بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هجدهم
ثم أفاده صاحب العروة (قدس سره):
«ودعوى:
أنه يكفي في عدم الصحة عدم الأمر
مدفوعة:
بكفاية المحبوبية في حد نفسه في الصحة ، كما في مسألة ترك الأهم والإتيان بغير الأهم من الواجبين المتزاحمين»
قال السيد الحکيم (قدس سره):
« هذه الدعوى محكية عن الشيخ البهائي (ره)، و حاصلها: أن الأمر بالشيء و إن لم يقتض النهي عن ضده، لكن يمنع عن الأمر بضده لامتناع الأمر بالضدين. لان اجتماع الضدين إذا كان محالا كان الأمر بهما أمراً بالمحال، و هو محال، و إذا امتنع الأمر بالضد الآخر امتنع التقرب به لأن التقرب إنما يكون بالفعل بداعي الأمر، فمع عدم الأمر يمتنع التقرب»[1].
ثم أفاد فی تقريب جواب صاحب العروة عن الدعوی:
« يعني: يكفي في التقرب الفعل بداعي المحبوبية.
بل التحقيق:
جواز تعلق الأمر بالضدين إذا كان على نحو الترتب، كما تعرضنا لذلك في مبحث أحكام النجاسات، من كتاب الطهارة من هذا الشرح. فراجع.
و في حاشية بعض الأعاظم (ره) على المقام قال:
«لا سبيل إلى هذه الدعوى فيما اعتبرت القدرة فيه شرطاً شرعياً، كالحج و نحوه».
و كأنه يريد: أن القدرة إذا كانت شرطاً للوجوب فانتفاؤها - كما يوجب انتفاء الوجوب - يوجب انتفاء المحبوبية.
و لا يخلو ما ذكره من غموض.
لأن القدرة إنما اعتبرت شرطاً شرعياً في حج الإسلام لا في التطوع لمن عليه حج الإسلام، فإن التطوع منه لا تعتبر في مشروعيته القدرة. و كذا في الحج عن غيره و إن كان حج الإسلام، لأن حج الإسلام الثابت للمنوب عنه إنما يعتبر في مشروعيته قدرته لا قدرة النائب، لأن النائب يتقرب بأمر المنوب عنه لا بأمر نفسه.
و من ذلك تعرف أن هذه الدعوى - المحكية عن البهائي - لا مجال لها في المقام بالنسبة إلى الحج عن الغير - تبرعاً أو بالإجارة - لأن النائب إنما يتقرب بأمر المنوب عنه، و هو لا ينافي الأمر المتوجه إلى النائب بحج الإسلام »[2].
و مراده من بعض الأعاظم المحقق النائينی (قدس سره)، فإنَّه أفاده فی حاشية له فی المقام.
«لا سبيل الی هذه الدعوی فيما اعتبرت القدرة فيه شرطاً شرعياً کالحج و نحوه».
و افاد السيد الحکيم: أنَّ مراده هو أنَّ القدرة اذا کانت شرطاً للوجوب فانتفاؤها کما يوجب انتفاء الوجوب يوجب انتفاء المحبوبية.
و افاد السید البروجردی فی ذیل قول صاحب العروة: (ودعوىٰ أنّه يكفي في عدم الصحّة عدم الأمر مدفوعة بكفاية المحبوبيّة فی حد نفسه فی الصحة...»
«مضافاً إلىٰ أنّ النائب لا ينوي إطاعة الأمر المتوجّه إلىٰ نفسه حتّىٰ ينافيه كونه مأموراً بضدّه، بل الأمر الّذي كان متوجّهاً إلىٰ المنوب عنه، ولا تنافي بينه وبين أمر نفسه بضدّه.»[3]
و مثله السید الگلپایگانی.
و أفاده السید الخوئی فی حاشیته علی المقام:
«بل الصحّة من جهة وجود الأمر علىٰ نحو الترتّب.»
و افاد فی المستند تفصلاً:
« يقع الكلام تارة في من يتمكن من أداء حجّ نفسه و أُخرى في من لا يتمكّن و على كل تقدير قد يعلم بوجوب الحجّ على نفسه و قد لا يعلم بذلك، ففي جميع الصور لو حجّ تطوعاً عن نفسه أو حجّ عن الغير نيابة تبرعاً أو إجارة فهل يصحّ الحجّ أم لا؟. أمّا الصورة الأُولى:
و هي ما إذا تمكن من أداء حجّ نفسه و كان عالماً بالوجوب فيقع البحث فيها من حيث الحكم التكليفي و من حيث الحكم الوضعي، أما من حيث الحكم التكليفي فلا ريب في كونه عاصياً في ترك ما وجب عليه و أنه فوّت على نفسه اختياراً ما هو من أعظم الواجبات الإلٰهية الذي هو من مباني الإسلام.
و أمّا من حيث الحكم الوضعي:
فهل يحكم بصحّة ما أتى به من الحجّ التطوعي أو النيابي أو يحكم بفساده؟
نسب إلى المشهور البطلان.
و ادّعى صاحب الجواهر عدم الخلاف فی بطلان الحج النیابی خاصة:
و فصّل بعضهم بين الحجّ النيابي و التطوّعي فذهب إلى البطلان في النيابي و إلى الصحّة فيما إذا حجّ عن نفسه تطوّعاً، و ذهب آخر إلى الصحّة مطلقاً و إن كان عاصياً في ترك حجّ الإسلام كما عن الشيخ في الخلاف .
أمّا القائلون بالتفصيل:
فيمكن الاستدلال لهم بالوجوه المذكورة للفساد و بعض الوجوه المذكورة للصحة. و أمّا القائلون بالفساد فاستدلّوا بوجوه: الأوّل:
أن الأمر بالشيء يقتضي النهي عن ضدّه و النهي يدلّ على الفساد. و عن شيخنا البهائي:
أنه يكفي في الحكم بالفساد عدم الأمر و لا نحتاج إلى النهي ، و إذا كان أحد الضدّين مأموراً به فالضد الآخر لا أمر به لعدم إمكان الأمر بالضدّين معاً و المفروض في المقام أن الأمر تعلق بالحج عن نفسه و لم يتعلق بضده من سائر أقسام الحجّ من التطوعي أو النيابي.
أقول:
قد ذكرنا في بحث الأُصول مفصّلاً أنّ الدعوى الأُولى مبنيّة على مقدّمتين:
إحداهما: إثبات مقدمية ترك أحد الضدين لوجود الضد الآخر.
ثانيهما: إثبات الوجوب الشرعي للمقدمة.
و كلتا المقدمتين ممنوعتان
فإن الضدين في مرتبة واحدة لا يتصور فيهما المقدمية. على أنه لو ثبتت المقدمية لا نلتزم بوجوب المقدمة شرعاً،
و على القول بالوجوب
فالنهي في المقام لا يقتضي الفساد لأنه نهي عرضي تبعي. على أنه لو كان ترك أحد الضدّين واجباً للمقدمية فلا يقتضي حرمة وجود هذا الضد لأن الحكم الشرعيلا ينحل إلى حكمين، فإن الواجب ما يكون فعله واجباً و لا يكون تركه بمحرم و كذا الحرام ما يكون فعله مبغوضاً و منهياً عنه و لا يكون تركه واجباً، فإن الوجوب ينشأ من مصلحة ملزمة في الفعل و الحرمة تنشأ من مفسدة في الفعل.
[1] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص281.
[2] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص281.
[3] اليزدي العروة الوثقى والتعليقات عليها، ج12، ص473.