بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه نود و چهارم
قال الشیخ قدس سره في الرسائل:
«وأما الثالث:
وهو ما اذا كان الشك في بقاء الكلي مستندا إلى احتمال وجود فرد آخر غير الفرد المعلوم حدوثه وارتفاعه - فهو على قسمين:
لأن الفرد الآخر:
إما أن يحتمل وجوده مع ذلك الفرد المعلوم حاله.
وإما أن يحتمل حدوثه بعده، إما بتبدله إليه وإما بمجرد حدوثه مقارنا لارتفاع ذلك الفرد.
وفي جريان استصحاب الكلي في كلا القسمين:
نظرا إلى تيقنه سابقا وعدم العلم بارتفاعه، وإن علم بارتفاع بعض وجوداته وشك في حدوث ما عداه، لأن ذلك مانع من إجراء الاستصحاب في الأفراد دون الكلي، كما تقدم نظيره في القسم الثاني.
أو عدم جريانه فيهما:
لأن بقاء الكلي في الخارج عبارة عن استمرار وجوده الخارجي المتيقن سابقا، وهو معلوم العدم.
وهذا هو الفارق بين ما نحن فيه والقسم الثاني، حيث إن الباقي في الآن اللاحق بالاستصحاب هو عين الوجود المتيقن سابقا.
أو التفصيل بين القسمين:
فيجري في الأول، لاحتمال كون الثابت في الآن اللاحق هو عين الموجود سابقا، فيتردد الكلي المعلوم سابقا بين أن يكون وجوده الخارجي على نحو لا يرتفع بارتفاع الفرد المعلوم ارتفاعه.
وأن يكون على نحو يرتفع بارتفاع ذلك الفرد، فالشك حقيقة إنما هو في مقدار استعداد ذلك الكلي، واستصحاب عدم حدوث الفرد المشكوك لا يثبت تعيين استعداد الكلي.
وجوه، أقواها الأخير.
ثم افاد قدس سره بأنه لا يتم الالتزام بعدم جريان الاستصحاب في القسم الثاني، اي ما شك في حدوث الفرد الآخر مقارناً للفرد الاول اذا كان الفرد المشكوك حدوثه من مراتب الفرد الاول عرفاً ـ اي جريان الاستصحاب في النحو الثاني من القسم الثالث ـ اي الشك في تبدل فرد بفرد.
وقال:
«ويستثني من عدم الجريان في القسم الثاني:
ما يتسامح فيه العرف ما يتسامح فيه العرف فيعدون الفرد اللاحق مع الفرد السابق كالمستمر الواحد، مثل: ما لو علم السواد الشديد في محل وشك في تبدله بالبياض أو بسواد أضعف من الأول، فإنه يستصحب السواد.
وكذا لو كان الشخص في مرتبة من كثرة الشك، ثم شك - من جهة اشتباه المفهوم أو المصداق - في زوالها أو تبدلها إلى مرتبة دونها.
أو علم إضافة المائع، ثم شك في زوالها أو تبدلها إلى فرد آخر من المضاف.
وبالجملة: فالعبرة في جريان الاستصحاب عد الموجود السابق مستمرا إلى اللاحق، ولو كان الأمر اللاحق على تقدير وجوده مغايرا بحسب الدقة للفرد السابق.
ولذا لا إشكال في استصحاب الأعراض، حتى على القول فيها بتجدد الأمثال، وسيأتي ما يوضح عدم ابتناء الاستصحاب على المداقة العقلية [1].
هذا ما افاده الشيخ قدس سره
وقد عرفت التزامه بالتفصيل بين ما اذا كان الشك في حدوث الفرد الآخر مقارناً لوجود الفرد الاول فالتزم بجريان الاستصحاب فيه
وبين ما اذا كان الشك في حدوث الاخر مقارناً لارتفاع الفرد الاول فلا يجري، وانما التزم بجريان الاستصحاب في القسم الاخير اذا كان الشك في حدوث الفرد الاخر مقارناً لارتفاع الاول من قبيل الشك في تبدل مرتبة الي مرتبة اخري مما يراه العرف استمراراً لوجود السابق.
هذا وقد عرفت في كلام صاحب الكفاية ايضاً:
الالتزام بجريان الاستصحاب فيما اذا كان الشك في تبدل الفرد الاول الي الفرد الثاني مما يراهما العرف فرداً واحداً للطبيعي ولو مسامحة بخلاف ما اذا يراهما فردين متباينين.
وأفاد بأن من قبيل الاخير الوجوب والاستحباب المتبادلين، اي علمنا بوجوب شئ ثم علمنا بارتفاعه الا ان الشك تعلق بتبدله الي الاستحباب فإنه لم يلتزم بجريان الاستصحاب فيه، وأفاد في وجهه:
بأن العرف يري الايجاب والاستحباب المتبادلين فردين متباينين لا واحد مختلف الوصف في زمانين.
وإن مقتضي اطلاق ادلة الاستصحاب، ان موردها ما كان رفع اليه عنه مع الشك نقضاً عرفاً. ولو لم يكن نقض بحسب الدقة.
ونظره الي ان الوجوب والاستحباب لا يراهما العرف واحداً مختلف الوصف في زمانين، بل يراهما فردين متباينين.
ويظهر منه انه لو كان الفردين المتبادلين واحد مستمراً اختلفا بحسب الوصف عرفاً يجري فيه الاستصحاب.
وقرر ان الاستحباب والوجوب من هذا القبيل وان العرف يراهما فردين متباينين لا واحداً مختلف الوصف في زمانين فلا يجري الاستصحاب فيما اذا شك في تبدل الوجوب المتيقن بالاستحباب.
وقد افاد المحقق الاصفهاني في الحاشية بما حاصله:
ان التغاير بين الوجوب والاستحباب ليس بالشدة والضعف كما قيل من ان تفاوتهما بالمرتبة.
وذلك:
لأن الوجوب والاستحباب من الأمور الاعتبارية التي توجد بانشاء مفاهيمهما وتتحقق بالاعتبار، ومن الواضح ان الاعتبار لا يقبل الشدة والضعف.
نعم:
يتفاوت الوجوب والاستحباب في الشدة والضعف بلحاظ مبدئهما وهو الارادة، فإنهما قابلة للشدة والضعف.
لكن مجري الاستصحاب ليس هو الارادة، بل هو الحكم الشرعي وهو كلي الطلب، وقد عرفت انه لا يقبل الشدة والضعف، لأنه من الامور الاعتبارية، فالوجوب والاستحباب كما هما متغايران عرفاً، كذلك هما متغايران دقة وعقلاً.
فلا مجال لاستصحاب كلي الطلب مع العلم بزوال الوجوب والشك في حدوث الاستحباب او غيره من الاحكام..»
فما افاده صاحب الكفاية قدس سره من ان العرف يعتبرونهما فردين متباينين مع انه يمكن تصويرهما واحداً بالدقة العقلية مما لا يتم المساعدة عليه[2].
ويمكن ان يقال:
اما بالنسبة الي القسم الثالث من القسم الثالث من استصحاب الكلي وهو الصورة التي حصل لنا اليقين بوجود الكلي في ضمن فرده ثم شككنا في تبدله بفرد آخر، فإن اساس الشك في هذه الصورة هو الترديد في ان الفرد المتيقن حدوثه كالمرتبة الشديدة من السواد مثلاً هل زالت رأساً او تبدلت بمرتبة خفيفة.
فقد مر في كلام صاحب الكفاية وكذا الشيخ وغيرهما ان فيه تفصيل وهو انه لو كان الفرد الآخر اي ما تبدل الفرد الاول به يعد مع الاول فرداً واحداً او عنواناً واحداً عرفاً وإن كانا مختلفين بالدقة العقلية كالسواد الشديد والضعيف، فإنه يجري فيه الاستصحاب لأن المعيار في بقاء الموضوع وحدة الحادث المتيقن مع الباقي المشكوك عرفاً، وهذا مما لا كلام فيه، اذا العرف يري الفردين المتصورين فرداً واحداً وان الاختلاف بينهما في المرتبة او الوصف.
وقد مر في كلام الشيخ التمثيل له بوصف كثرة الشك وقلته حيث ان موضوع الشك في كلا الموردين محفوظ وانما الاختلاف بينهما في المرتبة او الوصف.
وكذا باضافة المانع والشك في زوالها او تبدلها الي فرد آخر من المضاف وهذا لا كلام فيه.
وأما اذا كان الفرد الذي تبدل الفرد المتيقن اليه مغاير للأول ومباين له عند العرف فالتزموا بأنه لا يجري فيه الاستصحاب وإن كانا واحداً بالدقة العقلية. واساس وجهه ان اعتبار وحدة الموضوع في الاستصحاب بين القضية المتقنة والقضية المشكوكة انما هي الوحدة العرفية دون العقلية، وهذا لا كلام فيه ايضاً.
الا ان صاحب الكفاية قدس سره مثّل له بالوجوب والاستحباب حيث افاد بأنهما وإن كانا واحداً بالدقة العقلية الا انهما مبانيان عرفاً.
وليعلم ان في المقام مبنيان:
الأول:
تغاير الوجوب والاستحباب لأنهما اعتباران مستقلان صادران عن الشرع، وإن كل واحد منهما اعتباراً مستقلاً عن الاخر.
الثاني:
ان ما صدر عن الشرع في موردهما اعتبار الطلب، وأما الالزام او الرجحان من اوصافه ولا تغاير بينهما حقيقة.
[1] الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج3، ص195ـ196.
[2] الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج3، ص78.