بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه شصت و هفتم
و افاد صاحب الفصول قدس سره – فی ضمن ما اورده علی کلام الفاضل السبزواری: «... ان الیقین فی اخبار الباب ظاهر فی الیقین الفعلی لا التقدیری و کذلک: الظاهر من عدم نقضه بالشک عدم تقضه بالشک المتعلق به تعلقاً فعلیاً لا تقدیریاً».[1]
و اساس ما افاده صاحب الکفایة فی المقام.
ان فعلیة الحکم بتحقق موضوعه و لا حکم فعلی بلا تحقق موضوعه لا وجوداً و لا بقاء.
کما ان الشک و الیقین من الصفات النفسانية التی لا یعقل تحققها للغافل، و لا یصدق علی الانسان العالم او الظان او الشاک فی حال الغفلة.
و لا شبهة.
ولا شبهة ان موضوع الاستصحاب هو الشك، وهو كاليقين والظن من صفات الانسان الملتفت دون الغافل.
وعليه، فالموضوع للاستصحاب كغيره من الاصول العملية الشك المتقوم بالالتفات، وهو الشك الفعلي، كما ان اليقين الذي جاز البناء عليه وابقائه في الاستصحاب هو اليقين المتقوم بالالتفات وهو اليقين الفعلي، وعليه فإذا كان ملتفتاً بالحدث اول الزوال، وشك في طهارته وعدم طهارته قبل الصلاة، ثم غفل وصلي يحكم بفساد صلاته، لأن في فرض الالتفات حصل له اليقين الفعلي بالحدث اول الزوال ثم شك قبل الصلاة في بقائه، فإنما يستصحب بقاء الحدث، والمفروض انه كان علي يقين من جهة عدم تطهيره بعد ذلك، فإذا غفل عن ذلك وصلي، فإنه تبطل صلاته بحكم الاستصحاب الذي يجري حال التفاته، ويثبت به عدم طهارته حين الورود في الصلاة.
وهذا بخلاف ما اذا كان غافلاً غير ملتفت بذلك، بمعني انه لو احدث و غفل عن ذلك، بمعني انه لم يحصل له الشك الفعلي ببقاء حدثه بل في حال الغفلة صلي ثم شك بعد الصلاة في انه هل تطهر قبل الصلاة وبعد علمه بالحدث او كان الحدث باقياً، فإنه لا يجري في مورده استصحاب الحدث، وتصح صلاته بمقتضي قاعدة الفراغ، وتمام التفاوت بين الموردين، تحقق الشك الفعلي بعد العلم بالحدث، وجريان استصحاب الحدث في الاول.
وعدم تحقق الشك الفعلي بعده والاتيان بالصلاة حين الغفلة فإنه لا يجري في مورده استصحاب الحدث.
ثم انه اورد اشكالاً بقوله لا يقال:
ومحصله:
ان بالنسبة الي المورد الاول وهو ما اذا احدث عند الزوال ثم غفل عن ذلك وصلي اي صورة عدم الشك الفعلي له قبل الصلاة:
ان استصحاب الحدث وان لا يجري لانتفاء الشك الفعلي المقوم له، الا انه لو حصل له الالتفات بعد الصلاة، فإنما تبطل صلاته، لأن استصحاب الحدث جار بعد الصلاة لفرض حصول الشك الفعلي ببقاء الحدث حال الصلاة الي بعد فراغه، ومقتضي هذا الاستصحاب كونه محدثاً حال الصلاة فتبطل صلاته، فلا فرق بين الموردين في بطلان الصلاة، وأجاب عنه قدس سره.
بأن مقتضي الاستصحاب المذكور، اي استصحاب الحدث بعد الفراغ عن الصلاة، وإن كان بطلان الصلاة.
الا ان مقتضي قاعدة الفراغ صحتها، فإنها هي المانع عن بطلان الصلاة وذلك، لأن المناط في جريان القاعدة حدوث الشك في صحة الصلاة بعد الفراغ عنها، وهي مقدمة علي اصالة فسادها.
نعم:
ان جريان هذا الاستصحاب انما يؤثر في لزوم تحصيل الطهارة اذا اراد الاتيان بصلاة اخري بعدها.
وأفاد السيد الخوئي قدس سره في مصباح الاصول:
«.. لا ينبغي الاشكال في ان مقتضي أدلة الاستصحاب هو اعتبار اليقين والشك الفعلي ، فان الأدلة المتكلفة لبيان الاحكام الواقعية أو الظاهرية واردة بنحو القضية الحقيقية التي يحكم فيها على تقدير وجود الموضوع ، لو دل دليل على أن الخمر حرام مفاده أن الحرمة ثابتة للخمر الفعلي ، ولا يدل على حرمة شئ لا يكون خمرا بالفعل وإن كان إذا غلا يكون خمرا .
وكذا لو دل دليل على وجوب تقليد العالم مثلا ، فمعناه وجوب تقليد العالم بالفعل لا تقليد من يكون له استعداد العلم بحيث لو تعلم يصير عالما ، كما هو واضح ، فلابد في جريان الاستصحاب من اليقين والشك الفعلي ، إذ لو أجري الاستصحاب مع الشك التقديري لكان جاريا مع عدم الشك ، وهو خلف ، لكون موضوعه اليقين والشك .
وفرع الشيخ ( ره ) على اعتبار اليقين والشك الفعلي في جريان الاستصحاب فرعين ، وتبعه صاحب الكفاية ( ره ) .
الفرع الأول - أنه لو كان أحد محدثا فغفل وصلى ثم شك في أنه تطهر قبل الصلاة أم لا ، فيجري استصحاب الحدث بالنسبة إلى الأعمال الآتية .
وأما بالنسبة إلى الصلاة التي أتى بها فلا يجري استصحاب الحدث ، لأنه كان غافلا قبل الصلاة ولم يكن له الشك الفعلي حتى تكون صلاته واقعة مع الحدث الاستصحابي ، وبعد الصلاة وإن كان الشك موجودا ، إلا أن قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب أو مخصصة له ، على ما يأتي في أواخر التنبيهات انشاء الله تعالى ، فيحكم بعدم وجوب الإعادة عليه .
الفرع الثاني :
أنه لو التفت قبل الصلاة ثم غفل وصلى فتكون صلاته باطلة ، لتحقق الشك الفعلي قبل الصلاة ، فقد وقعت مع الحدث الاستصحابي .
وفي كلا الفرعين نظر :
أما الفرع الأول :
فلأن قاعدة الفراغ لا تخلو من أمرين :
فاما أن تكون من الأصول التعبدية الشرعية .
وإما أن تكون من الامارات العقلائية كما هو الظاهر ، لان ترك الجزء أو الشرط عمدا لا يتصور بالنسبة إلى من هو في مقام الامتثال ، فان تركا لا يستند تركهما إلى إلى الغفلة والنسيان . وهو خلاف الأصل .
فإن مقتضى طبيعة الانسان هو الذكر في حال العمل ، لا السهو والنسيان كما في الأمور العادية ، فالفراغ عن العمل امارة كاشفة نوعا عن عدم وقوع الغفلة والسهو .
ويؤيد هذا المعنى :
قوله ( ع ) : " هو حين يتوضأ أذكر منه حين يشك " .
وكذا قوله ( ع ) : في صحيحة محمد بن مسلم الواردة في الشك في عدد ركعات الصلاة بعد الفراغ : " وكان حين انصرف أقرب إلى الحق منه بعد ذلك " .
فعلى القول بكون قاعدة الفراغ امارة نوعية على عدم وقوع الغفلة والسهو ، لا مجال للاخذ بها مع العلم بالغفلة كما هو المفروض في المقام .
فعدم جريان الاستصحاب في حال الغفلة مسلم ، لعدم الشك الفعلي ، إلا أنه لا مانع من جريانه بعد الصلاة حتى بالنسبة إلى الصلاة التي اتى بها ، لاختصاص قاعدة الفراغ بصورة عدم العلم بالغفلة ، فلا تجري في المقام حتى تكون حاكمة على الاستصحاب أو مخصصة له .
ولما ذكرنا من اختصاص قاعدة الفراغ بموارد عدم العلم بالغفلة ، لا تجري فيما لو شك في صحة العمل بعد الفراغ عنه ، مع العلم بكيفية وقوع العمل والشك في انطباقه على الواقع .
كما إذا شك بعد الوضوء في أنه توضأ بالماء أو بمائع آخر مع علمه بأنه توضأ بهذا المائع الموجود ، لكنه لا يدري أنه ماء أو مائع آخر ، فلا مجال للحكم بصحة الوضوء ، لقاعدة الفراغ ، لعدم كون احتمال البطلان مستندا إلى الغفلة بل إلى عدم المصادفة الاتفاقية للماء .
وأما على القول بكون قاعدة الفراغ من الأصول التعبدية الشرعية وعدم اختصاصها بموارد احتمال الغفلة لاطلاق بعض النصوص الدالة على أن ما مضى فأمضه كما هو ، فتكون قاعدة الفراغ حاكمة على الاستصحاب ، ولو قلنا بعدم اعتبار الشك الفعلي في الاستصحاب ، إذ لا اختصاص لحكومة القاعدة على الاستصحاب الجاري بعد الصلاة ، بل تكون حاكمة على الاستصحاب الجاري قبلها أيضا .
[1] . الفصول الغرویة، ص 372