بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و نه
اما المقدمة الثالثة:
فتحقيق القول فيها انه استدل لعدم جواز الاهمال بوجوه:
1 - الاجماع
افاد صاحب الكفاية (قدس سره)بأن اهمال معظم الاحكام، وعدم الاجتناب كثيراً عن الحرام مما يقطع بأنه مرغوب عنه شرعاً ومما يلزم تركه اجماعاً. وهذا الاجماع المدعى في كلامه هو ما افاده الشيخ ّ(قدس سره) وعبر عنه بالاجماع القطعي ومعقد هذا الاجماع عنده هو ان المرجع على تقدير انسداد باب العلم وعدم ثبوت الدليل على حجية اخبار الآحاد بالخصوص ليس هي البرائة واجراء اصالة العدم في كل حكم، بل لابد من التعرض لامتثال الاحكام المجهولة بوجه ما.
ويمكن ان يقال:
اولاً: ان ما ادعاه الشيخ (قدس سره)ليس من الاجماع المصطلح لتصريحه (قدس سره)بأن هذا الحكم – وهو عدم جواز الاهمال ولزوم التعرض للامتثال بوجه – لم يصرح به احد من قدمائنا، بل المتأخرين في هذا المقام، بل المتتبع في طريقة الاصحاب بل علماء الاسلام طراً انما يظفر به ويحصل له العلم به. وطريقة الاصحاب بل علماء الاسلام حسب بيان الشيخ (قدس سره)هي ان علماءنا العاملين بالاخبار التي بأيدينا لو لم يتم عندهم دليل خاص على اعتبارها كانوا يطرحونها و يستريحون في مواردها مستنداً الى اصالة العدم؟ حاشا ثم حاشا، مع انهم كثيراً ما يذكرون ان الظن يقوم مقام العلم في الشرعيات عند تعذر العلم.
وظاهر هذه الكلمات منه (قدس سره)، ان هنا اجماع تقديري حسب فهم المتتبع بأن الاصحاب لو فرض عدم تمكنهم من الخبر الحجة في معظم الاحكام لا يلتزمون بالاهمال واجراء البرائة بل اللازم عندهم في هذا المقام التعرض لامتثالها بوجه ما، وافاد الشيخ (قدس سره)بأن كثيراً منهم يلتزمون باعتبار الظن في هذا المقام.
وهذا ما يحصل للمتتبع في كلماتهم، ولكنهم لا يصرحون بذلك. والاجماع المصطلح عندنا تحصيل الفتاوى والانظار المصرحة الكاشفة لرأي المعصوم (عليه السلام) وأما مثل هذا الفهم الحاصل من التتبع الراجع الى الاجتهاد انما يكون اعتباره على حد اعتبار كل استنباط واجتهاد. ولا يكون فيه كاشفية عن رأي المعصوم بوجه. بل هو اجماع تقديري على ما مر، اي انهم مع عدم كونهم ملتزمين بالانسداد، لو انسد لهم باب العلمي حسب الفرض لالتزموا باعتبار الظن دون اجراء البرائة او عدم التعرض للامتثال.
وثانياً:
ان ما يحصل للمتتبع في كلماتهم، لو كان التزامهم بالتعرض لامتثال الاحكام المجهولة لاحتمل قوياً استناده الى العلم الإجمالي بثبوت احكام في الشريعة، فإنه مع عدم تمكنهم من الطريق العلمي الى معظم هذه الاحكام انما حكموا بمقتضى هذا العلم بتنجز الاحكام المجهولة المذكورة ولزوم التعرض بالامتثال بوجه ما بمقتضى هذا العلم. وعليه فإن الاجماع المذكور مع تسلم اشكال التقديرية اجماع مدركي، واللازم التحقيق في مستنده، وليس هو بعنوانه دليلاً على عدم جواز الاهمال.
وثالثاً:
ان ما يحصل للمتتبع في كلماتهم التزام الاصحاب بأن مع عدم التمكن من العلمي لزم التعرض لامتثال الأحكام المجهولة بوجه ما حسب تعبير الشيخ (قدس سره)، وأما لزوم كون الوجه المذكور اعتبار الظن فأول الكلام، وإن افاد الشيخ بأن كثيراً ما يذكرون ان الظن يقوم مقام العلم، لاحتمال ان يكون الوجه المذكور عند بعض اخر الالتزام بالاحتياط في اطراف العلم الاجمالي المذكور بثبوت الاحكام في الشريعة او الالتزام به مع التبعيض دون اعتبار الظن بعنوانه.
ورابعاً:
ان الاجماع في المقام ليس اجماعاً في حكم شرعي، بل هو اجماع في المسألة الاصولية والمشكل الاساسي كاشفية هذه الاجماعات عن رأي المعصوم.
2 - العلم الاجمالي بثبوت احكام في الشريعة.
يستفاد ذلك من كلام صاحب الكفاية (قدس سره) وقد صرح به الشيخ (قدس سره) بأنه لا دليل على الرجوع الى البرائة من جهة العلم الاجمالي بوجود الواجبات والمحرمات، فإن ادلتها مختصة بغير هذه الصورة، ونحن نعلم اجمالاً ان في المظنونات واجبات كثيرة ومحرمات كثيرة، وهذا الدليل تام اذ لا شبهة في حصول العلم الاجمالي المذكور مع قطع النظر عن امكان انحلاله، ومقتضى العلم المذكور تنجيز اطرافه من المحتملات، فإنه يمنع عن جريان البرائة شرعية او عقلية، لأن العلم الاجمالي علم لا يرفع معه ما يمكن رفعه بحديث الرفع، كما انه بيان لا يلزم معه قبح العقاب بلا بيان.
وعليه فإن التنجيز المذكور كاف في الالتزام بامتثال الأحكام المشكوكة المقترنة به بلا شبهة. ولكن الاشكال انما يكون في ان هذه المقدمة اي عدم جواز الاهمال في الامتثال ليست مقدمة مستقلة في قبال المقدمة الاولى في كلام صاحب الكفاية اي العلم الاجمالي، لأن ما يدعى بعنوان لزوم التعرض لامتثال المشكوكات او عدم جواز اهمالها ليس الا نفس اقتضاء العلم الاجمالي المذكور، وهو التنجيز بالنسبة الى اطرافه، وليس امراً مستقلاً في قباله.
وما نقله الشيخ (قدس سره) من كلمات الاصحاب من نفي البرائة الاصلية في المقام وامثاله راجع اليه.