بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه شصت و سوم
وهذه المسألة تشتمل على فروع:
الأول:
عدم اشتراط وجود المحرم في حج المرأة اذا كانت مأمونة على نفسها و بضعها بدلالة جملة من النصوص.
قال السيد الحكيم (قدس سره):
« بلا خلاف أجده فيه بيننا، كذا في الجواهر.
وفي المدارك: هذا الحكم مجمع عليه بين الأصحاب، حكاه في المنتهى... ويقتضيه إطلاق الأدلة.
وعن أحمد في إحدى الروايتين: اشتراط ذلك حتى مع الاستغناء عنه...»
ثم ذكر النصوص التي دلت على ذلك وافاد:
«منها صحيح معاوية بن عمار قال: " سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن المرأة تخرج إلى مكة بغير ولي. فقال (عليه السلام ): لا بأس، تخرج مع قوم ثقات »[1]
وصحيح سليمان بن خالد عن أبي عبد الله (عليه السلام): «في المرأة تريد الحج، وليس معها محرم، هل يصلح لها الحج ؟ فقال: نعم إذا كانت مأمونة »[2]
وصحيح صفوان الجمال قال: قلت لأبي عبد الله (عليه السلام ): قد عرفتني بعملي، تأتيني المرأة، أعرفها باسلامها وحبها إياكم وولايتها لكم، ليس لها محرم، فقال (عليه السلام ): إذا جاءت المرأة المسلمة فاحملها، فإن المؤمن محرم المؤمنة
ثم تلا هذه الآية: (والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض...)[3]«[4] ونحوها غيرها.»[5]
واستدل السيد الخوئي بصحيحتي سليمان بن خالد، ومعاوية بن عمار السابقتين وزاد عليهما صحيحة أبي بصير عن أبي عبدالله (ع)
قال: سألته عن المرأة تحج بغير وليها فقال: ان كانت مأمونة تحج مع اخيها المسلم
اما رواية معاوية بن عمار
فهي ما رواه الشيخ باسناده عن موسى بن القاسم عن صفوان عن معاوية بن عمار
قال: سألت ابا عبدالله (ع) عن المرأة تحج الى مكة بغير ولي، فقال: لا بأس، تخرج مع قوم ثقاة»[6]
ورواه الصدوق باسناده عن معاوية بن عمار.
ورواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن حماد بن عيسى عن معاوية بن عمار مثله الا انه قال: عن المرأة الحرة.
اما جهة الدلالة فيها:
فان مورد السؤال المرأة التي تحج مع عدم وجود محرم معها او ولي مع الزوج او غيره، فاجابه الامام (ع) بجوازه وصحة الحج مع ضم قوله (ع) تخرج مع قوم ثقاة بقوله(ع) لا بأس، والظاهر منه الاشتراط اي اذا خرجت مع افراد ثقاة قابلة للاطمينان والوثوق فلا بأس ان تخرج الى الحج وحدها.
اي بغير وجود المحرم.
وبما ان معية الثقاة انما تفيد كونها مأمونة معهم فيحصل لها معهم الوثوق بأمنها.
اما جهة السند فيها:
فان للرواية طرقاً ثلاث:
الاولى طريق الشيخ، وهو ما رواه باسناده الى موسى بن القاسم، واسناده اليه صحيح لا نقاش فيه
واما موسى بن القاسم ابن معاوية بن وهب البجلي، فقد مرَّ توثيق النجاشي له في رجاله والشيخ في الرجال والعلامة في الخلاصة، وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن صفوان، وهو صفوان بن يحيى وقد مرَّ ايضاً توثيق النجاشي له والشيخ في رجاله وقوله في الفهرست فيه: أوثق أهل زمانه عند اصحاب الحديث وهو من اصحاب اجماع الكشي ومن الطبقة السادسة ايضاً.
وهو رواه عن معاوية بن عمار بن ابي معاوية خباب وثَّقه النجاشي والعلامة وهو من الطبقة الخامسة.
فالرواية صحيحة على طريق الشيخ.
الثانية: طريق الصدوق (قدس سره) فانه رواها باسناده عن معاوية بن عمار واسناده اليه صحيح كما افاده العلامة (قدس سره) وغيره كالمحقق الميرزا محمد الاسترآبادي في الرجال الكبير.
فالرواية صحيحة بطريقه ايضاً.
الثالثة: طريق الكليني
فانه رواها عن علي بن ابراهيم عن ابيه ابراهيم بن هاشم وقد مرَّ وثاقتهما وانهما من الطبقة الثامنة والسابعة.
ورواها ابراهيم بن هاشم عن حماد بن عيسى، ابو محمد الجهني وثقه الشيخ في كتابيه ومرَّ قول النجاشي فيه: ثقة في حديثه صدوق. وتوثيق العلامة له في الخلاصة وهو من الطبقه السادسة او كبار الخامسة.
وهو رواه عن معاوية بن عمار فالرواية صحيحة على طريقه ايضاً.
واما رواية سليمان بن خالد:
فهي ما رواه الكليني عن عدة من اصحابنا عن احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد عن النضر بن سويد، عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد عن ابي عبدالله (ع) فی المرأة ترید الحج لیس معها محرم هل یصلح لها الحج؟ فقال: نعم إذا کانت مأمونه:
ورواه الصدوق باسناده عن هشام مثله.
اما جهة الدلالة فيها:
فان فيها السؤال عن المرأة التي تريد الحج وليس معها محرم، فاجاب الامام (ع) بانه يصلح لها ذلك ولا اشكال في حجها من هذه الجهة.
والمهم في مدلول هذه الرواية انه ليس فيه اشتراط عدم البأس بوجود الثقاة في قافلتها فيشمل ما اذا اطمئنت بالتحفظ على نفسها وان لم يكن فيها الثقاة فدلالة الرواية اقوى على مدعى صاحب العروة من سابقتها، لان في السابقة ما ظاهره الاشتراط بوجود الثقاة الذي ربما يستفاد منه انه وان لم يشترط في صحة حجها وجود المحرم الا انه يشترط فيها معيتها مع من يطمئن به، ومدلول هذه الرواية اعم، فيشمل ما اذا اطمئن بأمنها حتى مع عدم معية من يثق به.
اما جهة السند فيها:
فان للرواية طريقين:
1 ـ طريق الكليني.
2 ـ طريق الصدوق.
اما طريق الكليني:
فاما العدة التي تروي عن احمد بن محمد بينها ثقاة سواء كان المراد احمد بن محمد بن عيسى أو احمد بن محمد بن خالد البرقي، ويشكل التمييز بينهما في المقام لانهما من رواة كتب الحسين بن سعيد.
وما يسهل الخطب وثاقة الرجلين على ما مرَّ تفصيلاً وانهما من الطبقة السابعة.
ورواها احمد بن محمد عن الحسين بن سعيد الاهوازي بن حماد بن مهران وثقه الشيخ في كتابيه على ما مرَّ تفصيلاً والعلامة في الخلاصة وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواها عن النضر بن سويد. وهو النضر بن سويد الصيرفي:
قال النجاشي: «... كوفي ثقة، صحيح الحديث انتقل الي بغداد له كتاب نوادر رواها عنه جماعة.»[7]
وقال الشيخ في رجاله في ضمن عدة من اصحاب الكاظم (ع): النضر بن سويد له كتاب وهو ثقة»[8]
وقال العلامة: «... من اصحاب الكاظم (ع) ثقة كوفي صحيح الحديث...»[9]. وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواها عن هشام بن سالم. وهو هشام بن سالم الجواليقي الجعفي ابو الحكم.
قال النجاشي: «... روى عن ابي عبدالله وابي الحسن، ثقة ثقة، له كتاب يرويه جماعة...»[10]
ومثله عن العلامة[11]
وعده الشيخ في رجاله من اصحاب الصادق (ع)، ومن اصحاب الكاظم (ع)
وافاد في فهرسته:... له اصل روى عنه ابن ابي عمير وصفوان بن يحيى وعلي بن الحكم»[12]. وهو من الطبقة الخامسة.
وهو رواها عن سليمان بن خالد. وهو سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، ابو الربيع الاقطع.
قال النجاشي: «..... عم الأشعث بن قيس لأبيه وأخوه لامه - أبو الربيع الاقطع. كان قارئا فقيها وجها، روى عن أبي عبد الله وأبي جعفر عليهما السلام، و خرج مع زيد، ولم يخرج معه من أصحاب أبي جعفر عليه السلام غيره فقطعت يده، وكان الذي قطعها يوسف بن عمر بنفسه، ومات في حياة أبي عبد الله عليه السلام، فتوجع لفقده، ودعا لولده، وأوصى بهم أصحابه. ولسليمان كتاب رواه عنه عبد الله بن مسكان. »[13]
وقال الشيخ في رجاله بعد عده من اصحاب الصادق: «سليمان بن خالد ابو الربيع الهلالي مولاهم كوفي صاحب قرآن، خرج مع زيد فقطعت اصبعه، ولم يخرج من اصحاب ابي جعفر غيره، ومات في حياة ابي عبدالله (ع)»[14]
وقال العلامة في الخلاصة: «سليمان بن خالد بن دهقان بن نافلة، مولى عفيف، أبو الربيع الأقطع، خرج مع زيد فقطعت إصبعه، لم يخرج من أصحاب أبي جعفر (عليه السلام) غيره، ثقة، صاحب قرآن».
وقال البرقي: «سليمان بن خالد البجلي الأقطع، كوفي، خرج مع زيد ابن علي فأفلت».
وفي كتاب سعد: «انه خرج مع زيد فأفلت، فمن الله عليه وتاب ورجع الى الحق بعد موته ورضي عنه أبو عبد الله عليه السلام بعد سخطه، وتوجع لموته.»[15]
ونقل الكشي عن حمدويه: قال:سألت ابا الحسن ايوب بن نوح بن دراج النخعي عن سليمان بن خالد النخعي أثقة هو فقال: كما يكون الثقة. ونقل عن محمد بن الحسن، وعثمان بن حامد، قالا: حدثنا محمد بن يزداد، عن محمد بن الحسين، عن الحسن بن علي بن فضال، عن مروان بن مسلم، عن عمار الساباطي، قال: كان سليمان بن خالد خرج مع زيد بن علي حين خرج، قال، فقال له رجل ونحن وقوف في ناحية وزيد واقف في ناحية: ما تقول في زيد هو خير أم جعفر ؟ قال سليمان: قلت والله ليوم من جعفر خير من زيد أيام الدنيا، قال: فحرك دابته وأتى زيدا وقص عليه القصة، قال: ومضيت نحوه فانتهيت إلى زيد وهو يقول جعفر امامنا في الحلال والحرام [16]
وعد شيخنا المفيد في ارشاده سليمان بن خالد من ثقات ابي عبدالله (ع) وهو من الطبقة الرابعة.
ثم انه يظهر من تعبير الاعلام عن الرواية بالصحيحة، ان سليمان بن خالد اما ان لا يعتقد بامامة زيد وانما خرج معه لا لهذه الجهة او انه كان معتقداً بها فتاب ورجع كما يظهر من العلامة (قدس سره).
وكان مقتضي نقل سعد بن عبدالله انه كان مورداً لسخط ابي عبدالله (ع) بخروجه الا انه رجع الى الحق قبل موته ورضي ابو عبدالله (ع) عنه بعد سخطه كما يؤيده توثيق العلامة له مع انه لا يرى ذلك في من كان في مذهبه الفساد وعليه فلا يستبعد الالتزام بذلك ومعه لكانت الرواية صحيحة.
هذا علي طريق الكليني.
واما طريق الصدوق. فرواها باسناده عن هشام بن سالم عن سليمان بن خالد واسناده اليه صحيح.
فالرواية صحيحة علي طريقه ايضاً.
[1]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص154 باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
[2]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص154 باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 2.
[4]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص153 باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 1.
[5]. السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص232.
[6]. الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص154 باب: 58 من أبواب وجوب الحج حديث: 3.
[8]. رجال الشيخ الطوسي، ص345.
[9]. العلامة الحلي، خلاصة الاقوال، ص
[10]. رجال النجاشي، ص434.
[11]. العلامة الحلي، خلاصة الاقوال، ص289.
[12]. الشيخ الطوسي، الفهرست، ص258.
[14]. رجال الشيخ الطوسي، ص215-216.
[15] العلامة الحلي، خلاصة الاقوال، ص154.