بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هجدهم
ثم افاد قدس سره فی القسم الثانی:
« القسم الثاني: أن يكون الأثر مترتبا على الوجود المتصف بالتقدم أو
التقارن أو التأخر بمفاد كان الناقصة.
وقد حكم (قدس سره) بعدم جريان الاستصحاب في هذا المورد لعدم اليقين السابق. ولكن في اطلاقه تأمل يتضح بتقديم مقدمتين:
الأولى:
انه إذا اخذ أمران في موضوع حكم.
فتارة يؤخذان موضوعا للحكم بلا لحاظ أمر زائد عليهما، بل الملحوظ في تحقق الأثر كونهما معا.
وأخرى: يؤخذان مع لحاظ امر زائد عليهما وهو تقيد أحدهما بزمان الاخر واتصافه به، فيكون الموضوع هو الامر المقيد بشئ وجودي أو عدمي.
ويصطلح على الشكل الأول بالتركيب، وعلى الثاني بالتقيد.
المقدمة الثانية:
قد ذكرنا سابقاً أنَّ الصفات المقيد بها موضوعات الاحكام.
تارة:
تكون لاحقة للحادث بمعنى انها عارضة عليه بعد حدوثه، كالعدالة والعلم والشجاعة وغيرها.
وجريان الاستصحاب في مثل هذه الصفات واضح لوجود حالة سابقة للحادث وهو عدمها، فمع الشك فيها يستصحب عدمها.
وأخرى:
تكون مقارنة لحدوثه، بمعنى انه حين وجوده اما أن يكون متصفا بالصفة أو بغيرها، بحيث لا تكون هذه الصفة مسبوقة بالعدم بعد حدوث الحادث ثم تعرض عليه، كالقرشية وغيرها، والعربية وغيرها.
والشك في هذه الصفات هو مورد استصحاب العدم الأزلي الذي وقع الكلام فيه فيما إذا ورد عام ثم ورد خاص موضوعه مقيد باحدى هذه الصفات، وشك في فرد انه من افراد الخاص كي يشمله حكمه أو لا.
كما لو ورد: (أكرم العلماء) ثم ورد: ( لا تكرم الأمويين ) وشك في فرد عالم انه أموي أو لا، ولما كان العام لا يجوز التمسك به في الشبهة المصداقية، فهل هناك أصل موضوعي يعين الوظيفة العملية؟.
وقع الكلام في ذلك. وينشأ الخلاف في جريان الاستصحاب العدم الأزلي في المورد، من الاختلاف في أن عنوان الخاص بعد وروده هل يستوجب تقيد الباقي بشئ أو لا يستوجب سوى اخذ عدم العنوان في موضوع حكم العام بنحو التركيب المصطلح عليه بالعدم المحمولي في قبال العدم النعتي المأخوذ قيدا ؟.
فعلى الأول:
لا يجدي استصحاب عدم الوصف في اثبات عدم تقيد الفرد، واستصحاب عدم تقيد الفرد غير ممكن لعدم اليقين السابق بعدم تقيد هذا الفرد.
وعلى الثاني:
يكون استصحاب عدم تحقق الوصف مجديا إذ لا نحتاج في إثبات حكم العام إل إلى احراز الجزئين، فالاستصحاب يثبت أحدهما وهو عدم الأموي، والجزء الثاني وهو العام محرز بالوجدان فيتم الموضوع ويثبت الحكم.
وعليه، فاستصحاب العدم الأزلي المصطلح انما يصح على القول بالثاني.
وقد اختار المحقق الخراساني (رحمه الله) الثاني كما هو صريح عبارته في مباحث العام والخاص . ولذلك أجرى استصحاب عدم القرشية في ادخال المرأة المشكوكة تحت حكم العام.
إذا عرفت هذا:
فتحقيق الحال في القسم الثاني بنحو يتضح به الاشكال على المحقق الخراساني:
إنَّ الحكم فيه.
إن لم يكن له تعلق بذات الموضوع، بل لا علاقة للموضوع به الا كونه موضوعا له كما لو قال: (إذا وجد زيد الهاشمي وجب عليك التصدق)، فاستصحاب العدم جار سواء قلنا باستصحاب العدم الأزلي أو لا:
كما يستصحب عدم وجود زيد الهاشمي في نفي وجوب التصدق مع الشك، وإن لم يحرز ان هذا الفرد غير هاشمي.
وان كان له تعلق بذات الموضوع :
مثل: ما لو قال: ( إذ وجد زيد الهاشمی فاکرمه. فإن كان بنحو التخصيص لحكم عام آخر، فاستصحاب العدم جار عند القائل باستصحاب العدم الأزلي كصاحب الكفاية:
وإن لم يكن بنحو التخصيص لم يجر الاستصحاب لعدم احراز عدم اتصاف هذا الوجود بهذا الوصف مع الحاجة إليه في اثبات الحكم الاخر له، لاخذ العدم فيه بنحو التقييد لا التركيب.
فقد ظهر لك :
ما في اطلاق صاحب الكفاية لعدم جريان الاستصحاب، فان عدم جريانه يتم في الصورة الأخيرة فقط دون جميع الصور.
و قد افاد فی القسم الثالث:
«القسم الثالث: أن يكون الأثر مترتبا على أحد الحادثين متصفا بالعدم في زمان حدوث الاخر بمفاد ليس الناقصة.
وقد حكم صاحب الكفاية (رحمه الله) بعدم جريان الاستصحاب فيه لعدم اليقين السابق بحدوثه كذلك في زمان .
والكلام فيه عين الكلام الذي عرفته في القسم الثاني»[1]
ثم أفاد السید الاستاذ فی القسم الرابع ناظراً الی ما مرَّ تقریبه عن السید الخوئی )قدس سره(
«القسم الرابع:
أن يكون الأثر مترتبا على عدم أحدهما أو كل منهما في زمان الاخر بمفاد ليس التامة. وقد صار هذا القسم مجالا للكلام ومحطا للنقض والابرام.
وقد ذكر للمنع في جريان الاستصحاب فيه وجوه:
الوجه الأول:
ما اختاره صاحب الكفاية (رحمه الله) من عدم جريان استصحاب العدم، لعدم امكان التمسك بعموم دليل التعبد بالاستصحاب في المورد، لكون الشبهة مصداقية، وذلك لاعتبار اتصال زمان الشك بزمان اليقين في جريان الاستصحاب والمراد من زماني الشك واليقين هنا المعتبر اتصالها هو المشكوك زمانا والمتيقن، لا نفس صفة الشك واليقين.
وهذا عند من يقول بكون كل من الشك واليقين في الروايات مأخوذا بنحو المرآتية عن المتيقن والمشكوك - كما عليه الشيخ (رحمه الله) - فواضح.
وأمَّا عند من يقول بان المراد منهما في الروايات صفتا اليقين والشك دون المتيقن والمشكوك، فلانه لا اشكال في عدم اعتبار تقدم زمان نفس اليقين على الشك، فقد يتقدم الشك على اليقين، وانما يصحح نسبة النقض إلى اليقين بلحاظ انتقاض المتيقن.
والوجه في اعتبار اتصال المشكوك بالمتيقن زمانا:
هو دخله في تحقق صدق النقض، إذ بدون الاتصال لا يصدق النقض المنهي عنه.
بيان ذلك:
ان النقض انما يصدق في صورة ما إذا كان متعلق الشك ومتعلق اليقين أمرا واحدا مع إلغاء خصوصية الزمان الموجبة لتعلق الشك في البقاء واليقين بالحدوث، بمعنى انه إذا غض النظر عن اختلاف المتعلقين زمانا كانا أمرا واحدا، وعند ذلك يصدق النقض عند عدم العمل بالمتيقن. ومع انفصال زمان المشكوك عن زمان المتيقن لا يتحقق النقض لعدم كون المتيقن والمشكوك أمرا واحدا حتى مع إلغاء خصوصية الزمان.
فمثلا لو علمنا بعدالة زيد عند الصباح ثم علمنا بفسقه حين الزوال، ثم شككنا بعدالته بعد الزوال، فالحكم بعدم عدالته بعد الزوال لا يعد نقضا لليقين بعدالته حين الصباح ولو مسامحة كي يشمله دليل: " لا تنقض "، لان المشكوك غير المتيقن. فالنقض لا يصدق بعد انفصال زمان الشك عن زمان اليقين، بل انما يصدق في صورة اتصالهما.
وعليه، فلا بد من اعتبار الاتصال كي يصدق النقض في مورده، فيكون مشمولا للنهي العام.
ولأجل ذلك لم تجر أدلة الاستصحاب مع الشك في الاتصال وعدمه، للشك في صدق النقض حينئذ كي يشمله النهي، وعدمه كي لا يشمله، فتكون الشبهة مصداقية ويمتنع التمسك بالعموم فيها.
وقد حمل السيد الخوئي (حفظه الله) كلام الآخوند على إرادة اتصال صفتي اليقين والشك لا المتيقن والمشكوك. ووجهه: باستظهار ذلك من بعض روايات الاستصحاب الظاهرة في كون الشك متصلا باليقين، كقوله (ع): ( إذا كنت على يقين... فشككت ) فان ظاهر الفاء كون الشك متصلا باليقين ومتأخرا عنه زمانا.
وأورد عليه: بان التعبير المذكور مبني على ما هو المتعارف والغالب في موارد استصحاب من تحقق الشك بعد اليقين، فلا يصح التمسك به في اثبات اعتبار اتصال اليقين والشك.
ولكن لا وجه لما ذكره (حفظه الله)
بعد ما عرفت ارادته المتيقن والمشكوك لا صفتي اليقين والشك، كي يستشهد له بالرواية ويورد عليه.
كيف؟ وقد جعل ظهور الرواية البدوي قرينة على إرادة قاعدة اليقين منها مما يكشف بوضوح ان خصوصية سبق اليقين غير معتبرة في الاستصحاب بتاتا، فلا يحتمل في حق صاحب الكفاية انه يرى لزوم سبق اليقين واتصاله بالشك.
إذا عرفت هذا:
فذهاب الخراساني (قدس سره) إلى عدم جريان استصحاب العدم المذكور انما كان لاجل عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين، فلا يحرز صدق النقض، فلا يمكن التعبد بالاستصحاب لمصداقية الشبهة.
وتوضيحه: ان لدينا آنات ثلاث:
الأول: يحرز فيه عدم كل من الحادثين.
والثاني: يحرز فيه حدوث أحدهما.
والثالث: يحرز فيه حدوث الاخر.
فكل منهما يحتمل حدوثه في الآن الثاني وفي الآن الثالث، وزمان الشك في أحدهما هو زمان وجود الاخر، وهو مردد بين الآن الثاني والآن الثالث. فإن كان الآن الثاني كان زمان الشك متصلا بزمان اليقين. وان كان الآن الثالث كان زمان الشك منفصلا عن زمان اليقين، فينشأ التردد في حصول الاتصال وعدمه.
ومنه ينشأ التردد في صدق النقض، ومعه لا يصح إجراء الاستصحاب كما لا يخفى.
وقد أورد عليه المحقق النائيني - كما في أجود التقريرات -: بأنه لا مجال للتردد في حصول الاتصال وعدمه، لان الشك واليقين من الصفات الوجدانية التي لا تقبل التردد، فلا معنى لحصول الشبهة المصداقية بالنسبة إلى الشك واليقين. والشك هاهنا حاصل فيحرز الاتصال ويجري الاستصحاب[2] .
وهذا الاشكال:
مبني على إرادة صفتي اليقين والشك من اليقين والشك في موضوع الاتصال، لا المتيقن والمشكوك، وتفسير اليقين والشك في المورد بذلك.
فان اليقين والشك من الأمور الوجدانية التي لا تقبل التردد.
اما بناء على تفسيرهما بالمتيقن والمشكوك - كما عرفت - فلا يرد هذا الاشكال:
لكونهما حينئذ من الصفات الواقعية التي تقبل الشك - كما اعترف به المحقق المذكور -. فمنشأ الاختلاف هو الاختلاف في مراد صاحب الكفاية باليقين والشك في المقام.
فالمحقق النائيني تخيل بان المراد صفة اليقين وصفة الشك - عطفا على اليقين والشك المأخوذ في الروايات - فأورد عليه بما عرفت.
ولكنك عرفت عدم إرادة نفس الصفة، بل المتيقن والمشكوك، للجزم بعدم اعتبار صاحب الكفاية تقدم زمان اليقين على زمان الشك. فالتفت.
هذا، مضافاً:
إلى أنه لو فرض انه (قدس سره) يلحظ نفس وصفي اليقين والشك، فلا يرد عليه ما ذكر.
وذلك لان مدعاه الشك في اتصال زماني اليقين والشك لا الشك في نفس اليقين والشك، فهو قد فرض حصول اليقين في زمان وحصول الشك في زمان آخر، وانما يشك في اتصال الزمانين. واتصال الزمانين ليس من الأمور الوجدانية التي لا تقبل الشك. فانتبه ولاحظ.
وهذا الذي ذكرناه في بيان عبارة الكفاية هو أحد التفسيرات لعبارته المغلقة حيث فسرت بتفسيرات أخرى تعرفها فيما بعد انشاء الله تعالى.
وقد أورد على نفسه ايراداً تحت عنوان: (لا يقال...)
وحاصل الايراد:
ان اتصال زمان الشك بزمان اليقين محرز في المقام، لان زمان الشك هو مجموع الزمانين حيث يشك في حدوث كل من الحادثين في أحد الزمانين، وهو متصل بزمان اليقين أعني الآن الأول .
وإذا استصحب العدم في مجموع الزمانين فقد ثبت العدم في زمان الحادث الاخر لعدم خروجه عنهما.
وقد دفع الايراد المذكور بعبارة لا تخلو عن اغلاق :
وقد فسرت: بان مجموع الزمانين انما يكون زمانا للشك إذا لو حظ العدم مضافا إلى عمود الزمان، اما إذا لو حظ مضافا إلى حادث آخر - كما هو المفروض - فلا يكون مجموعهما زمان الشك، لان زمان الحادث الاخر أحد الأنين لا كليهما، وهو غير محرز فلا يحرز الاتصال.
وأورد عليه:
بان كون الملحوظ اضافته إلى حادث آخر لا يضر في اتصال زمان الشك بزمان اليقين، لأنه على تقدير كون زمان الحادث الاخر واقعا هو الآن الثالث فالآن الثاني أيضا زمان الشك في العدم.
[1] منتقى الأصول - تقرير بحث الروحاني ، للحكيم - ج ٦ - الصفحة ٢٤٢.