بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هفتاد و نهم
القسم الثاني:
أن لا يكون الأصل متكفلا لبيان الحكم في الزمان الثاني والثالث ، كما إذا شككنا في طهارة ماء فحكمنا بطهارته للاستصحاب أو لقاعدة الطهارة ثم غسلنا به ثوبا متنجسا.
فلو لا جريان الاستصحاب أو القاعدة في الماء ، لكان مقتضى الاستصحاب في الثوب هو النجاسة ، لكن الحكم بطهارة الثوب من آثار طهارة الماء الثابتة بالاستصحاب أو القاعدة ، فيكون الأصل الجاري في الماء حاكما على استصحاب النجاسة في الثوب لكونه سببيا ، ويكون الأصل الجاري في الماء متكفلا لحدوث الطهارة في الثوب فقط ولا يكون متكفلا لطهارته في الزمان الثاني والثالث ، فبعد غسل الثوب بالماء المذكور لو شككنا في ملاقاته مع النجاسة لا مانع من جريان الاستصحاب في طهارة الثوب أو في عدم ملاقاته النجاسة[1].
وما افاده (قدس سره) ناظر الی ما افاده استاذه المحقق النائینی(قدس سره):
«... ربما يستشكل في استصحاب مؤدى الاستصحاب ( أي استصحاب ما كان محرزا بالاستصحاب ) إذا شك في بقاء المستصحب ، كما إذا كان الشئ مستصحب الطهارة أو النجاسة ثم شك في بقاء الطهارة أو النجاسة ، ففي جريان استصحاب الطهارة أو النجاسة المستصحبة إشكال .
وأشكل من ذلك:
استصحاب مؤدى الأصول الغير المحرزة ، بناء على كون " اليقين " مأخوذا على وجه التنجيز والمعذورية ، لكي تقوم الأصول الغير المحرزة مقامه ، كما إذا كانت طهارة الشئ أو حليته أو حرمته مؤدى أصالة الطهارة والحل والحرمة ثم شك في بقاء مؤدى هذه الأصول لاحتمال طرو ما يوجب النجاسة والحرمة والحلية ، فاستصحاب بقاء مؤدى هذه الأصول أشكل من استصحاب بقاء مؤدى الاستصحاب .
ومنشأ الإشكال :
هو أن المجعول في الأصول المحرزة وغير المحرزة بنفسه يستمر إلى انكشاف الخلاف والعلم بضد المؤدى أو نقيضه ، فان العلم بالخلاف إنما اخذ غاية لمطلق الأصول ، فالشك في بقاء مؤدى الأصل قد ألغاه الشارع بنفس التعبد بالأصل ولا معنى لاستصحابه .
وبعبارة أوضح :
استصحاب الحكم أو الموضوع يقتضي الجري العملي وترتيب آثار بقاء الحكم أو الموضوع إلى زمان العلم بالخلاف ، فإذا استصحب الحكم أو الموضوع في زمان ثم شك في بقاء الحكم أو الموضوع المستصحب ، فالتعبد ببقاء المستصحب في زمان الشك قد ثبت من الزمان السابق وهو زمان جريان الاستصحاب ، لان الحكم الاستصحابي كان غايته العلم بانتقاض الحالة السابقة ، فلا معنى للتعبد باستصحاب بقاء المستصحب ثانيا .
وإن شئت قلت : إنه في كل آن يشك في بقاء الحكم أو الموضوع يجري استصحاب بقاء نفس الحكم أو الموضوع ، وهذا غير استصحاب المستصحب . هذا في استصحاب مؤدى الاستصحاب .
وأما استصحاب مؤدى الأصول الغير المحرزة : فعدم جريان الاستصحاب فيه أوضح ، فان مؤدى أصالة الطهارة والحل والحرمة ليس إلا البناء على طهارة الشئ وحليته وحرمته مع الشك فيها ، وهذا المعنى لا يمكن استصحابه ، فإنه إن أريد استصحاب الطهارة والحلية والحرمة الواقعية فهي ليست مؤدى هذه الأصول ، لأنها لا تثبت المؤدى واقعا .
وإن أريد استصحاب الطهارة الظاهرية فموضوعها نفس الشك في الطهارة ولا يمكن استصحاب الأثر المترتب على نفس الشك ، فإنه لا معنى لاحراز ما هو محرز بالوجدان أو بالتعبد .
وإن شئت قلت أيضا :
إنه في كل زمان يشك في الطهارة والحلية والحرمة فأصالة الطهارة والحل والحرمة تجري ولا تصل النوبة إلى استصحابها ، وهذا لا ينافي حكومة الاستصحاب على هذه الأصول ، فان حكومة الاستصحاب فرع جريانه ، والمدعى في المقام أنه لا يجري لأنه لا أثر له .
هذا ، ولكن مع ذلك يمكن أن يقال :
بجريان الاستصحاب في مؤديات الأصول كجريانه في مؤديات الطرق والامارات ، بتقريب :
أن الاستصحاب إنما هو الحكم بعدم انتقاض ما ثبت بالشك في بقائه ، سواء كان ثبوته بالعلم أو بالامارة أو بالأصل .
وعلى كل حال : لو فرض أنه منعنا عن جريان الاستصحاب في مؤديات الأصول ، فليس ذلك لأجل عدم اليقين بثبوت المستصحب ، لما عرفت : من أن المراد من " اليقين " هو مطلق الاحراز ، بل مطلق ما يوجب التنجيز والمعذورية، سواء كان الموجب لذلك هو العلم الوجداني أو الامارة أو الأصل ، لاشتراك الجميع في أنها توجب الاحراز وتقتضي التنجيز والمعذورية.
فالمنع عن جريان الاستصحاب في مؤديات الأصول إنما هو لجهة أخرى غير جهة عدم اليقين بثبوت المستصحب.
فلو استشكل في جريان الاستصحاب في مؤديات الأصول ، فلا ينبغي الاشكال في جريانه في مؤديات الطرق والامارات ، لان ثبوت الشئ بالامارة كثبوته بالعلم قابل للتعبد ببقائه عند الشك ، فيندرج في قوله - عليه السلام - " لا تنقض اليقين بالشك " وذلك واضح لا مجال للتأمل فيه .»[2]
[1]. البهسودي، مصباح الاصول تقرير البحث السيد الخوئي، ج3، ص101
[2]. الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص404-407.