بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و یکم
وهنا مقام ثالث:
وهو انه لو استقر عليه الحج ومات وعليه دين، ولا يفي المال الذي تركه بهما فهل يقدم الحج او الدين وهذا هو مورد البحث في مسألتنا ـ مسألة 83ـ
فنقول:
لا بحث في المقام الاول، واما المقام الثاني فظاهر جميع من الاعلام افتراقه عن المقام الثالث، كالمحقق النائيني قدس سره من التفريق في ذلك بين حال الحياة وحال الموت.
وَذَلِكَ لِأَنَّ مِثْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ أَوْ الدِّينِ فِي حَالِ الحياة إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالذِّمَّةِ وَفِي فَرْضِ عَدَمُ وَفَاء الْمَال بِهِمَا فَإِنَّمَا يَقَعُ التَّزَاحُم بَيْن التكليفين وَاحْتَمَلُوا قوياً أَو ضعيفاً أَوْ مِنْ بَابِ الِاحْتِيَاطِ تَقَدَّم الدِّين لأهميته أَوْ احْتِمَال أهميته .
وَهَذَا بِخِلَافِ الْمَقَام الثَّالِث، حَيْثُ إنَّهُ أَفَادَ بِأَنَّ مِثْلَ وُجُوبِ الْحَجِّ وَالدِّين وَأَمْثَالِه إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَيْنِ أَيْ عَيْن مَا تَرَكَ وَلَا وَجْهَ لِجَرَيَان التَّزَاحُم فِي الْمَقَامِ فَلَا تُصَلِّ النوْبَة إلَى تَقْدِيمِ أَحَدِهِمَا بمقتضى الأهَمِّيَّة او احْتِمَال الأهَمِّيَّة. وَعَلَيْهِ فَلَا مناص إلَّا التَّقْسِيم بَيْنَهُمَا والتحصيص.
وهذا هو مختار السيد صاحب العروة قدس سره ايضاً وان كان لا يرى اهمية الدين وتقدمه بها حتى في المقام الثاني كما مر.
وَأَمَّا مِثْلُ السَّيِّد الْخُوئي (قدس سره) وَالسَّيِّد الْأُسْتَاذ (قدس سره) إنَّمَا الْتزِمَا بِذَلِكَ أَيْ التَّزَاحُم لَوْ لَا قِيَامَ النَّص، وَلَكِنَّهُمَا الْتزِمَا بِقِيَام النَّصِّ عَلَى تَقَدُّمِ الْحَجِّ عَلَى الدِّينِ فِي الْمَقَامِ الثَّالِث وَأَنَّه لَوْلَا النَّص لالتزمنا بِتَقَدُّم الدِّين لاهميته أَو احْتِمَالِهَا بَعْد الِالْتِزَام بِجَرَيَان قَاعِدَة التَّزَاحُم فِي الْمَقَامِ.
والعمدة من النصوص الدالة على تقديم الحج طائفتان:
الاولى:
ما دلت على تقديم الحج على الزكاة:
نظير صحيحة معاوية بن عمار السابقة: قُلْت لَهُ : رَجُل يَمُوتُ وَعَلَيْهِ خَمْس مِائَةِ دِرْهَمٍ مِنْ الزَّكَاةِ ، وَعَلَيْهِ حَجَّةُ الْإِسْلَامِ ، وَتَرَك ثَلَاثُمِائَة دِرْهَم ، وَأَوْصَى بِحَجَّةِ الْإِسْلَامِ وَأنْ يُقْضَى عَنْهُ دَيْنُ الزَّكَاةِ ؟ قَال: يحج عَنْهُ مِنْ أَقْرَبِ مَا يَكُونُ، ويخْرج الْبَقِيَّة فِي الزَّكَاةِ[1].
وكذا رواية أُخرى عنه عن أبي عبدالله (ع) ـ وقد مر اعتبارها سنداً وان اورد عليه صاحب الجواهر (قدس سره) وغيره ـ في رجل مات وترك ثلاثمأة درهم وعليه من الزكاة سبعمأة درهم ، وأوصى أن يحج عنه ، قال : يحج عنه من أقرب المواضع ويجعل ما بقي في الزكاة[2].
وقد مرَّ ايراد صاحب الجواهر عليهما باعراض الاصحاب عنهما وقصور سند الثاني منهما واختصاصهما بالزكاة.
وكذا اورد عليهما صاحب العروة بقوله قدس سره: لكنهما موهونان باعراض الاصحاب مع انهما في خصوص الزكاة.
وبعد الالتزام باعتبار سند الرواية الثانية فانما يبقي الاشكال فيهما في اعراض الاصحاب واختصاصهما بباب الزكاة.
اما اشكال الاختصاص فيمكن التفصي عنه بان ذكر الزكاة في مورد السؤال لا يوجب اختصاص الحكم بعد امكان التسري الى الخمس وغيره من الواجبات المالية وان لا يلتزمون الاصحاب بجميع مواردها.
واما اشكال الاعراض، فهو وان لا يعتني به السيد الخوئي قدس سره الا انه يشكل المضي عنه بعد عدم اعتناء اصحابنا الاوائل بهما فتوى مع كونهم من نقلتهما وكانت هذه الروايات في مرآهم ومنظرهم ومع ذلك لا يفتون مستنداً اليهما.
وعليه فلا يتم الاستناد الى الروايتين المذكورتين لتقدم الحج.
الطائفة الثانية:
ما دل على تقديم الحج على الدين الشخصي.
وهي صحيحة بريد العجلي المتقدمة: عن رجل خرج حاجا ومعه جمل له ونفقة وزاد فمات في الطريق قال إن كان صرورة ثم مات في الحرم فقد أجزء عنه حجة الاسلام وإن كان مات وهو صرورة قبل أن يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام فإن فضل من ذلك شئ فهو للورثة إن لم يكن عليه دين)» [3].
وقد مرَّ اشكال صاحب العروة فيها ـ في مسألة 73 ـ : بقوله: لكنه معارض بمفهوم صدرها وبصحيح ضريس وصحيح زرارة ومرسل المقنعة، وقد مر ان نظره في المعارضة الى عدم كفاية الدخول في الحرم في الاجزاء ما لم يحرم والرواية مضطربة من هذه الجهة، لان مفهوم صدرها بقوله (ع) ان كان صرورة، ثم مات في الحرم فقد اجزأ عنه حجة الاسلام. انه لو لم يمت في الحرم بل مات قبل الدخول في الحرم لا يجزئ عنه حجة الاسلام وان أحرم، وهو ينافي مدلول الذيل بقوله: وان كان مات وهو صرورة قبل ان يحرم جعل جمله وزاده ونفقته وما معه في حجة الاسلام أي: لا يجزئ عنه الحج اذا مات قبل الاحرام مطلقاً وان كان دخل في الحرم.
ومقتضى مفهوم صحيح ضريس عدم الاجزاء اذا مات قبل الدخول في الحرم وان كان محرماً.
ولذا افاد السيد الحكيم (قدس سره):
« وحينئذ يدور الأمر بين تقييد الذيل - بأن يراد منه قبل أن يحرم ويدخل الحرم - وبين حمل الصدر على إرادة الاحرام من دخول الحرم ، وبين رفع اليد عن المفهوم في الطرفين ، فتكون الصورة الثالثة - وهي صورة الاحرام وعدم دخول الحرم - غير متعرض لها الحديث بكلتا شرطيتيه . ولا ترجيح لبعض هذه التصرفات على بعض ، فيكون الصحيح مجملا من هذه الجهة . فيرجع إلى غيره . أو يدعى أظهرية الأخير منه - كما هو غير بعيد - فيتعين الرجوع إلى غيره أيضا.»[4]
وعلى فرض اجمال صحيحة بريد، أو ظهور الاحتمال الاخير فيه وهو عدم تعرض الحديث الى صورة الاحرام وعدم دخول الحرم كما لا يستبعده السيد الحكيم سقطت الرواية عن الاعتبار، ومعه لا يتم التمسك بها في اي جهة فيها ومن جملتها تقدم الحج على الدين المستفاد من ذيلها.
هذا ومع القول بان المعارضة بين صدر الرواية وذيلها واجمالها من جهة اعتبار الاحرام ودخول الحرم معاً لا ينافي تمامية الظهور فيها بالنسبة الى تقدم الحج على الدين.
وهذا يبتني على رفع اليد عن دلالتها على لزوم القضاء اذا دخل الحرم بغير احرام، لان في هذه الصورة لا وجه لشمول دليل القضاء للمورد وعدم استقرار الحج لكشف الموت قبل الاحرام عن عدم تحقق الاستطاعة.
هذا مع انه يمكن ان يقال:
ان هذه الصحيحة مع غمض العين عن الاشكالات السابقة فيها من الاجمال وغيره لا دلالة فيها على تقدم الحج على الدين مطلقاً، وذلك لان موردها من خرج للحج ومات في الحرم قبل الاحرام، ومثل هذا الشخص ان قلنا بوجوب قضاء الحج عليه فرضاً واغمضنا عن هذا الاشكال الاساس في مدلول الرواية، انما بادر الى الاتيان بالحج واتى بمقدماته وهي طي المسير، فليس هو ممن يدور الامر له بين الاتيان بالحج واداء الدين، بل بادر نفسه الى الاتيان بالحج وحيث انه قد صرف من ناحيته بعض مؤونة الحج فلذا امر الامام (ع) بصرف نفقته وراحلته المتهأ فعلاً للحج فيها، ثم صرف ما بقي في الدين لو كان له دين وهذا لا يدل على تقدم الاتيان بالحج على الدين في جميع الاحوال، بل اللازم اختصاص المدلول بمورد الرواية لوجود الخصوصية فيها المانعة عن اسراء الحكم منها الى غيرها.
فان قلت:
ان مع تقدم الدين او مزاحمته لوجوب الحج لا يجوز له ولا يجزئ عنه الحج خصوصاً اذا كان الدين حالاً او مطالب. وحيث ان الامام عليه السلام لا يتعرض لذلك اي عدم صحة حجه، بل افاد بانه لو اتى عنه الحج بنفس زاده ونفقته كفى فانما يدل ذلك على عدم تقدم الدين او عدم مزاحمته.
قلت:
ان الرواية قابلة للحمل على صورة كفاية ماله للحج واداء الدين كما يقبل الحمل على صورة عدم كونه معجلاً أو مطالباً، ومع فرض عدم وفاء المال بهما وكونه معجلاً مطالباً، فانما يصحح الامر بالحج بالترتب كما مرَّ في كلام السيد الخوئي (قدس سره) حيث انه لزمه اداء الدين ولكنه عصى الامر بالأهم، فيصير الامر بالمهم فعلياً في فرض التزاحم وعليه فانه لا محذور في عدم تعرض الامام (ع) لهذه الجهة وان الصحيحة مختصة بصورة المبادرة الى الحج بطي المسير وتحصيل الزاد والراحلة للحج، وحيث ان واجب الحج قد قضي منه بعض العمل من المقدمات وهي لا يكون أقل من اصل الاعمال اي طي المسير هو العمدة في الاتيان بالافعال، فامر الامام (ع) بصرف الزاد والراحلة الموجودتين في الحج ورد الدين لو كان له دين وبقي منه شيء، ثم التقسيم بين الورثة.
هذا ولكن الاصحاب ولعله لبعض ما مر من المحاذير لم يلتزموا بالرواية المذكورة، بل التزاموا في جميع الموارد بالتحصيص مثل صاحب الجواهر وصاحب العروة وغيرهما.
فقد مرَّ عن صاحب العروة (قدس سره):
«... وان كان في الذمة فالاقوى ان التركة توزع على الجميع بالنسبة كما في غرماء المفلس.»
وقد نفى تقديم الحج على غيره كما نفى تقديم الدين.
والقول بالتوزيع بالنسبة والتحصيص التزم به المحقق في الشرايع وقال صاحب المدارك: انه واضح بل هو المعروف بيننا، وتقتضيه الترجيح بلا مرجح.
[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج9، ص 255. الباب، 21 من ابواب المستحقين للزكاة الحديث 2.
[2] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص 359. الباب 42 من ابواب احكام الوصايا، الحديث1.
[3] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص 69. الباب 26 من ابواب الحج.
[4] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص208.