بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و یکم
اذا عرفت هذا.
فإن المحقق صاحب الكفاية تعرض هنا لمقالة الفاضل النراقي بعنوان «ازاحة وهم» ونقل ما حكي حسب تعبيره عن بعض الافاضل.
ودفعه بعين ما افاده الشيخ في الوجه الثاني من جوابه.
قال قدس سره:
«لا يخفي ان الطهارة الحدثية والخبثية وما يقابلهما يكون مما إذا وجدت بأسبابها، لا يكاد يشك في بقائها إلا من قبل الشك في الرافع لها، لا من قبل الشك في مقدار تأثير أسبابها، ضرورة أنها إذا وجدت بها كانت تبقى ما لم يحدث رافع لها، كانت من الأمور الخارجية أو الأمور
الاعتبارية التي كانت لها آثار شرعية، فلا أصل لأصالة عدم جعل الوضوء سببا للطهارة بعد المذي، وأصالة عدم جعل الملاقاة سببا للنجاسة بعد الغسل مرة، كما حكي عن بعض الأفاضل.
ولا يكون ها هنا أصل إلا أصالة الطهارة أو النجاسة».[1]
وحاصله:
ان الشك في الامثلة المذكورة كالشك في الطهارة بعد المذي، وفي طهارة الثوب النجس اذا غسل مرة، كلها شكاً في الرافع دون المقتضي، اي لا يكون الشك في مقدار تأثير السبب، بل في تأثير السبب مادام لم يعرض مانع ورافع، ومعه فلا مجال لإصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي ولا لإصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة، وليس هنا الا اصالة الطهارة، اي استصحاب الطهارة قبل المذي، واصالة النجاسة وهي استصحاب النجاسة قبل الغسل مرة.
وبعبارة اخري:
ان مثل الطهارة الحدثية او الخبثية وما يقابلها من الحدث والخبث انما تكون بحيث اذا وجدت اسبابها كالوضوء او الغسل والغسل لا يحصل شك في بقائها الا من ناحية الشك في الرافع لها، ولا يحصل الشك في مقدار تأثير اسبابها، فالشك فيها دائماً يكون من الشك في الرافع دون الشك في المقتضي، ولا فرق في ذلك بين كونها من الامور الواقعية الخارجية التي كشف عنها الشارع بمقتضي الدليل، او كانت من الامور الاعتبارية التي يعتبرها الشارع ويترتب عليها الاثار التكليفية، فإن الشك فيها دائما يكون الشك في رافعها، فليس هنا مجري الا لاستصحاب الطهارة، او استصحاب النجاسة كما مر في المثال.
هذا تمام ما افاده صاحب الكفاية في المقام.
ثم ان سيدنا الاستاذ اورد علي صاحب الكفاية فيما أجاب به عن الفاضل النراقي قدس سرهما وقال:
«.. لا ظهور لكلام النراقي في كون مجرى الاستصحاب هو نفس السببية، بل من الممكن أن يكون نظره إلى منشأ انتزاعها وهو ثبوت الطهارة على تقدير الوضوء.
وعليه، فيكون مقصوده ايقاع المعارضة بين استصحاب الطهارة الثابتة قبل المذي، واستصحاب عدم جعلها بعد الذي، الذي تقدم بيانها في مبحث استصحاب الحكم الكلي عند بيان مرامه، فمجرى الاستصحاب نفيا واثباتا هو المسبب لا سببية السبب حتى يورد عليه بأنه لا شك في السببية.
وبهذا الحمل لكلامه ( رحمه الله ) ظهر انه لا وجه لإطالة الكلام بتحقيق ان الوضوء مقتض للطهارة، والحدث هل يكون من قبيل الرافع أو يكون عدمه متمما للمقتضي؟. كما تصدى إلى ذلك المحقق الأصفهاني في بيان مسهب مفصل فراجع».[2]
ونظره قدس سره الي ان اساس كلام صاحب الكفاية في دفع مقالة النراقي هو ان الشك في الطهارة في امثالها دائماً يكون من جهة الشك في الرافع لها دون الشك في مقدار تأثير اسبابها ومعه فلا وجه لاصالة عدم جعل الوضوء سبباً للطهارة بعد المذي او اصالة عدم جعل الملاقاة سبباً للنجاسة بعد الغسل مرة.
فأفاد بأن كون مجري الاستصحاب هو نفس السببية غير مستفاد من كلام النراقي بظاهره، بل يمكن ان يكون نظره الي ان مجري الاستصحاب منشأ انتزاع السببية وهو ثبوت الطهارة علي تقدير الوضوء، دون نفس سببيتها للوضوء.
وعليه فإنما يمكن هنا تصوير المعارضة بين استصحاب الطهارة الثابتة قبل المذي، واستصحاب عدم جعلها بعد المذي، وأفاد بأنه تقدم بيان ذلك في مبحث استصحاب الحكم الكلي وفي ذلك المقام افاد:
«ويقع الكلام في جريان الاستصحاب في الأحكام الكلية. فقد توقف فيه جمع، منهم المحقق النراقي، وتبعه عليه في الجملة السيد الخوئي. ومنشأ الاشكال الذي ذكره النراقي:
ليس قصور الأدلة في أنفسها ـ أي ادلة الاستصحاب ـ وإنما هي جهة أخرى ستتضح انشاء الله تعالى.
وتحقيق الكلام:
هو ان الشك في بقاء الحكم الشرعي:
تارة: يرتبط بمقام الجعل والتشريع، ولو لم يكن المجعول فعليا لعدم موضوعه، كما لو ثبت جعل وجوب الحج على المستطيع في الشريعة ثم شك في بقاء هذا التشريع والجعل ولو لم يكن مستطيع فعلا.
ولا اشكال في جريان استصحاب الجعل، ويعبر عنه باستصحاب عدم النسخ. ولا كلام في ذلك.
وأخرى:
يرتبط بمقام المجعول، كما لو ثبت الحكم الفعلي في زمان فشك في بقائه، كالشك في بقاء حرمة وطا الحائض بعد انقطاع الدم وقبل الغسل. ومنشأ الشك في بقاء الحكم الفعلي...
تارة: يكون الشك في الأمور الخارجية مع العلم بحدود الحكم المجعول من قبل الشارع سعة وضيقا، ويعبر عنه بالشبهة الموضوعية، كما لو علم بعدم حرمه الوطء بعد انقطاع الدم وقبل الغسل، ولكن شك في تحقق انقطاع الدم. وجريان الاستصحاب في الحكم أو في الموضوع في مثل ذلك خارج عنمحل الكلام.
[1] . آخوند خراسانی، کفایة الأصول، ج1، ص410.
[2] . السید عبد الصاحب الحکیم، منتقی الأصول، ج6، ص 194.