بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و سوم
وهم وإزاحة:
اعلم أنّه ربّما يتوهّم أنّه كيف يكون ترتيب الآثار العقليّة وحدها أو مع الآثار الشّرعيّة بوساطتها على المستصحب من الأصل المثبت الَّذي لا اعتبار به، مع أنّه لا يكاد أن يوجد استصحاب حكم أو موضوع لا يترتّب عليه أثر عقلي بواسطة أثر شرعيّ مثل نفي غيره من أضداده في استصحاب الحكم مطلقا وحرمة الضّدّ ووجوب المقدّمة في استصحاب وجوب شيء على القول باقتضاء إيجاب شيء لحرمته ووجوبها، وكذا الحال في استصحاب الموضوع الموجب لترتّب آثاره الشّرعيّة بلا واسطة وترتيب الآثار العقليّة بواسطتها.
لكن لا يخفى:
أنّ ذلك التّوهّم لأجلها فزع السّمع من القيل والقال، من دون تدبّر في حقيقة الحال.
توضيح المقال: انّ الأثر العقلي لا يترتّب بالاستصحاب ولا يصير واسطة لترتّب الأثر الشّرعي في باب إذا كان أثراً لما يستصحب من الواقع بما هو واقع، وقد أريد ترتيبه أو ترتيب أثره الشّرعي عليه باستصحابه، لا إذا كان أثراً له مطلقا ولو لوجوده الاستصحابي.
وبعبارة أخرى:
إذا كان أثراً للأمور التّعبديّة المجعولة واقعاً أو ظاهراً ولو بخطاب « لا تنقض اليقين » كوجوب الإطاعة وحرمة المعصية، وحرمة الضّدّ ووجوب المقدّمة، إلى غير ذلك من الآثار العقليّة المترتّبة على تحريم شيء أو إيجابه شرعاً مطلقا ولو بالاستصحاب.
وذلك:
ضرورة أنّ الاستصحاب حينئذ يكون محقّقاً لما هو موضوعه حقيقة لا جعلًا، كي لا يتصور جعله وتنزيله بالإضافة إلى الأثر العقلي، ولا إلى ما بواسطته من الأثر الشّرعيّ كما لا يخفى.
وبالجملة:
الممنوع من ترتيبه هو الأثر العقلي للمستصحب بوجوده الواقعي، وكذا أثره الشّرعي بواسطته وهذه الآثار إنّما هي يكون من آثار تحقّقه الأعمّ من وجوده الواقعي والاستصحابي، فيجب ترتيبها بالاستصحاب وإلَّا لزم التّفكيك بين الملزوم ولازمه أو الخلف، وكذا ترتيب آثاره الشّرعيّة لذلك، فتفطَّن كي لا يختلط عليك الأمر [1].
هذا وقد مر ما افاده صاحب الکفایة قدس سره فی الکفایة:
«نعم، لا یبعد ترتیب خصوص ما کان محسوبا بنظر العرف من آثار نفسه لخفاء ما بوساطته، بدعوى أن مفاد الاخبار عرفا ما يعمه أيضا حقيقة، فافهم.
كما لا يبعد ترتيب ما كان بوساطة ما لا يمكن التفكيك عرفا بينه وبين المستصحب تنزيلا، كما لا تفكيك بينهما واقعا، أو بوساطة ما لاجل وضوح لزومه له، أو ملازمته معه بمثابة عد اثره اثرا لهما، فإن عدم ترتيب مثل هذا الأثر عليه يكون نقضا ليقينه بالشك أيضا، بحسب ما يفهم من النهي عن نقضه عرفا، فافهم ).
کما انه قدس سره افاد فی حاشیۀ له فی الکفایة علی ذیل قوله فی المتن (... او بلحاظ مطلق ما له من الأثر ولو بالواسطۀ؟ بناءً علی صحۀ التنزیل بلحاظ اثر الواسطۀ ایضاً لأجل ان اثر الأثر اثر..):
«ولکن الوجه عدم صحۀ التنزیل بهذا اللحاظ.
ضرورۀ انه ما یکون شرعاً لشیء من الأثر لا دخل له بما يستلزمه عقلا أو عادة، وحديث أثر الأثر أثر وإن كان صادقا إلا أنه إذا لم يكن الترتب بين الشئ وأثره وبينه وبين مؤثره مختلفا.
وذلك ضرورة أنه لا يكاد يعد الأثر الشرعي لشئ أثرا شرعيا لما يستلزمه عقلا أو عادة أصلا، لا بالنظر الدقيق العقلي ولا النظر المسامحي العرفي، إلا فيما عد أثر الواسطة أثرا لذيها لخفائها أو لشدة وضوح الملازمة بينهما، بحيث عدا شيئا واحد ذا وجهين، وأثر أحدهما أثر الاثنين، كما يأتي الإشارة إليه، فافهم.
ویمکن ان یقال:
انه لا تصریح لصاحب الکفایۀ علی استثناء الاصول المثبتة اذا کانت من نسخ العلۀ والمعلول.
بل ان فی کلامه حسب ما عرفت فی الکفایۀ استثنائات ثلاثة:
1 ـ ما افاده تبعاً للشیخ من استثناء خصوص ما کان بنظر العرف من آثار نفس المستصحب لخفاء الواسطۀ.
2 ـ ما اذا کانت الواسطۀ بحیث لا یمکن التفکیک عرفاً بینها وبین المستصحب فی التنزیل. بمعنی انه اذا نزل المستصحب نزلت الواسطۀ تبعاً فیجب ترتیب اثرها قهراً. وبهذا صرح بقوله قدس سره «کما لا یبعد ترتیب ما کان بوساطۀ ما لا یمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً کما لا تفکیک بینهما واقعاً.»
3 ـ اذا کانت الواسطۀ لأجل وضوح لزومها للمستصحب او ملازمته معه بمثابۀ عد اثره اثراً لهما
وظاهر عبارۀ صاحب الکفایة انه استثناء ثالث حیث افاد:
او بواسطۀ ما لأجل وضوح لزومه.
ولکن من المحتمل تویاً ان هذا عبارۀ اخری عن ما قبله ای استثناء ما لا یمکن التفکیک عرفاً بینها وبین المستصحب فی التنزیل.
ولیس استثناءً ثالثاً.
نعم ظاهره توجیه الأخیر بوجهین:
1 ـ ما یختص بالواسطۀ الجلیۀ وهی الملازمۀ العرفیۀ بین تنزیل المستصحب وتنزیلها، فإذا نزل المستصحب نزلت الواسطۀ تبعاً فیجب ترتیب اثرها قهراً.
2 ـ ما یشترک بینها وبین الواسطۀ الخفية وهو عد اثر الواسطۀ اثراً لهما ای اثراً للواسطۀ والمستصحب جمیعاً.
ولکن سیأتی منه فی التنبیه الآتی ان المستثنی موردان وأن ما لا یمکن التفکیک عرفاً بینه وبین المستصحب تنزیلاً هو نفس ما افاده بقوله او بواسطۀ ما لأجل وضوح لزومه له او ملازمته معه بمثابۀ عد اثره اثراً لهما... .
وکأنه هذه العبارۀ عبارۀ اخری عن الاول.
وبالجملۀ:
ان ما افاده قدس سره هنا هو ما مثل له فی الحاشیة بالمتضایفین وما افاده قدس سره مبنی عن کون التلازم بینهما فی مقام التزیل بوجه یورث ان یلاحظا شیئاً واحداً ذا وجهین، کان له الأثر بأحد الوجهین، او اثنین موضوعین لأثر واحد.
کما عبر ایضاً: یری اثر احدهما اثر الاثنین عرفاً. ویصح تنزیل کلیهما بلحاظ هذا الأثر فیشمله دلیل الاستصحاب.
ومثل له بتنزیل الابوۀ بلحاظ اثر البنوة.
وصرح بأنه لیس من باب الخطأ، والمسامحۀ فی التطبیق، بل من باب دعوی ان المفهوم من الخطاب ما ینطبق علیه بالتدقیق.
وهذا المعنی لا شبهۀ فیه فی موارد اللزوم بالمعنی الأخص، وقد اعترف به السید الخوئی قدس سره.
وأما العلۀ والمعلول فلیس فی کلام صاحب الکفایۀ اثر من التصریح بها حتی یورد علیه بما مر عن السید الخوئی قدس سره.
[1] حاشية الرسائل ص203 ـ 205.