بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و نهم
وافاد السيد الحكيم في وجهه:
«للأصل، وإطلاق الأدلة، إذ السفر من البلد لا جزء. من الحج ولا شرط له، وإنما هو مقدمة عقلية للحج إذا كان الحاج بعيدا، فلا تدخل في مفهومه، والاطلاق بنفي وجوبها.
ولبعض النصوص:
كخبر زكريا ابن آدم قال: سألت أبا الحسن ( عليه السلام ) عن رجل مات وأوصى بحجة، أيجوز أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيه ؟ فقال: أما ما كان دون الميقات فلا بأس
وصحيح حريز بن عبد الله:
قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل أعطى رجلا حجة يحج عنه من الكوفة، فحج عنه من البصرة قال: لا بأس، إذا قضى جميع المناسك فقد تم حجه.
وصحيح علي بن رئاب عن أبي عبد الله ( عليه السلام ):
في رجل أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام، فلم يبلغ جميع ما ترك إلا خمسين درهماً. قال ( عليهالسلام ): يحج عنه من بعض الأوقات التي وقتها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) من قرب.
والأول والأخير واردان في الوصية.
والأولان أيضا: لا ظهور لهما في حجة الاسلام.
والأخير: إنما ينفي القول الرابع الذي لا يعرف قائله ولا يدل على القول الأول.
نظير:
خبر أبي سعيد عمن سأل أبا عبد الله ( عليه السلام ): عن رجل أوصى بعشرين درهما في حجة. قال (عليه السلام): يحج بها عنه رجل من موضع بلغه.
ونحوه خبر أبي بصير، وخبر عمر ابن يزيد:
قلت: لأبي عبد الله ( عليه السلام ): رجل أوصى بحجة فلم تكفه. قال: فيقدمها حتى يحج دون الوقت.
ونحوه خبره الآخر.
مع أن الثاني ظاهر في إجزاء الحج من الميقات، وهو لا يدل على عدم وجوب إيقاعه من البلد، لامكان التفكيك بينهما كما تقدم في كلام الدروس، لأن وجوب الايقاع من البلد منوط باشتغال الذمة، فإذا فرغت بأداء الحج من الميقات سقط الوجوب.
ومن ذلك يظهر الاشكال:
في الاستدلال للقول الثاني بصحيح البزنطي عن محمد بن عبد الله، قال:
سألت أبا الحسن الرضا ( عليه السلام ) عن الرجل يموت فيوصي بالحج، من أين يحج عنه ؟ قال: (عليه السلام): على قدر ماله، إن وسعه ماله فمن منزله، وإن لم يسعه ماله فمن الكوفة، فإن لم يسعه من الكوفة فمن المدينة.
لعدم ظهوره في حج الاسلام. مع أن مورده الوصية.
ويجوز أن يكون لها حكم خاص من جهة التعارف، كما أشار إلى ذلك في المدارك حيث قال:
«ولعل القرائن الحالية كانت دالة على إرادة الحج من البلد، كما هو المنصرف من الوصية عند الاطلاق في زماننا فلا يلزم مثله مع انتفاء الوصية...»
مع أن الجمع بينه وبين خبر زكريا بن آدم حمل الأول على ما إذا عين مالا للحج كما ورد في موثق عبد الله بن بكير عن أبي عبد الله ( عليه السلام )
أنه سئل عن رجل أوصى بماله في الحج، فكان لا يبلغ أن يحج به من بلاده. قال ( عليه السلام ): فيعطى في الموضع الذي يحج به عنه.
فإنه أقرب من حمل الثاني على صورة الاضطرار كما هو ظاهر.
وإن شئت قلت:
بعد تقييد خبر زكريا بموثق ابن بكير ـ بحمله على صورة عدم الوصية بمال معين ـ يدور الأمر ـ في الجمع بينه وبين خبر محمد بن عبد الله ـ بين التصرف فيه بحمله على صورة الضرورة، وبين حمل خبر محمد على صورة الوصية بمال معين.
فيكون المراد من قوله ( عليه السلام ): «على قدر ماله»: على قدر ماله الذي عينه للحج. ولا ينبغي التأمل في أن الثاني أولى، لأن حمل الأول على حال الضرورة بمنزلة الطرح له، فيكون الدوران حينئذ بين الطرح والتخصيص، والثاني أولى.
والمتحصل مما ذكرنا:
أن النصوص جميعها ليست واردة فيما نحن فيه ـ وهو القضاء عن الميت ـ بل واردة في الوصية، عدا صحيح حريز.
والعمدة في المعارضة بينها:
هي المعارضة بين خبري زكريا ومحمد بن عبد الله، والجمع بينها بالتصرف في الثاني أولى.
وبذلك يكون الجمع أيضا بين خبر زكريا وصحيح الحلبي عن أبي عبد الله ( عليه السلام ):
أنه قال: وإن أوصى أن يحج عنه حجة الاسلام، ولم يبلغ ماله ذلك، فليحج عنه من بعض المواقيت.[1]
وأما الخبر المروي عن مستطرفات السرائر من كتاب المسائل، بسنده عن عدة من أصحابنا قالوا:
قلنا لأبي الحسن (عليه السلام) يعني علي بن محمد (عليه السلام): إن رجلاً مات في الطريق وأوصى بحجته وما بقي فهو لك: فاختلف أصحابنا فقال بعضهم: يحج عنه من الوقت فهو أوفر للشئ أن يبقى، وقال بعضهم: يحج عنه من حيث مات. فقال ( عليه السلام ): يحج عنه من حيث مات.
فلا يبعد أن يكون الظاهر من قوله: بحجته إتمام حجته، فلا يكون مما نحن فيه، كما ذكر ذلك في الجواهر. لا أقل من احتمال ذلك فيكون مجملاً، أو لزوم حمله على ذلك جمعا بينه وبين خبر زكريا. والله سبحانه العالم. ثم إن المستفاد من دليل القول الأول:
سواء كان خبر زكريا، أم إطلاق الأدلة ليس إلا وجوب الحج من الميقات، وأما وجوبه من أقرب المواقيت إلى مكة فإن لم يمكن فالأقرب إليه فالأقرب، فشئٌ لا يقتضيه الدليل. إلا أن يكون المراد ما هو أقل قيمة، يعني:
لا يجب على الورثة ما هو أكثر قيمة، كما أشرنا إلى ذلك أنفا.
ومنه يظهر:
ضعف القول الثاني، وأن مستنده إن كان هو النصوص فقد عرفت وجه الجمع بينها، وإن كان ما ذكره الحلي: من أنه كان تجب عليه نفقة الطريق من البلد فلما سقط الحج عن بدنه وجب في ماله فهو ممنوع، كما عرفت.
ولو سلم فلا يصلح لمعارضة النص.
وأما ما ادعاه: من تواتر الأخبار بذلك فغير ثابت. ولذا قال في المعتبر والمختلف:
«لم نقف في ذلك على خبر شاذ فكيف يدعى التواتر ؟...»
وأما الثالث:
فأولى بالاشكال من الثاني، لأن النصوص لو اغمض النظر عن معارضها فإنما تقتضي الثاني.
وكذلك: ما ذكر الحلي لو أغمض النظر عما فيه من الاشكال فهو يقتضي الثاني لا الثالث.
وأما الرابع:
فعلى تقدير وجود القول به فأضعف من الجميع، كما يظهر بالتأمل.»[2]
[1]. كما في الجواهر نقلاً عن المدارك في المسأله 2 من مسائل شرائط وجوب الحج.
وفي المدارك نسب الرواية الي الشيخ (قدس سره)، ولكنا لم نشر عي ذلك لا في كتابيه في الحديث ـ التهذيب والاستبصار ـ ولا في كتبه الفقهيه كالمبسوط ونحوه.
نعم: في التهذيب جاءت العبارة المذكورة في ذيل رواية له عن الحلبي وعقبّها بقوله: وروي ذلك موسي بن القاسم.
ولعل هذا هو منشأ اشتباه المدارك في اسناد الروايه الي الحلبي ناسباً لها الي الشيخ (قدس سره)، وعليه اعتمد صاحب الجواهر (قدس سره) كما عرفت.
حاشيه المستمسك ص 262 ـ جلد10.
[2]. مستمسك العروة الوثقي جلد 10 ص 385 ـ 264.