بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سی ام
ومنها:
ما رواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه عن النوفلي عن السكوني عن ابي عبدالله (ع) قال:
أول شئ يبدأ به من المال الكفن ، ثم الدين ، ثم الوصية ، ثم الميراث»[1].
ورواه الصدوق باسناده عن السكوني
ومدلولها الترتيب بين تجهيز الميت والوصية والميراث، وان التصرف بعنوان الميراث يتأخر عن الامرين وظاهرها عدم الابتداء بالتصرف في المال بالميراث الا بعد اخراج التجهيز والوصية.
اما جهة السند فيها.
فرواه الكليني عن علي بن ابراهيم عن ابيه.
وقد مر الكلام فيه.
ورواه ابراهيم بن هاشم عن النوفلي. وهو الحسين بن يزيد النوفلي.
قال النجاشي: «كان شاعراً اديباً وسكن الري ومات بها وقال قوم من القميين انه غلا في آخر عمره والله اعلم، وما روينا له رواية تدل على هذا....»[2]
لا تنصيص على وثاقته ولكن صاحب المستدرك افاد في المستدرك: قد اوضحنا وثاقته. وهو من رجال تفسير علي بن ابراهيم. وهو من الطبقة السادسة.
وهو رواه عن السكوني. وهو اسماعيل بن ابي زياد السكوني.
كان عامياً ونقل الشيخ عن ابن عقدة عمل الطائفة برواياته ما لم يكن عندهم خلاف. ووثقه المحقق قدس سره. وهو من الطبقة الخامسة
وهذا السند لا يخلو عن الاعتبار عند كثير.
هذا بالنسبة الى سند الكليني.
واما طريق الصدوق وهو اسناده الي السكوني فهو لا يصحح عندهم.
ومنها:
ما رواه الشيخ باسناده عن علي بن الحسن عن عمرو بن عثمان عن الحسن بن محبوب عن عباد بن صهيب عن ابي عبدالله (ع):
في رجل فرط في إخراج زكاته في حياته ، فلما حضرته الوفاة حسب جميع ما فرط فيه مما يلزمه من الزكاة ، ثم أوصى به أن يخرج ذلك فيدفع إلى من يجب له .
قال ( عليه السلام ) : جائز، يخرج ذلك من جميع المال . إنما هو بمنزلة دين لو كان عليه ، ليس للورثة شئ حتى يؤدوا ما أوصى به من الزكاة قيل له: فان كان اوصي بحجة الاسلام؟ قال: جائز يحج عند من جميع المال.»[3]
اما جهة الدلالة فيها:
ان قوله (ع) ليس للورثة شئٌ حتى يؤدي ما اوصي به من الزكاة اي انه لا يتعلق المال بالورثة الا بعد اداء الزكاة أو لا يجوز لهم التصرف في ذلك قبله، لا قوله (ع) ليس للورثة شئ... . اي ليس لهم شرعاً شئٌ الا بعد دفع ما يوصيه. فالوصية حيث انه مشاع في المال ويلزم في مثله الاستيذان، وانه استيذان في الزكاة ولا للحج.
اما جهة السند فيها:
فرواه الشيخ باسناده عن علي بن الحسن واسناده اليه صحيح في مشيخة التهذيب.
وعلي بن الحسن هو علي بن الحسن بن علي بن فضال. وثقه الشيخ في الفهرست وقال النجاشي: فقيه اصحابنا بالكوفة ووجههم وثقتهم.
ومثله العلامة[4] وهو من اصحاب الهادي والعسكري (ع) ومن الطبقة السابعة.
وهو رواها عن عمرو بن عثمان. وهو عمرو بن عثمان الثقفي الخزاز وثقه النجاشي والعلامة وهو من الطبقة السادسة .
وهو رواها عن الحسن بن محبوب السراد ويقال الزراد وثقه الشيخ في كتابيه وابن ادريس والعلامة وهو من اصحاب اجماع الكشي. ومن الطبقة السادسة وهو رواها عن عباد بن صهيب. وثقه النجاشي وقال المجلسي موثق عامي وهو من الطبقة الخامسة فالرواية موثقة.
وقد التزم السيد الحكيم بعدم انتقال ما يساوي الدين والوصية الى الورثة مستنداً الى هذه الروايات وقد عرفت اعتبار الروايتين منهما
وقوة اعتبار الآخر.
ثم انه (قدس سره) أفاد ف ي ذيل كلامه.
بانه لا يجوز التصرف في التركة لانه تصرف في ملك الغير هذا على القول الأخير.
واما بناء على القول الأول وهو انتقال ما يساوي الدين والوصية الى الورثة، فان حق الديان متعلق بالتركة المنتقلة الى الوارث، بلا خلاف وفاقاً للجواهر وان صاحب الجواهر (قدس سره) ادعى الاجماع بقسميه عليه.
فبناءً على هذا القول لا يجوز التصرف في التركة بما يوجب ضياع الحق وانتفائه بانتفاء موضوعه. والمراد التصرف فيها بالاتلاف.
واما التصرف فيها بالبيع ونحوه من التصرف الناقل:
فافاد بان عدم جواز هذا التصرف يتوقف على كون حق الديان قائماً بالتركة بما انه ملك للوارث ـ كما في حق الرهانة ـ فعليه إن انتقالها بالبيع وغيره من الاسباب الناقلة يوجب انتقال موضوع الحق.
واما لو قلنا بان حق الديان قائم بالتركة مطلقاً ـ لا بما انها ملك الوارث ومن قبيل حق الرهانة ـ بل انها من قبيل حق الجناية القائم بالعبد الجاني وان لم يكن في ملك مالكه حال الجناية، وهذا هو مختار المشهور، فانه لا مانع من التصرف فيها بالبيع والاسباب الناقلة.
وافاد بانه غير ظاهر من الادلة العامة وان كان يساعده ارتكاز العرف والمتشرعة، وربما يستفاد من صحيحة البزنطي وموثقة عبد الرحمن ابن الحجاج.
وسياتي البحث فيهما قريباً.
وافاد السيد الخوئي في ما اذا كان مصرف الحج مستغرقاً للتركة كالدين المستغرق:
«.. فلا يجوز للورثة التصرف في المال المتروك لعدم انتقال المال إلى الورثة لأن المستفاد من الآية المباركة و النصوص تأخر مرتبة الإرث عن الدين.
و قد حقق في محله ان المال ينتقل إلى الغرماء من نفس الميت لا من الورثة و يكون المال باقيا على ملك الميت و الغرماء يتلقون المال من الميت لا من الورثة و لا مانع أصلا من ملك الميت، فتكون الورثة أجنبية عن المال بالمرة و حالهم حال الأجانب في التصرف في التركة على حد سواء.
نعم للوارث و لغيره التبرع بأداء الدين أو بإتيان الحج كما ان للدائن الإبراء فحينئذ لا يبقى موضوع للدين و يجوز للورثة التصرف في التركة كالارتفاع موضوع الدين بالتبرع أو بالإبراء.
هذا كله على ما يقتضيه التحقيق من عدم انتقال التركة إلى الورثة إذا كان الدين مستغرقا.
و إما على القول الأخر الذي ذهب إليه جملة من الاعلام من انتقال المال إلى الورثة. فكذلك لا يجوز لهم التصرف في التركة لأنها متعلقة لحق الغير فعلى كل من القولين لا يجوز للورثة التصرف في التركة.»[5]
ومراده من الآية الشريفة قوله تعالى:
(يوصيكم الله في اولادكم للذكر مثل حظ الانثيين...). الى قوله تعالى: ( فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ ....)[6]
( وَ لَكُمْ نِصْفُ مَا تَرَكَ أَزْوَاجُكُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُنَّ وَلَدٌ... من بعد وصية يوصين بها او دين ...) الى قوله تعالى: (... فَإِنْ كَانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمَّا تَرَكْتُمْ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ تُوصُونَ بِهَا أَوْ دَيْنٍ ....) الى قوله تعالى: (فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ مِنْ بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ.....)[7]
كما ان مراده من النصوص ما مرَّ التعرض لبعضها في كلام السيد الحكيم (قدس سره)
ويمكن ان يقال:
ان الوجه في المقام عدم جواز التصرف في التركة اذا كان مصرف الحج مستغرقاً لها كما هو الحال في الدين وفاقاً لصاحب العروة والعلمين وكثير من اعلام الفقه، والوجه فيه مضافاً الى دلالة الآية الشريفة والنصوص المتقدمة الدالة على الترتيب ما مرَّ من ان مقتضى القاعدة جواز تصرف الورثة في ما ترك عن الميت. وفي مثل الحج المستقر على ذمة الميت، فانه ينتقل التكليف بالموت من ذمته الى عين ما تركه، وفي صورة استغراق الحج او الدين للتركة فانه ليس للميت تركة حتى انتقل الى وارثه. فانه تصرف في مال الغير كما التزمنا بتقدم الدين على الحج من جهة أنَّ الحج انما يتعلق بمال الميت وبموته ليس له مال مع فرق استغراق الدين له حتى أمكن لهم التصرف فيه.
والترتيب المصرح في الآية والنصوص انما هو ناظر الى هذه القاعدة ولذلك يقدم الدين على الوصية، لأنَّ الميت انما يوصي بما له ومع فرض استغراق الدين لما تركه فان لا يبقى موضوع للوصية،
وهذا مما لا كلام فيه.
[1] الحر العاملي، وسائل الشيعة، ال البيت، ج19، ص329، الباب 28 من ابواب الوصايا الحديث1.
[3] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ال البيت، ج19، ص357، الباب 40 من ابواب الوصايا الحديث1.
[4] . العلامة الحلي، خلاصة الاقوال، ص177.
[5] السيد الخوئي، مستند العروة الوثقى، ج1، ص: 305.
[6] سورة النساء الاية 11.
[7] سورة النساء، الاية 12.