بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه شصت و سوم
وأما الثالثة:
فإنه قدس سره التزم في السبب بأن المجعول هو المسبب ووجوده العيني دون السبب ودون السببية.
وقد عرفت ان جعل المسبب لا ينفك عن جعل السبب تبعاً كما هو الحال في المقدمة.
وبعين ما مر في الشرطية والمانعية لأن الجميع من اجزاء العلة التامة، والسبب او هو المقتضي وأما هو العلة التامة في المقام، ولا يعقل تعلق الجعل بالمعلول بلا لحاظ علته ولو تبعاً في مقام الجعل وقبله في مقام الارادة التشريعية.
فإنه لا يعقل الانفكاك بينهما في هذا المقام، لأن ما مر من التقيد الدخيل في الجعل وفي المجعول، هو محقق في المقام علي نحو اكد وأشد.
فإن للمسبب كمال التعلق والتقيد بالسبب، ولا نعني بالتقيد الا شدة التعلق.
وأما ما افاده قدس سره من ان جعل المسببية انما يوجب سلب اختيار الشارع عن جعل المسبب، لأن السبب انما يؤثر حينئذ بلا اختيار منه لأن دخل السبب في المسبب تكويني وأنه يتحقق المسبب بمجرد تحقق.
السبب بلا تخلل زمان بينهما
ففيه:
اولاً:
ان معني جعل السببية، هو كونها اعتبارية والا فلا معني لجعل السببية للاسباب والمسببات التكوينية، فإن الأمر فيها ليس بيد الشارع.
وأما في مثل المقام كان الأمر بيد الشارع ومعناه انه جعل وقرر شيئاً علة لشئ مما لا تكون علة له في مقام التكوين.
وعليه فلو فرض ان الشارع اعتبر شيئاً علة لشيء مثل ان قرر الدلوك حسب ما قيل علة لوجوب الصلاة او الاستطاعة سبباً لوجوب الحج او العقد سبباً للملكية، فإنه لا شبهة في تمامية اسناد جعل السبيية فيها الي الشارع، لأنه لا معني للسببية الا كون شئ علة لشيء واذا فرض بناء هذه العلية والمعلولية علي الاعتبار والمعتبر نفس الشرع فالجاهل لهذه السببية هو الشرع، الا انه لو تعلق جعله بالمسبب اي وجوب الصلاة او الحج فيما انه قرر المسبب بعد تحقق السبب، فإذا تحقق السبب انما يتحقق المسبب بإرادته وباعتباره وهذا لا يوجب سلب اختيار الشارع والمعتبر بالنسبة اليه لأن في بعض الموارد لا يتحقق المسبب بعد تحقق السبب بإرادته كما اذا تحقق الدلوك لفاقد الطهورين بناءً علي سقوط وجوب الصلاة به علي ما التزم به جمع، او تحققت الاستطاعة مع قيام المانع الشرعي عن وجوب الحج وامثاله.
وبالجملة: ان اسناد جعل السببية الي الشارع في الاسباب والمسببات الشرعية مما لا محذور فيه.
وثانياً:
ان بالنسبة الي السببية يلزم التفكيك بين السببية للتكليف والسببية للمكلف به.
اما السببية للتكليف، فقد مر في شرائط الجعل، انه يلزم في مقام الجعل من لحاظ السبب، ولحاظ دخله في المسبب ومحاسبة دخله من حيث عدم ما يمنع عن تأثيره في مقام تزاحم المصالح، وقيام الشرائط لتأثيره، ولذا عبرنا عن هذا السبب بالمقتضي، وقد مر ان المقتضي في مقام اقتضائه وتأثيره يحتاج الي قيام الشرط وعدم المانع، وبما ان في مقام الارادة التشريعية انما يؤخذ هذا المقتضي ويحاسب ما له دخل في تأثيره فلا محالة تناله يد الجاعل ولو بهذا المقدار في المقتضيات التكوينية، ولولا ذلك لأثر بلا اي اختيار للجاعل كما هو الاسباب والعلل التكوينية، والجاعل للتكليف هو الشرع دون الاقتضاء الذاتي للمقتضي، ويمكن قيام المقتضي مع عدم ارادة التكليف في هذا المقام لسبب وجهته كغلبة ما يزاحم من المصلحة ولو عدم قيام الشرط، فمعني اخذه في مقام الارادة التشريعية للتأثير، ارادته واختياره بعد المحاسبة، ولا نعني بالجعل غير ذلك.
وكون العلل والاسباب للتكاليف تكوينية كما مر من صاحب الكفاية، وتعرض له المحقق النائيني لا ينافي ذلك، اي اختيار المقتضي وأخذه وإرادة تأثيره.
وأما السببية بالنسبة الي المكلف به، فإن السبب في هذا المقام هو المقدمة الوجودية، ويجري فيه ما مر من المحقق النائيني في جعل المقدمة حيث اختار جعلها تبعاً لجعل ذي المقدمة، ولا فرق بين الجعل التبعي والاستقلالي في مقام البحث عن السببية في هذا المقام.
وقد مر ان في مقام الجعل يلزم لحاظ المكلف به بجميع جهاته ومن جملتها تقيداته، ولا تفاوت في هذه التقيدات بين السبب والشرط والجزء، وإن مر تقريب لزوم سبق التقيد بالشرطية في كلام المحقق العراقي عن جعل التكليف علي المكلف به.
وثالثاً:
انه لو قلنا بأن الاسباب والمسببات الشرعية كلها اعتبارية، وأن الشارع كما اعتبر التكليف، فهو يعتبر المكلف به اي المتعلق به مثل المخترعات الشرعية، كما انه هو المعتبر للموضوع للتكليف اي الشخص المكلف الجامع لشرائط تكليفه شرعاً مضافاً الي جامعيته للشرائط العقلية، فإنه ما محذور اسناد وضع كل من السبب والمسبب والسببية الي الشارع، فإن صرف جعل الحكم وجعل الموضوع وجعل المتعلق من ناحية الشرع انما يصحح اسناد كل ما يعتبر سبباً في هذه المواقف والمراتب الي الشارع، بلا فرق بين سبب الجعل او سبب المجعول، ومعه لا محذور ايضاً في اسناد جعل السببية الي الشارع ايضاً، لأنه لا معني للسببية الا لحاظ دخل السبب في المسبب وتوصيفه بالتأثير.
وبالجملة:
ان تفكيك السببية عن مثل الشرطية والجزئية وامثالها في مقام البحث لا وجه له.
وقد اجاد صاحب الكفاية في التفكيك في السببية بين المسببية واخواتها للتكليف والسببية واخواتها للمكلف به في مقام البحث، وأن لا نلتزم بما حققه من عدم معقولية الجعل في الاول وانتزاعها من التكليف في الثاني.
اذا عرفت هذا فنقول:
ان ما نحن بصدد البحث فيه في المقام ما تناله يد الجعل غير الاحكام التكليفية اي ما يسند وضعه وجعله الي الشارع غيرها، ولا عبرة بتسميتها حكماً وضعياً في الكلمات، لأنه لو اريد من الحكم الوضعي ذلك اي ما تناله يد الجعل في غير التكاليف فيلتزم به والا فليس الاهتمام في البحث في التسمية، بل الاهتمام في واقعية الأمر وبيان ما يترتب عليه في الفقه من كونه مجري للأصول العملية علي ما سيأتي البحث فيه.
وعليه فإن ما تناله يد الجعل الشرعي غير التكاليف ينقسم الي قسمين:
1 ـ ما يرتبط بالتكليف.
2 ـ ما يرتبط بالمكلف به
اما الاول: اي ما يرتبط بالتكليف.
فالمقصود منه كل ما يكون دخيلاً في جعل التكاليف وهو السببية والشرطية والمانعية للتكليف.
وقد مر منا انها تنالها يد الجعل تبعاً، وأساس الوجه فيه تقيد الجعل بها في الارادة التشريعية، وسبق لحاظها علي الجعل وعدم تبدل الارادة بالجعل الا بعد لحاظ تقيده بها وارادة ما هو الدخيل في الجعل من المقتضي والشرط وعدم المانع.
فهي مجعولة وتنالها يد الجعل بتبع جعل التكليف.
وقد عرفت الكلام فيه تفصيلاً.
وهذا ما خالفة الشيخ واعلام تلامذته وتلامذة تلامذته.
واما الثاني:
وهو ما يرتبط بالمكلف به، وفيه اقسام ثلاثة:
الاول: الموضوعات المجعولة.
والمراد بها: كل ما اعتبره الشارع متعلقاً لتكاليفه.
بلا فرق فيه بين المتعلقات التأسيسية او المتعلقات الامضائية.
اما الاول: اي ما كان دخل الشارع فيه بالتأسيس:
فنظير المخترعات الشرعية كالصلاة والحج وامثالها، فإن التركيب الخاص فيها من الاجزاء والشرائط والموانع والقواطع وامثالها مولود لاعتبار الشارع ولا هوية لها الا بحسب اعتباره، فهو الواضع لها لأن يصير متعلقات لأحكامه التكليفية.
وهذه العناوين مجعولة بالجعل الاستقلالي، وانها مجعولة من الشارع ولم نوقش في صدق الحكم عليها، فإنها موضوعة ومجعولة وتصير مجري لجريان الاصول العملية.
ومثلها النبوة و الامامة، فإنهما مجعولتان من ناحية الشارع ووقعاً موضوعاً لأحكامه التكليفية كوجوب الاطاعة ولزوم الاعتقاد وامثاله ومثلهما الولاية الشرعية الثابتة لهما من ناحيته.
نعم، الولاية بعنوانها العام امر عرفي اعتبره الشرع في بعض الموارد وامضاه، وأما الولاية الشرعية خاصة به، ويكون تأسيساً منه كالنبوة والإمامة.