بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه سی و هفتم
قال الشيخ في الرسائل بعد نقل كلمات الاصحاب في الاستصحاب:
«والمتحصل منها في بادئ النظر أحد عشر قولا :
الأول : القول بالحجية مطلقا .
الثاني : عدمها مطلقا .
الثالث : التفصيل بين العدمي والوجودي .
الرابع : التفصيل بين الأمور الخارجية وبين الحكم الشرعي مطلقا ، فلا يعتبر في الأول .
الخامس : التفصيل بين الحكم الشرعي الكلي وغيره ، فلا يعتبر في الأول إلا في عدم النسخ .
السادس : التفصيل بين الحكم الجزئي وغيره ، فلا يعتبر في غير الأول .
وهذا هو الذي تقدم أنه ربما يستظهر من كلام المحقق الخوانساري في حاشية شرح الدروس ، على ما حكاه السيد في شرح الوافية .
السابع : التفصيل بين الأحكام الوضعية - يعني نفس الأسباب والشروط والموانع - والأحكام التكليفية التابعة لها ، وبين غيرها من الأحكام الشرعية ، فيجري في الأول دون الثاني .
الثامن : التفصيل بين ما ثبت بالإجماع وغيره ، فلا يعتبر في الأول .
التاسع : التفصيل بين كون المستصحب مما ثبت بدليله أو من الخارج استمراره فشك في الغاية الرافعة له ، وبين غيره ، فيعتبر في الأول دون الثاني ، كما هو ظاهر المعارج .
العاشر : هذا التفصيل مع اختصاص الشك بوجود الغاية ، كما هو الظاهر من المحقق السبزواري فيما سيجئ من كلامه .
الحادي عشر : زيادة الشك في مصداق الغاية من جهة الاشتباه المصداقي دون المفهومي ، كما هو ظاهر ما سيجئ من المحقق الخوانساري .
ثم إنه لو بني على ملاحظة ظواهر كلمات من تعرض لهذه المسألة في الأصول والفروع ، لزادت الأقوال على العدد المذكور بكثير ، بل يحصل لعالم واحد قولان أو أزيد في المسألة ، إلا أن صرف الوقت في هذا مما لا ينبغي .
والاقوي: هو القول التاسع، وهو الذي اختاره المحقق)[1].
ثم ان الشيخ تعرض للبحث في اكثر هذه الاقوال مقدمة لاختيار القول التاسع وهو ما نعبر عنه باعتبار الاستصحاب في الشك في الرافع دون الشك في المقتضي.
وأما صاحب الكفاية قدس سره لم يتعرض لها، وانما اقتصر علي الاستدلال علي مختاره وهو حجية الاستصحاب مطلقا.
وإنما تعرض في ضمن بحثه لتفاصيل اربعة.
1 ـ التفصيل في الحكم الشرعي بين كونه مستنداً الي حجة شرعية من الكتاب والسنة، وبين كونه مستنداً الي حكم العقل.
2 ـ التفصيل بين الشك في المقتضي والشك في الرافع.
3 ـ التفصيل بين الحكم التكليفي والحكم الوضعي.
4 ـ التفصيل بين الاحكام الكلية والموضوعات الخارجية.
وفي هذا المقام انما تعرض للبحث حول الاحكام الوضعية ناظراً الي ما افاده الشيخ قدس سره في المقام، ووجه ورودهما في هذا البحث التفصيل المنسوب الي الفاضل التوني قدس سره من حجية الاستصحاب في الاحكام الوضعية دون التكليفية.
قال الشيخ قدس سره في الرسائل:
«حجة القول السابع:
الذي نسبه الفاضل التوني ( قدس سره ) إلى نفسه ، وإن لم يلزم مما حققه في كلامه - : ما ذكره في كلام طويل له ، فإنه بعد الإشارة إلى الخلاف في المسألة ، قال :
ولتحقيق المقام لا بد من إيراد كلام يتضح به حقيقة الحال .
فنقول : الأحكام الشرعية تنقسم إلى ستة أقسام :
الأول والثاني : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الفعل ، وهي الواجب والمندوب .
والثالث والرابع : الأحكام الاقتضائية المطلوب فيها الترك ، وهي الحرام والمكروه .
والخامس : الأحكام التخييرية الدالة على الإباحة .
والسادس : الأحكام الوضعية ، كالحكم على الشئ بأنه سبب لأمر أو شرط له أو مانع له . والمضايقة بمنع أن الخطاب الوضعي داخل في الحكم الشرعي ، مما لا يضر فيما نحن بصدده .
إذا عرفت هذا :
فإذا ورد أمر بطلب شئ ، فلا يخلو إما أن يكون موقتا أم لا .
وعلى الأول :
يكون وجوب ذلك الشئ أو ندبه في كل جزء من أجزاء ذلك الوقت ثابتا بذلك الأمر ، فالتمسك في ثبوت ذلك الحكم في الزمان الثاني بالنص ، لا بالثبوت في الزمان الأول حتى يكون استصحابا ، وهو ظاهر .
وعلى الثاني :
أيضا كذلك إن قلنا بإفادة الأمر التكرار ، وإلا فذمة المكلف مشغولة حتى يأتي به في أي زمان كان . ونسبة أجزاء الزمان إليه نسبة واحدة في كونه أداء في كل جزء منها ، سواء قلنا بأن الأمر للفور أم لا .
والتوهم : بأن الأمر إذا كان للفور يكون من قبيل الموقت المضيق ، اشتباه غير خفي على المتأمل .
فهذا أيضا ليس من الاستصحاب في شئ».
[1]. الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج3، ص49ـ 51.