بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و نهم
قال صاحب العروة (قدس سره):
«مسألة 100:
بناءا على البلدية الظاهر عدم الفرق بين
أقسام الحج الواجب فلا اختصاص بحجة الاسلام، فلو كان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستئجار من البلد بل وكذا لو أوصى بالحج ندبا اللازم الاستئجار من البلد إذا خرج من الثلث»[1].
قال السيد الحکيم:
«لأن الدليل الدال على الوجوب من البلد إن كان ما ذكره ابن إدريس: من أنه مقتضى الخطاب، فلا فرق فيه بين أن يكون الخطاب بحج الاسلام أو بحج النذر.
وإن كان هو النصوص فموردها الوصية، فإذا لزم التعدي عن موردها لم يكن فرق بين حج الاسلام وغيره.»
وافاد فيما لو كان عليه حج نذري:
«لو كان النذر مقيدا بالميقات فمقتضى ما ذكره ابن إدريس وجوب الحج من البلد أيضا، لأن الخطاب المتوجه إلى الميت حال حياته - بالاتيان بالحج من الميقات - يقتضي وجوب السعي إليه من البلد الذي هو فيه وإن كان من باب المقدمة، فيجب على النائب الاتيان به بعين التقريب الذي ذكر في الحج الاسلامي.
بل لو كان ناذرا الحج من بلد آخر غير بلده أيضا يقتضي الحج من بلده إلى ذلك البلد ثم منه إلى الميقات، لما ذكر».
کما انه قدس سره افاد فيما لو اوصی بالحج ندباً:
« لما عرفت، من أن نصوص الوصية - على تقدير دلالتها على الوجوب من البلد - لم يذكر فيها أن الموصى به حج الاسلام، بل مقتضى اطلاقها العموم للوصية بالحج الندبي.»[2]
وافاد السيد الخوئی (قدس سره):
«قد ذكرنا في بعض المسائل المتقدمة أنه لم يرد أي نص في ابتداء الحجّ من البلد أو الميقات.
وإنما الوارد في النصوص وجوب الحجّ عن الميت ولزوم تفريغ ذمّته من غير تعرّض لمبدأ الحجّ.
نعم: ورد ذكر البلد في النص في باب الوصيّة بالحج، وذكرنا هناك أن النص غير معتبر، فالمتبع في باب الوصيّة هو الرجوع إلى القاعدة ومقتضاها هو العمل على طبق ظهور الوصيّة إن كان لها ظهور وإلَّا فيكتفى بالميقاتي، ويجوز له الإحجاج من البلد أيضاً لدخوله تحت مطلق الخيرات والمبرات.
وأمّا في مورد حجّة الإسلام:
فإن تمّ ما ذكره ابن إدريس من وجوب صرف المال من البلد إذا كان حيّاً وكذا بعد الموت، لأن الساقط هو الحجّ عن بدنه ويبقى الوجوب في ماله فحينئذ يجب الحجّ من البلد.
ولكن قد عرفت أن كلامه غير تام، لأن وجوب صرف المال من البلد وجوب مقدمي غيري لا نفسي فلا دليل على وجوب البلدية عن الميت.
وأمّا الحجّ النذري فإن قلنا بعدم خروجه من الأصل وإنما يخرج من الثلث فلا كلام، لأنّ صرف ثلثه في الحجّ البلدي لا محذور فيه أصلًا لبقاء الثلث على ملك الميت ويصرف في جهاته مما يترتب الثواب عليه أكثر، وإن قلنا بأنه يخرج من الأصل فيجري فيه كلام ابن إدريس مع الإشكال عليه»[3].
وافاد السيد الگلپايگانی فی ذيل قول صاحب العروة: «بناءً علی البلدية الظاهر عدم الفرق بين اقسام الحج الواجب...»[4]
فی حاشيته:
«وأما بناءا على الميقاتية فالظاهر عدم الفرق أيضا إلا في صورة الوصية فإن الأحوط فيها البلدية.»
وافاد السيد الخميني:
« لا ملازمة بينهما ففي مثل النذري الغير المقيد بالبلد ولا الميقات مع عدم الانصراف وكذا في الوصية بالحج ندبا مع عدم انصراف وتقييد لا يجب البلدي حتى على القول بالبلدي في حجة الإسلام.»
وافاد السيد البروجردی فی ذيل قوله: «فلو کان عليه حج نذري لم يقيد بالبلد ولا بالميقات يجب الاستيجار من البلد...»
فی حاشية له:
«الظاهر أنه دائر مدار قصد الناذر ولو على ذاك القول وكذا في الوصية.»
وافاد السيد الخوئي في حاشيته:
«تقدم أنَّ الحج النذري لا يخرج من أصل المال وانما يخرج من الثلث بالوصية، فالحکم فيه هو الحکم فی الوصية.
وافاد السيد الشريعتمداری:
«فی النذر والوصية الحکم تابع لقصد الناذر والموصي وظهور عبارته.»
ویمکن ان يقال:
ان ما فرضه صاحب العروة (قدس سره) من عدم الفرق بين أقسام الحج الواجب بناءً علی القول بان الواجب فی الحج هو الحج البلدي وأما الحج من غير البلد، فانه ليس من افراد الواجب الذي يستقر علی ذمة المکلف ولا تسقط ذمته بالاتيان بغيره.
انما يتم، بناءً علی القول بان السير الی الحج من البلد الی الميقات يکون جزءاً للحج، ومقوماً للواجب.
وقد مر تقريب سيدنا الاستاذ فی الواجب من الحج: ان الظاهر من ادلة وجوب الحج فی مواردها المختلفة سواء فی ذلک الآية والنصوص ان الواجب هو الذهاب الی مکة والسفر اليها، کما هو ظاهر لفظ الحج الذی هو بمعنی القصد، واما الاعمال المخصوصة فهی واجبات فی هذا الذهاب، وان الحج اسم للذهاب الی مکة المقيد بالاعمال الخاصة، لا انه اسم لنفس الاعمال والذهاب مقدمة اليه وان دليل القضاء انما يدل علی لزوم قضاء ما هو الواجب، فيجب قضاء الذهاب الی مکة والسفر اليها.
فعلی هذا المبنی لو استقر الحج علی ذمة المکلف ومات من غير اتيان به لزم قضائه عنه بالاتيان بالحج البلدي سواء أوصی به أو لم يوص وسواء صرح به فی الوصية او لم يصرح. ولا يکفي عنه الحج من الميقات. وهذا المعنی جاء بعينه في الحج النذري والحج الندبي اذا اوصی به.
وذلک:
لان متعلق الحج في الحج النذري هو الذهاب الی الحج دون نفس مناسک الحج، وهو يلزم ان يکون من بلده ـ علی اختلاف الاقوال فيه ـ فلو اتی بالمناسک من الميقات قاصداً لو فاء نذره فانه لا يتحقق النذر ولا يکفي، لانه لا يأتي بمتعلق نذره وهو الذهاب الی الحج الذي کان الاتيان بالمناسک واجباً فيه.
وکذا اذا اوصی بالحج الندبي، فاذا مات فانما يجب الاتيان بوصية حسب ما اراد ولکن متعلق الوصية هو الذهاب الی الحج دون الاتيان بمناسکه قسط، فاذا اتی الوصي بالحج من الميقات فلم يات بما اوصی به ولا يکفي.
هذا ما افاده صاحب العروۀ قدس سره وهو تام بناءً علی ان يکون متعلق الوجوب في الحج الذهاب الی الحج دون الاتيان بمناسکه.
بل علی هذا المبنی، لو نذر الحج من الميقات، او اوصی بالحج من الميقات، لا يکفي في الوفاء بالنذر او الاتيان بمتعلق الوصية الاتيان بالمناسک من الميقات.
لوضوح ان متعلق النذر هو الحج، والحج علی ما مر هو الذهاب الی الحج الظاهر في کون ابتداء الذهاب بلده، وان الواجب هو الحج من بلده وان الاتيان بالمناسک المتحقق بصرف الاحرام من الميقات هو من واجبات الحج لا تمام الحج بعين ما مر في التقريب.
وکذلک الامر اذا اوصی بالحج من الميقات، لان الخطاب المتوجه اليه في حياته هو الذهاب الی الحج دون الاتيان بالمناسک من الميقات
نعم:
لو کان ناذراً الحج من بلد آخر غير بلده، فلا يلزم الذهاب من بلده الی ذلک البلد ثم منه الی الميقات کما افاده السيد الحکيم قدس سره لان الظاهر من الذهاب الی الحج هو الذهاب من بلده الاستيطان فيلزم الذهاب منه وفاءً بالنذر
الا ان يکون نظره الذهاب الی الحج من بلد النذر فيکفي حينئذ الحج منه ولا يلزم الذهاب من بلده اليه ثم منه الی الميقات.
هذا کله بناءً علی کون الواجب الذهاب الی الحج وانه هو مفهوم الحج البلدي.
وهذا المبني هو اساس نظر الماتن في هذه المسألة وقلنا انه صحيح علی هذا المبنی.
ولکن قد مر عدم تمامية هذا المبنی لما مر من المناقشة فی دلالة الطوائف الخمسة من النصوص التی ذکرها السيد الاستاذ فی مقام الاستدلال.
وعدم ظهور کلام ابن ادريس، بل صاحب المدارک فيه.
وان الواجب فی الحج هو الاتيان بالمناسک وان الذهاب الی الميقات مقدمة له.
فعلی هذا المبنی وهو المختار انه ربما يفترق الامر بين الحج الواجب والحج النذري والوصية بالحج.
وذلک:
لان بالنسبة الی الحج الواجب ففی فرض المسألة ـ اي موت من استقر عليه الحج بلا اتيان له من قبله ـ ان الواجب بمقتضی ادلة القضاء هو الحج من الميقات، الا ان يوصی الميت بالحج البلدي فان مع الوصية يلزم الاتيان بالحج البلدي ولکن لا من ناحية اقتضاء ادلة القضاء بل بمقتضی ادلة الوصية. واما فی غيره فلا يجب أکثر من الحج من المبقات.
واما في النذر:
فانه لو نذر الحج، فان متعلق النذر هو الحج وهو الاتيان بالمناسک الذي يکفي الابتداء به من الميقات.
واما لو نذر الحج لا علی نحو مطلق، بل مقيداً بکونه من بلده او من بلد اخر، فانه يلزم في مقام استيفاء النذر الاتيان بالحج من البلد المذکور، ولکن لا من جهة ان الحج هو الذهاب من بلده، بل بمقتضی ادلة النذر وانه يلزم استيفائه بحسب ما اراده الناذر وقصد الاتيان به.
فالمقتضی للاتيان بالحج البلدي حينئذ هو ادلة الدفاء بالنذر دون ما دل علی لزوم الاتيان بالحج وما دل علی قضائه.
واما في الوصية :
فاذا اوصی بالحج الندبي، فانه يکفي الاتيان به من الميقات لکونه من افراد طبيعة الحج. وتحقق به الوصية واما اذا اوصی بالحج من البلد مع وفاء الثلث، فانه يلزم الاتيان بالحج البلدي ولکن لا بمقتضی النصوص اوارده في باب الحج، بل بمقتضی ادلة الوصية کما مر تفصيله.
فتحصل:
ان في مقام يفترق الامر في الحج الواجب مع الحج النذري والحج الندبي الواجب اتيانه بمقتضی الوصية.
فان المدار في الحج النذري والوصية بالحج علی قصد الناذر وکيفية ارادته في الاتيان بالحج.
فظهر: ان ما افاده الاعلام في الحواشي کان مبتنياً علی ما اختاروا من المبني من عدم کون متعلق التکليف في الحج، الحج البلدي والذهاب الی الحج.
وليس ما افادوه اشکالاً علی صاحب العروة من عدم التفريق في مفروض المسألة بين الحج الواجب اي حجه الاسلام وغيرها من اقسام الحج. وقد مر ان ما
[1].السيد اليزدي، العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص469.
[2] السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص272.
[3] السيد الخوئي، مستند العروة الوثقى، ج1، ص331-332.
[4] السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص 469.