بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هشتم
الثانی:
ان عمدۀ الفرق بین الامارات والاصول العملیة انما یکون فی ان المجعول فی باب الامارات الطریقیة الی الواقع والکاشفیۀ عنه.
وفی الاصول صرف الجری العملی والبناء فی العمل علی طبقها من دون ای حکایۀ فیها عن الواقع وارائه لها.
ونفس هذا الفرق هی العمدۀ فی الافتراق بینهما من جهۀ اعتبار الاصول المثبتة فی الامارات وعدم اعتبارها فی الاصول.
وذلک:
لأن فی الامارات والطرق، لا یتعلق جعل الشارع بأمر ابتدائی لا سابقة له ولا لاحقة، بل انما یتعلق بظنون ورجحانات بحسب الاحتمال بحیث انه لو لم یتعلق بها جعل من ناحیۀ الشارع کان لها حیث طریقیة وکاشفیۀ بالنسبۀ الی الواقع علی حدها لرجحان احتمال ارائتها للواقع من حیث انها ظنون والظن هو الاحتمال الراجح فی مقابل الوهم. وهذا الظن انما یفید فی ارائۀ الواقع عند العقلاء عند عدم تمکنهم من العلم الا انهم فی مقام اعتباره انما یعتبرونه الارجح فالارجح والاقرب فالاقرب، فإن مع احتمال الاقوی علی حد 80% لا یکتفون بالاحتمال القوی 60%.
وهذا المعنی متحقق فی الظن، وله اعتباره عند العقلاء بحده کما مر.
وما یفعله الشارع فی مقام اعتبار الامارات والطرق. لحاظ هذه الکاشفیة والطریقیة واعتباره تتمیم الکشف فیها تعبداً وإن شئت قلت، بالغاء احتمال الخلاف تعبداً.
فإنه لا شبهة فی ان کل ظن فی ای درجۀ مقترن باحتمال الخلاف ضعیفاً او قویاً الا ان الاحتمال المذکور ای احتمال الخلاف مرجوح فی الظن بوجه مطلق.
وهذا الاحتمال الخلاف هو الباعث لعدم کون هذه الطرق دائم الاصابۀ مع الواقع، وإن کان غالبها.
وما صنعه الشارع فی هذا المقام فی مقام جعل الاعتبار فیها.
تتمیم کاشفیتها وطریقیتها، دون جعل الطریقیة او الکاشفیۀ فیها لأنها کاشف وطریق الی الواقع قبل الجعل من الشارع لکن مع احتمال الخلاف فیه کما هو الحال فی ای ظن.
والشارع انما یقرر فیها قبول طریقیتها وکاشفیتها، والغاء احتمال الخلاف فیها تعبداً ضرورۀ انه لا یتمکن الشارع لالغاء احتمال الخلاف فیها تکویناً وواقعاً.
ومعنی هذا الاعتبار ان الشارع انما یقبل الثمانین فی المأة بحسب الاحتمال مکان المأۀ فی المأۀ.
فالارائة الموجودۀ فی هذه الظنون والکاشفیة والطریقیة فیها بالنسبة الی الواقع انما تتکمل بالتعبد الجائی من ناحیۀ الشارع.
وعلیه فإن مؤدی الامارۀ واقع تعبداً لا حقیقۀ وواقعاً. وهو کاشف عن الواقع تاماً تعبداً لا حقیقة واعتباراً. فإنما یعمل مع الظن معاملۀ العلم.
ولهذه الجهۀ ان ما یثبت بالطریق والامارۀ کالثابت بالعلم بل هو الثابت بالعلم ولکن تعبداً وبما ان ما ثبت بالعلم والقطع یثبت جمیع لوازمه فکذلک ما ثبت بالامارۀ.
ولذلک نقول باعتبار الاصول المثبتۀ فی الامارات والطرق دون الاصول.
وإن للوازم ما ثبت بالاماره ثبوت بها کما هو الحال فی العلم الوجدانی، والتفاوت فقط فی کون ذلک فی الامارۀ انما یکون بالتعبد، ولکن مقتضی هذا التعبد، یصحح ارائۀ الامارة للواقع وتکمیلها وامضاء کاشفیتها وطریقییها. فإذا صارت کالعلم فلا محالة یثبت بها جمیع ما یثبت بالعلم الوجدانی. ومنها الاصول المثبتة.
ومن ذلک قد ظهر:
ان المجعول فی باب الاستصحاب لیس الطریقیة واعتبار غیر العالم عالماً بالتعبد کما افاده السید الخوئی قدس سره.
کما ظهر عدم تمامیۀ ما افاده:
«... وما ذکره من ان العلم الوجداني بشئ يقتضي ترتب جميع الآثار حتى ما كان منها بتوسط اللوازم العقلية أو العادية، فكذا العلم التعبدي - غير تام.
لان العلم الوجداني إنما يقتضي ذلك، لأنه من العلم بالملزوم يتولد العلم باللازم بعد الالتفات إلى الملازمة.
فترتب آثار اللازم ليس من جهة العلم بالملزوم، بل من جهة العلم بنفس اللازم المتولد من العلم بالملزوم. ولذا يقولون: إن العلم بالنتيجة يتولد من العلم بالصغرى والعلم بالكبرى، فان العلم بالصغرى هو العلم بالملزوم، والعلم بالكبرى هو العلم بالملازمة.
فيتولد من هذين العلمين العلم الوجداني باللازم وهو العلم بالنتيجة، بخلاف العلم التعبدي المجعول، فإنه لا يتولد منه العلم الوجداني باللازم - وهو واضح - ولا العلم التعبدي به، لان العلم التعبدي تابع الدليل التعبد، وهو مختص بالملزوم دون لازمه، لما عرفت من أن المخبر إنما أخبر عنه لا عن لازمه ».[1]
[1] . الواعظ الحسيني، السيد محمد؛ تقرير بحث السيد أبو القاسم الخوئي، مصباح الأصول، ج3، ص154-155.