بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و چهار
وبيان الشيخ (قدس سره) يحتوي على نكات:
1 - ان التكليف او الفرض ليس متعلقاً بالواقع.
2 - انه لو سلم كونه متعلقاً بالواقع فإنما يلزم محذور الدوران اذا لم يتمكن المكلف من الاحتياط.
3 - ارجاع هذا الدليل الى دليل الانسداد.
اما النكتة الأولى، فإنه لا شبهة في ان التكاليف انما نشأت عن المصالح والمفاسد النفس الأمرية وغرض الشارع فيه عدم القاء المكلف في المفسدة و ترك المصلحة الملزمتين.
وعليه فلا يتم القول بأن التكليف لا يتعلق بالواقع، نعم يقال انه يتعلق بالواقع المعلوم والمنجز فالعلم طريق للحصول عليه والا فإنه ليس للمعلوم بما هو معلوم مع غمض العين عن الواقع موضوعية حتى يتعلق التكليف به. والشاهد عليه عدم تمامية ثبوت العقاب على التجري على ما هو الحق عند الشيخ و غيره من اعلام المحققين، فإن التجري لا يتصور الا في المعلوم الذي ليس له واقع بل هو توهم للواقع وجهل مركب. فلو كان المدار في ثبوت العقاب والثواب على المعلوم بعنوانه مع قطع النظر عن الواقع، لزم القول بثبوت العقاب في التجري ولا يلزم به مثل الشيخ (قدس سره(
وعليه فإن العلم هو صرف طريق الى الواقع وأن المكلف يكلف بالواقع، ومعه فإن مع عدم امكان تحصيل العلم، مع ثبوت التكاليف بالإجماع والضرورة، فيقع البحث في انه يمكن للمكلف ترك التكاليف الواقعية بالمرة او يلزم عليه سلوك طريق اخر يكون اقرب بالنسبة نحو الواقع.
وأما حديث الاحتياط، فإنه لا سبيل اليه في جميع الموارد كما اعترف به الشيخ (قدس سره) لأنه في بعض الموارد غير ممكن وفي بعضها حرجي على المكلف، ومع فرض امكانه و عدم كونه حرجياً، لا دليل على وجوبه في جميع الموارد. وقد مر ان الشارع انما يوجب الاحتياط في خصوص التكليف الواقعية التي لا يرضى بتركها من ناحية المكلف حتى في ظرف الجهل بها. وهي موارد خاصة، واما سائر الموارد فلا دليل على وجوبه فيها، نعم هو حسن ولكنه هل يكون هذا الحسن رافعاً لالزام العقل الاتيان بالتكاليف بقدر التمكن على الحصول عليها، وهو الطريق الغير العلمي، فإن هنا الزام من ناحية العقل بلزوم سلوك الطريق الى الواقع ولو كان غير علمي، وحسن التحفظ على الواقع بالاحتياط في ظرف امكانه وعدم كونه حرجياً. والقول هنا بلزوم الاحتياط يحتاج الى الدليل.
وأما حديث البرائة، فإنه قد مر من الشيخ (قدس سره) ان مع ثبوت البرائة بالدليل القطعي او الظني المعتبر، فإنه يثبت الترخيص من الشارع بتفويت اغراضه. ومع صدور الترخيص منه فلا معنى للخوف عن العقوبة، ولكن فيه اشكالان
- 1ان البرائة بأدلتها انما تجري فيما كان التكليف محتملاً ومشكوكاً، فمجراه الشك البدوي واحتماله. وأما مع العلم بثبوت التكاليف في الشريعة، فلا موضوع لجريانها كما هو المبحوث عنه في جريان الادلة المرخصة في اطراف العلم الاجمالي، فإن ادلتها منصرفة عن مورد العلم ولو كان اجمالياً.
لا يقال، ان ثبوت العلم الاجمالي دليل اخر، ومع ثبوته انما ينحل حسب الوجوه المقررة سابقاً. فإنه يقال: ان احد طرق انحلال العلم لدى الشيخ انحلاله بالاخبار المظنونة من حيث الصدور، او من حيث المطابقة للواقع، وليس اساسه الا اعتبار الظن ولو كان في الوجوه السابقة اختص اعتباره في خصوص الخبر، ولكن المناط واحد.
هذا مع ان ثبوت التكاليف الواقعية التي جاء به النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، لا يتوقف على ثبوت العلم الاجمالي بها، بل العلم بكلا وجهيه طريق اليها، فإنها ثابتة بالضرورة، ومع ثبوتها بأي نحو لا وجه لجريان البرائة في الاطراف المحتملة لها، لاستلزامه مخالفة الواقع المعلوم، وعليه فإن الاشكال لا يدفع بالقول بالترخيص الثابت من ناحية ادلة البرائة لقصورها عن الاقتضاء في المقام كما هي قاصرة عن الشمول لمحتملات التكليف على القول بانسداد باب العلم بنفس الوجه.
-2 ان ادلة البرائة انما يمكن جريانها لو تم اعتبارها في نفسه بأن يكون ادلتها تفيد العلم، او كانت علمية تفيد الحجية، وأما مع فرض البحث من عدم ثبوتها علماً من عدم العلم بصدورها، لأنها مجموعة اخبار، وعدم وصولها حد التواتر، فإن هذه الاحاديث كغيرها مما يدل على ثبوت التكاليف تصير مورداً للتأمل، اذ لو تم الكلام في اعتبار الخبر بعنوانه ولو الخبر الثقة لم تصل النوبة الى اعتبار الظن واتعاب النفس في الاستدلال لاعتباره بين الاعلام، وما يظهر من الشيخ (قدس سره) الجزم باعتبار هذه الاخبار في ظرف عدم تمامية اعتبار الاخبار الدالة على التكاليف وهو قابل للتأمل، اذ مع هذا الفرض – اي عدم ثبوت اعتبار الخبر، فإن مقتضى اخبار البرائة الظن بالترخيص كما ان مقتضى الروايات الدالة على التكاليف الظن بثبوتها. وكلا الظنين لا دليل على اعتبارهما بخصوصهما. وهما وإن كانا على وزان واحد في الاعتبار الا ان هنا نكتة قابلة للتأمل.
وهي ان الظن بالتكاليف انما يجعلها في دائرة الاحتمال، وقد مر من الشيخ قبول الملازمة بين الظن بالتكليف والظن بالوقوع في الضرر والمفسدة، والعقل مستقل بلزوم دفع الضرر المحتمل فضلاً عن المظنون.
وأما الظن بالترخيص الحاصل من الاخبار الدالة على البرائة فهو لا يدفع الاحتمال في ناحية ثبوت التكاليف والوقوع في الضرر فضلاً عن الظن به، لأن الظن بالترخيص ظن اي احتمال راحج وفي مقابله الاحتمال المرجوح، والاحتمال الموجود المفروض كونه مرجوحاً اذا اضاف الى التكليف والواقع لصار منجزاً بمقتضى لزوم دفع الضرر المحتمل، فلا يتكفل امان المكلف من العقوبة والضرر او تدارك عقوبته من ناحية الشارع.
والظن بالترخيص لو فرض كونه ذا رجحان بحيث يصير حجة عقلائية كما مر من الشيخ في بحث السيرة العقلائية، فهو ايضاً كذلك في الظن الحاصل من ادلة التكاليف بلا فرق بينهما.
هذا كله في البرائة الشرعية، وأما البرائة العقلية فهي تفترق عن الشرعية في المقام لعدم اقتضائها الأذن في الوقوع في الضرر كما لا يقتضي التدارك، ولا سبيل اليها في الاغراض الشرعية التي كان عند العقل مما يلزم التحفظ على احتمالها فضلاً عن الظن بها.
اما النكتة الثانية في كلام الشيخ (قدس سره) فيظهر الامر فيه مما فصلناه في النكتة الاولى.
اما النكتة الثالثة.
فإنه قد تكرر من الشيخ (قدس سره) كصاحب الكفاية من رجوع الوجوه العقلية على اعتبار الخبر او على الظن المطلق بدليل الانسداد.
فإن كان المراد منه انه لا وجه لهذه الوجوه الا في ظرف عدم ثبوت اعتبار الخبر بعنوانه كعنوان خبر الثقة او الخبر الموثوق بصدوره، الحاصل اعتباره بحسب ما تقترنه من القرائن، وقد سبق تصريح الشيخ (قدس سره) به والتزامه باعتباره. فهو تام، اذ مع فرض الاعتبار في الخبر بالوجوه الشرعية الدالة على اعتبارها بالخصوص، لا وجه لتحصيل اعتبارها عقلاً. لأن الاعتبار عند العقل لا ينشأ الا من الظن الحاصل من الخبر او حصر الطريق الى الاحكام الواقعية به.
الا انه لا يتم رد هذه الوجوه بهذه المقالة، لأنها وجوه خاصة وردت في مقام الاستدلال في كلمات الاعلام بعد عدم تمامية الوجوه الشرعية، لا في عرضها، اذ مع ثبوت اعتبار الاخبار شرعاً فصارت كالأدلة العلمية في الاعتبار.
وإن كان المراد منه رجوعه الى الوجه الرابع من الوجوه العقلية التي استدل بها لاعتبار مطلق الظن فهو غير تام، لأن الوجه المذكور انما يبتني على مقدمات ربما لا يتم بعضها عند بعض، بخلاف هذا الوجه او سابقه، فإنه لا يتم ادعاء ابتنائها على تلك المقدمات بل هما قابلان للتحقيق في خصوص ما يبتنيان عليه بخصوصه. على ما سيظهر الكلام فيه.
ومما ذكرناه في تحقيق كلام الشيخ الاعظم (قدس سره) يظهر الاشكال فيما افاده المحقق صاحب الكفاية في رد الوجه.
ومقتضى التحقيق ان رده كسابقه مبنائي يبتني على عدم وصول النوبة الى الاحتياج في تحصيل الاعتبار في الاخبار الموجودة بأيدينا الى دلالة العقل، وحجية الخبر بما انه يفيد الظن او اعتبار الظن المطلق.