بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هفتم
واما القول الثاني:
وهو بلد الاستيطان، واستدل له بان المنساق من النص والفتوی وهذا الاستدلال مذکور فی کلام صاحب الجواهر (قدس سره) قال:
«و كيف كان فالمراد بالبلد- على تقدير اعتباره- بلد الاستيطان، لأنه المنساق من النص و الفتوى. خصوصاً من الإضافة فيهما، سيما خبر محمد بن عبد اللّٰه .»[1]
ومراده من الاضافة مثل قول السائل فی موثقة عبدالله بن بکير عن أبي عبدالله(ع) أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ رَجُلٍ أَوْصَى بِمَالِهِ فِي الْحَجِّ فَكَانَ لَا يَبْلُغُ مَا يُحَجُّ بِهِ مِنْ بِلَادِهِ قَالَ فَيُعْطَى فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُحَجُّ بِهِ عَنْه[2].
وکذا فی مثل صحيحة محمد بن عبدالله عن أبي الحسن الرضا (ع):
قال: سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ الرِّضَا ع عَنِ الرَّجُلِ يَمُوتُ- فَيُوصِي بِالْحَجِّ مِنْ أَيْنَ يُحَجُّ عَنْهُ- قَالَ عَلَى قَدْرِ مَالِهِ إِنْ وَسِعَهُ مَالُهُ فَمِنْ مَنْزِلِهِ...»[3].
فان قوله (ع) من منزله يراد من المکان الذی يسکن فيه وجعله وطناً له.
هذا ثم ان صاحب العروة (قدس سره) لم يرتض بهذا القول وافاد فيه: وهو کما تری.
وافاد السيد الحکيم فی المستمسک:
«كأنه يريد: أن الانسياق لا يصلح لمعارضة ما هو ظاهر الخبر المتقدم.
و التحقيق:
أن إطلاق البلد في كلامهم من دون تعرض لبيان المراد منه يقتضي ظهوره في بلد الاستيطان.
وأما النصوص فقد عرفت أنها جميعاً واردة في الوصية، و المتعرض منها للبلد خبر زكريا و خبر محمد ابن عبد اللّٰه المذكور فيه: «منزله»، و موثق عبد اللّٰه بن بكير المذكور فيه: «بلاده».
و دلالة الأخيرين على بلد الاستيطان ظاهرة، كدلالة الأول على بلد الموت.
و الجميع بينها يتعين بحمل الأخيرين على الأول.
لأن الغالب في بلد الاستيطان أن يكون بلد الموت، فيسهل حملهما عليه، و ليس كذلك حمل الأول عليهما، لأن التعرض فيه لذكر الموت زائداً على ذكر البلد ظاهر جداً في اعتبار خصوصية الموت في الاستنابة. و لا سيما بملاحظة أنه البلد الذي هو منتهى انقطاع الخطاب بالحج عنه، ضرورة كونه مكلفاً بالحج من ذلك المكان، فيناب عنه، كما ذكر في الجواهر، و جعله مؤيداً لما في المتن.»[4]
اما القول الثالث:
وهو کون المراد من البلد، البلد الذي صار مستطيعاً فيه.
قال السيد الحکيم:
«حكى في الجواهر هذا الاحتمال عن بعض، و عن بعض العامة: القول به. و كأنه لأن بلد اليسار هو البلد الذي توجه اليه الخطاب بالحج منه.
و فيه:
أن الخطاب بالحج منه يختص بصورة عدم انتقاله عنه، فاذا انتقل عنه توجه اليه الخطاب بالحج من غيره الذي انتقل اليه.
ولذلك استدل الحلي على بلد الموت بذلك.
واما القول الرابع:
وهو التخيير بين البلدان التی کان فيها بعد الاستطاعة.
قال فی المستمسک فی بيان وجه هذا القول:
« و يحتمل أن يكون الوجه فيما ذكره المصنف (ره):
أن كل بلد من البلدان التي كان فيها بعد الاستطاعة توجه اليه الخطاب بالحج منه، و لما لم يمكن البناء على وجوب الجمع تعين البناء على التخيير. نظير ما ذكره فيمن فاتته الصلاة في الوقت و كان في بعض الوقت حاضراً و في بعضه مسافراً.
و فيه:
أنه بعد الانتقال من البلد إلى الآخر يتوجه اليه الخطاب بالحج من الآخر على وجه التعيين، كما عرفت.
و بالجملة: فهذا الاحتمال ضعيف جداً، و لذا لم يعرف من أحد، فضلا عن القول به[5] .
هذا ثم إنَّ صاحب العروة (قدس سره) قرر القول الاول هو الاقوى وهو کون المراد من البلد، البلد الذی مات فيه وفاقاً لصاحب المدارک ونسبه الی ابن ادريس.
وإنْ أفاد (قدس سره) بان الوجه الأخير وهو التخيير قوي جداً.
وقد مرَّ استدلاله للقول الاول بصحيحة زکريا بن آدم بقوله: کما يشعر به خبر زکريا. وکذا الوجه الذي نقله صاحب المدارک عن ابن ادريس.
وأما ما أفاده: وان کان الاحتمال الأخير وهو التخيير قوياً جدا.ً
قال السيد الحکيم (قدس سره):
«کأن وجهه: الاخذ باطلاق البلد، ومنع الاستباق الى بلد الاستيطان، كما اشار الى ذلك بقوله سابقا: كما ترى.
وأما خبر زكريا فدلاته بالإشعار لا بالظهور.
و فيه:
و فيه: ما عرفت من أن: «بلاده» و: «منزله» ظاهران في بلد الاستيطان.
مع أنه لو تمَّ ذلك كان اللازم الاجتزاء بكل. بلد و لا يختص بالبلد الذي كان فيه بعد الاستطاعة.
و أما الخبر فدلالته تامة، لأن قوله: «أ يجزيه أن يحج عنه من غير البلد الذي مات فيهظاهر في أن للبلد الذي مات فيه نوعاً من الخصوصية، فاذا حمل الخبر على حال الضرورة فقد دل على الوجوب من ذلك البلد في حال الاختيار.
و أوضح منه في ذلك خبر كتاب المسائل المروي في مستطرفات السرائر، بناء على الاستدلال به لوجوب الحج من البلد[6].
وقال السيد الخوئی (قدس سره)
« لو قلنا بوجوب الحج من البلد مطلقا أو في خصوص مورد الوصية فهل هو بلد الموت أو بلد السكنى. أو البلد الذي صار فيه مستطيعا، أو أحد البلدان التي انتقل إليها بعد الاستطاعة؟ وجوه.
فان تم ما ذكره ابن إدريس من وجوب صرف المال من البلد الذي لو كان حيا لوجب الحج منه فالمراد من البلد بلد الموت لأنه أخر مكان وجب عليه الحج فيه.
و لكنه غير تام كما تقدم.
فالظاهر ان المراد بالبلد هو بلد الاستيطان لانه المنصرف و المتفاهم عرفا و الذي يسهل الخطب.
انه لا اثر للكلام و النقض و الإبرام في مورد الحج الثابت في ذمة الميت بعد عدم وجود رواية في المقام تدل على اعتبار كون الحج من البلد.
و أما في باب الوصية فالمتبع الظهور العرفي كما تقدم<[7].
[1] الجواهري، جواهر الكلام، ج 17، ص326.
[2] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص167، الباب 2 من ابواب النيابة، الحديث 2.
[3] . الحر العاملي، وسائل الشيعة، ج11، ص167، الباب 2 من ابواب النيابة، حديث 3.
[4] السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص: 267.
[5] .السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص: 269.
[6] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص: 267.
[7] السيد الخوئي، معتمد العروة الوثقى، ج1، ص: 325.