنة مما يقبل التحديد بحدود خاصة.
والمستفاد من جميعها والمتقين منها استثناء المؤونة واما سائر الجهات فدلالتها عليه مختلفة. فمن جملة هذه الجهات تحديد عنوان المؤنة فربما يقال: انه ليس فيها باجمعها تحديد خاص للمؤنة غير تحديدها بحسب المتعارف بين الناس في كل زمان ومكان.
اما الطائفة الاولى: فان المؤنة فيها بقول مطلق انما تحدد بحسب الموضوع وهو المكلف الذي يجب عليه الخمس، وكذا بحسب المورد اذا لمورد لاستثنائها هو مورد حصول الربح والفائدة، فلا محالة انما يصدق العنوان على كل ما يحتاج اليه المكلف لاعاشته من الربح الحاصل له. وهذا مما لاشبهة في استفادته منها نعم هي مطلقة من جهة طرق تحصيل الربح من الصناعة والتجارة والزراعة وغيرها؛ لانه لم يذكر فيها موارد حصوله.
واما الطائفة الثانية: المشتملة على ذكر موارد حصول الربح، فانها لاتدل على تقييد المؤنة بما يخرج من الارباح الحاصلة من خصوص ما ذكر في الرواية، لأن الموارد المذكورة تكون غالباً في سؤال الراوي، ووجه ذكرها تعارف حصول الربح منها عند الناس او ابتلاء السائل بخصوصها وما ورد فيها في كلام الامام ( عليه السلام) مثل صحيحة علي بن مهزيار من قوله: «اذا امكنهم بعد مؤونتهم» بعد امره (عليه السلام) بوجوب الخمس في امتعتهم وضياعهم (صنائعهم)، فانه لايختص وجوب الخمس بالربح الحاصل منها خاصة ولا استثناء المؤونة به. بل ذكر الموارد لا يوجب تخصيصاً او تقييداً في منشأ حصول الربح وامر الامام(عليه السلام) باستثناء المؤنة بالنسبة اليهما امر جار في جميع طرق التكسب من التجارة والصناعة والزراعة والعمل وغيره بلا تفاوت وبلا موجب لخصوصية في بعضها دون بعض.
فليس فيها اي دلالة على تصرف في مفهوم الربح في متعارف الناس من ناحية الشارع.
اما الطائفة الثالثة: فان خصوصيتها ذكر بعض مصاديق المؤنة فيها كصرف الربح فيما يوخذ بالعشر او عمارة الضيعة او الغلات و ما يعطيه لاصحابه الظاهر في كون شأن الرجل مقتضياً لذلك، فان ذكر الخصوصيات المذكورة، وان ينفعنا في سعة مفهوم المؤونة الشامل لها انه لايدل على حصر المصاديق والموارد، لانه لم يستل عما يصرفه في معاشه مع انه داخل في المؤونة جزماً، فلا يستفاد منها ايضاً تصرف في تحديد المؤونة عند العرف خصوصاً مع كون المذكورات من مصاديق المؤونة وما يحتاج اليه في نظام معاشه عند العرف.
واما الطائفة الرابعة: فان استثناء عنوان الغرام بدل عنوان المؤونة بغير ما هو المتعارف بين الناس لما مر، من ان الفائدة انما تعلق بها الخمس بعد صدق العنوان عليه عرفاً، ولاصدق فيما لايخرج منه ما صرفه في طريق تحصيل الربح او في سبيل تأمين معاشه، لمامر من ان المتعارف بين الناس محاسبة الغنم والغرم في مكاسبهم بانحائه بحسب السنة وكان عمدة الدليل على اعتبار السنة في استثناء المؤونة وتعلق الخمس العرف، و لا فائدة له في سنة ربحه وغنمه الا بعد اخراج ما دفعه وصرفه المعبر عنه في الرواية بالغرام
وبالجملة ان الروايات باجمعها انما تدل على استثناء المؤونة بالمفهوم المتعارف بين الناس من دون تصرف في مفهومها العرفي.
ونفس عدم تحديد المؤنة في الروايات المذكورة مع كثرة ابتلاء الناس بها ضرورة تبيين المفهوم عندهم تاكيد على اعتبار الشرع تحديد العنوان في عرف الناس.
ثم انه افاد السيد الحكيم (قدس سره) في المستمسك: «نصوص استثناء المؤنة مختلفة، فما كان واردا منها في ربح التجارة ونحوها، فالمؤنة فيه تنصرف إلى مؤنة سنة التجارة، كخبر علي بن شجاع، وصحيح ابن راشد، وصحيح ابن مهزيار. فإن موضوعها التاجر والصانع وصاحب الضيعة، فمبدأ السنة أول التجارة والصناعة والشروع في عمل الضيعة ونحوها غيرها. وهذه الطائفة عمدة نصوص المؤنة، وأما غيرها مما ليس له مورد مثل صحيح البزنطي، وتوقيع الهمداني فإما هو مهمل مجمل. أو مطلق يقيد بما ذكر، فلا يصلح لمعارضة ظهور الأول. ويكفي في دعوى كون مبدأ السنة حصول الفائدة مما لم يكن معها عمل الاجماع. فتأمل جيدا.»[1]
ونظره (قدس سره) الى ان استثناء المؤنة من عموم وجوب الخمس لابد من تحديده بزمان، لانها لاتخرج عن الربح الحاصل الا بحسب ما يحتاج اليه الشخص من المصارف، وهذه المصارف لابد من تحديدها بزمان من اسبوع او شهر او سنة، فاذا لزم تحديده لابد من تحديد المستثنى منه اي الارباح الحاصلة للشخص، لما مر من انه لا معنى لتحديد المستثنى الا مع تحديد المستثنى منه فاراد (قدس سره) استفادة التحديد المذكور من.
[1]. مستمسك العروة الوثقى، ج9، ص537.