بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و سوم
ثم ان السيد الحكيم (قدس سره) استند في مقام الالتزام بدفع المقر بمقدار حصته في المقام بصحيح معاوية بن عمار ومدلوله اخراج مصارف الحج من أصل المال وبقوله تعالى: {لله على الناس حج البيت...} بمقتضى اللام ونظره في هذا الاستدلال ما أشار اليه في صدر كلامه:
«لان الحج بمنزلة الدين وذلك التحصيص ـ اي توزيع الدين بين الحصص ـ من احكام الدين.»[1]
وكان مراده ان مع كون الدين من أصل المال، فحيث أنَّ الأصل وزع بين الورثة وفي ضمنه الدين فانما يوزع الدين بينهم.
وقلنا مراراً انه هو مقتضى القاعدة.
كما انه يمكن تأييد ما حققناه بما أفاده صاحب الجواهر (قدس سره)
«بلا خلاف محقق معتد به أجده في شئ من ذلك عندنا نصاً وفتوى»[2]
وهذه شهادة يمكن ادعاء جبر ضعف سند رواية أبي البختري بمقتضاها كما مرَّ وبالجملة:
ان الفروع الثلاثة في كلام صاحب العروة يكون الوجه فيها اخراج المُقٍر مصارف الحج والدين وحق المقر له بالنسب بمقدار حصته ولا يجب عليه دفع الأزيد خلافاً للسيد الخوئي في الأولين، وهذا مما لا شبهة فيه وفاقاً لصاحب العروة (قدس سره) واعلام محشي العروة غير السيد الخوئي (قدس سره).
اما بالنسبة الى خصوص الحج:
فانه لو لم يكف ما أخرجه من حصته ويلزم اخراجه على المقرر بنسبة حصته لمصارف الحج، فانه لو لم يكن يرجو حصول العلم للآخرين، واقرارهم بذلك فيسقط عنه دفعه.
نعم مع الرجاء يلزمه حفظها ومع عدم الرجاء كان الاحوط صرفها في الخيرات عن الميت وافضلها الصدقة، وسيأتي في المسألة 86 تفصيله هذا تمام الكلام في مسألة 85.
قال صاحب العروة:
«مسألة86: إذا كان على الميت الحج ولم تكن تركته وافية به ولم يكن دين فالظاهر كونها للورثة.
ولا يجب صرفها في وجوه البر عن الميت.
لكن الأحوط التصدق عنه، للخبر عن الصادق (عليه السلام):
«عن رجل مات وأوصى بتركته أن أحج بها، فنظرت في ذلك فلم يكفه للحج فسألت من عندنا من الفقهاء فقالوا : تصدق بها، فقال عليه السلام: ما صنعت بها؟ فقال: تصدقت بها، فقال عليه السلام: ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ ما يحج به من مكة، فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان...»
نعم:
لو احتمل كفايتها للحج بعد ذلك أو وجود متبرع بدفع التتمة لمصرف الحج وجب إبقاؤها»[3].
و مراده بالخبر:
ما رواه الصدوق فی الفقیه بإسناده عن محمد بن أبي عمير، عن زيد النرسي، عن علي بن مزيد صاحب السابري قال:
أوصى إلى رجل بتركته فأمرني أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فإذا هي شئ يسير لا يكفي للحج، فسألت أبا حنيفة وفقهاء أهل الكوفة، فقالوا تصدق بها عنه - إلى أن قال : - فلقيت جعفر ابن محمد ( عليه السلام ) في الحجر فقلت له : رجل مات وأوصى إلي بتركته أن أحج بها عنه فنظرت في ذلك فلم يكف للحج، فسألت من عندنا من الفقهاء، فقالوا : تصدق بها، فقال : ما صنعت ؟ قلت : تصدقت بها، قال : ضمنت إلا أن لا يكون يبلغ يحج به من مكة فإن كان لا يبلغ ما يحج به من مكة فليس عليك ضمان، وإن كان يبلغ ما يحج به من مكة فأنت ضامن[4].
ورواه الكليني، عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، وحميد بن زياد، عن عبد الله بن أحمد جميعا، عن ابن أبي عمير مثله . محمد بن الحسن بإسناده عن علي بن الحسن بن فضال، عن معاوية بن حكيم ويعقوب الكاتب، عن ابن أبي عمير مثله
کما رواه الشيخ ايضاً باسناده عن علی بن الحسن بن فضال عن معاوية بن حکيم و يعقوب الکاتب عن ابن أبی عمير مثله.
و قد مرَّ الاستدلال بهذه الرواية لکفاية الالتزام بالإتيان بالحج الميقاتي عند عدم کفاية ما أوصی به للحج من بلده.
و أما في المقام فانما استدل بها للتصدق بما أوصی به اذا لم يکف للحج و لو ميقاتياً.
و إنما يستفاد ذلک من عدم منع الامام (ع) عن التصدق الذی فعله عند قصور الترکة و عدم الحکم بضمائه عنده.
بخلاف ما إذا کفى ما أوصی به ولو للحج الميقاتي فانه منع عن التصدق و حکم فيما تصدق به بالضمان.
هذا: و قد أفاد السيد الحکيم (قدس سره):
«لکن مورد الخبر صورة ما إذا عين مالاً للحج، فلا يکون مما نحن فيه»[5].
و يستفاد منه عدم تمامية اسراء الحکم من صورة الوصية ويعيين مال للحج، إلی صورة عدم الوصية و التعيين. و انه يلزم الاقتصار فی الحکم علی مورد الرواية:
کما أنه قد مرَّ عن السيد الخوئی فی مقام النظر الی استدلال السيد الحکيم بها للزوم الإتيان بالحج الميقاتی لو کفی المال به ولا يکفی للحج البلدی:
«.. لأن مورد النص الوصية بالحج ولا ريب أن العمل بالوصية مرغوب فيه مهما أمكن فإن لم يمكن العمل بنفس الوصية فالأقرب فالأقرب ولا شك أن الحج وحده أقرب إلى نية الموصي . ومحل كلامنا غير الوصية وهو ما إذا دار الأمر بين صرف المال في الحج وبين ايصاله إلى الورثة والتعدي من مورد النص إلى المقام يحتاج إلى الدليل . وقد عرفت أن مقتضى القاعدة بعد تعذر الاتيان بالعمل هو سقوط الوجوب وانتقال المال إلى الورثة أو إلى وصية أخرى لو كانت »[6].
و هذه الرواية و ان التزم السيد الخوئی (قدس سره) بضعفها سنداً و عبر عنها السيد الحکيم کصاحب العروة بالخبر، لان علی بن زيد، أو علی بن مزيد أو علی بن فرقد مجهول الا انه قد مرَّ ان الراوي عنه ولو بالواسطة محمد بن أبی عمير فيشمله التوثيق العام من الشيخ وبذلک تصير الرواية معتبرة.
و افاد السيد الخوئی (قدس سره) فی المقام فی ذيل قول صاحب العروة:
(فالظاهر هو کونها للورثة و لايجب صرفها فی وجوه البر عن الميت).
« لأن المانع عن الانتقال إلى الوارث هو الحج والمفروض عدم امكان الحج به فلا مانع وينتقل ما ترك إلى الوراث حسب الاطلاقات ولا يقاس الحج بالدين لأنه انحلالي غير ارتباطي بخلاف الحج فإنه واجب ارتباطي لا يمكن فيه التبعيض . ولا دليل على وجوب التصدق بالمال المتروك إذا لم يف المال للحج.
نعم: ورد النص بالتصدق في باب الوصية ولكنه ضعيف السند مضافا إلى أنه مختص بمورد الوصية ولا يشمل المقام والحكم في باب الوصية لزوم الصرف في وجوه البر إذا تعذر العمل بها لأن الوصية بنفسها تقتضي صرف المال بعد تعذر صرفه في الجهة المعينة من قبل الميت في جهات أخر الأقرب فالأقرب إلى غرضه فإن الوصية تمنع من انتقال المال إلى الورثة وتوجب بقاء المال على ملك الميت فلا بد من صرفه في شؤونه وجهاته .
وبعبارة أخرى:
إذا تعذر ما عينه الميت لا يوجب انتقال المال إلى الورثة لأن غرض الميت ايصال الثواب إلى نفسه غاية الأمر عين مصرفا خاصا لذلك ولو تعذر ذلك ينتقل الأمر إلى نحو آخر من ايصال الثواب .
فمرجع الوصية في أمثال هذه الموارد تنحل إلى أمرين وتكون على نحو تعدد المطلوب حسب المتفاهم العرفي والقرينة العامة فلو تعذر أحدهما يتعين الآخر كما هو الحال في غير المقام من موارد الوصية . كما إذا أوصى بصرف المال في بناء حسينية أو مدرسة دينية أو إقامة التعزية في بلد معين وتعذر ذلك لا ينتقل المال إلى الورثة بل يصرف في الأقرب فالأقرب.
وهكذا الحال في الوصية بالحج إذا لم يف المال للتمتع يصرف في الافراد لأنه أقل مصرفا من التمتع وإن لم يف له أيضا يصرف في سائر وجوه البر من التصدق ونحوه مما هو أقرب إلى غرض الميت وهذا بخلاف الحج الثابت في ذمة الميت الذي فرض عدم الوصية به فإنه لو لم يف المال له فلا مانع من انتقال المال إلى الورثة حسب العمومات ولا دليل على الاستثناء .
وإما إذا لم يكن العمل بالوصية كليا فيدخل المقام في كبرى أن المال لا يمكن ايصاله إلى مالكه فيعامل معه معاملة مجهول المالك من التصدق ونحوه.
[1] . الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص254.
[2] . النجفي، جواهر الكلام، ج17، ص316.
[3] . العروة الوثقى، السید محمد کاظم الطباطبائي اليزدي، ج4، ص460 -461
[4] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج19، ص349، باب 37 من كتاب الوصيا، الحديث 2.
[5] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص257.
[6] . السيد الخوئي، مستند العروة الوثقى، كتاب الحج، شرح ص 306.