بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و سوم
والثالث: سيأتي الكلام فيه في المحذور الآتي.
وبالجملة :
ما نحن فيه نظير ما لو علم بعدم وجوب اكرام زيد الفاسق وكان هناك شخص مشكوك في أنه زيد الفاسق أو لا ، فان التعبد بأنه ليس بزيد الفاسق ويجب اكرامه لا يتنافى مع احتمال انطباقه على من يعلم عدم وجوب اكرامه .
الوجه الثالث:
ما ذكر بعنوان التفسير لعبارة الكفاية:
وبيانه : ان أحد الحادثين - وهو الموت مثلا - لما كان ملحوظا بالإضافة إلى الحادث الاخر ، وكان هناك علم اجمالي بحصول الموت اما في الآن الثاني أو في الآن الثالث . وعلم اجمالي آخر بحصول الحادث الاخر في أحد الأنين ، احتمل أن يكون الحادث الاخر - وهو الاسلام مثلا - قد حصل في الآن الثالث ، فيكون الموت قد حصل في الآن الثاني ، وهو مورد العلم الاجمالي .
وعليه ، فيحتمل أن يكون نقض اليقين السابق بعدم الموت ، قد انفصل بزمان اليقين الاجمالي وهو الآن الثاني ، فزمان الشك وهو زمان الاسلام لا يحرز اتصاله بزمان اليقين وهو الآن الأول ، بل يحتمل أن يكون قد انفصل باليقين الاجمالي الناقض ، لاحتمال ان زمان الاسلام هو الآن الثالث ، فيكون الآن الثاني هو زمان اليقين الاجمالي بالارتفاع .
وبالجملة :
المورد من موارد احتمال انطباق ذيل الرواية ، فلا يصح الرجوع إلى العموم لكون الشبهة مصداقية لا يصح التمسك بعموم دليل الاستصحاب[1].
وهذا الوجه يقطع بعدم ارادته من العبارة من جهتين :
الأولى : انه يبتني على القول بعدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي .
وصاحب الكفاية(قدس سره) لا يقول بذلك ، بل يقول بشموله لأطرافه كما ستعرف
الجهة الثانية :
انه يقتضي أن يكون المورد من مصاديق ذلك الحكم أعني : عدم شمول دليل الاستصحاب لأطراف العلم الاجمالي ، فلا وجه لجعل المحذور في جريان الاستصحاب في المورد شيئا آخر برأسه - غير ذلك - ، وهو : عدم احراز اتصال زمان الشك بزمان اليقين - كما هو صريح العبارة .
ثم إنَّ المحقق العراقي ( رحمه الله ) بعد ما ذكر كلام الآخوند بهذا التفسير وأسهب في توضيحه ، أورد عليه :
بأنه انما يتم بناء على سراية العلم الاجمالي إلى الخارج ، مع أن الامر ليس كذلك ، فان العلم الاجمالي انما يتعلق بالصورة الذهنية للشئ - ويعبر عنها بالمعلوم بالذات - . اما الصورة الخارجية فهي معلومة بالعرض ولا يسري العلم إليها ، فهي في نفسها مشكوكة .
ولا يظهر لهذا الايراد وجه وجيه أصلاً.
فان الصورة الذهنية التي تعلق بها العلم تطابق الصورة الخارجية - ولأجل ذلك كانت الصورة الخارجية معلومة بالعرض. والمحذور المتأتي بناء على سراية العلم الاجمالي إلى الصورة الخارجية - وهو احتمال كون نقض اليقين باليقين لا بالشك - متأت من جهة المطابقة بين الصورتين ، فالمحذور تام على كلا الوجهين والبنائين .
نعم: لو قلنا بعدم مطابقة الصورة الذهنية للصورة الخارجية ، وانه لا علاقة له بالصورة الخارجية لم يتأت المحذور . ولكنه لا قائل به ، لاستلزامه ارتفاع منجزية العلم الاجمالي بالمرة وعدم أثر له خارجي أصلاً .
وبعبارة أخرى :
ان ما أفاده من عدم السراية متأت حتى بالنسبة إلى العلم التفصيلي ، مع أن الالتزام بناقضيته ليست محل اشكال .
ويتحصل مما ذكرنا :
ان ما ذكر في تفسير عبارة الكفاية غير تام لا في نفسه ولا بعنوان توجيه كلام الكفاية .
إذا عرفت هذا كله .
فالحق في المقام عدم جريان الاستصحاب - كما ذهب إليه المحقق الخراساني ( قدس سره ) - لمحاذير ثلاثة :
المحذور الأول :
ما ذكره المحقق الخراساني في الكفاية بالتوجيه الذي ذكرناه .
المحذور الثاني :
إنَّ الأثر انما يترتب على عدم الحادث في زمان وجود الحادث الآخر ، فموضوع الأثر مركب من عدم الحادث ووجود الحادث الاخر . والتعبد بأحد الجزئين لا يصح إلا في ظرف إحراز الجزء الآخر ، لا بمعنى ان التعبد لا بد وأن يكون في ظرف إحراز الاخر ، بل بمعنى ان المتعبد به هو الجزء في ظرف يحرز فيه الاخر .
وبعبارة أخرى : ان ظرف المتعبد به لا بد أن يكون زمان إحراز الاخر ، وان كان التعبد قبل الاحراز فالأثر انما يترتب فيما إذا أحرز عدم الحادث في ظرف يحرز فيه الحادث الاخر .
ولما لم يكن الشك في بقاء عدم الحادث بهذه الإضافة - أعني : إلى زمان الاخر على كل تقدير وبقول مطلق - لأنه على تقدير انطباق زمان الحادث الاخر على الآن الثالث لا يشك في بقاء العدم على هذا التقدير للعلم بانتفائه وانتقاضه .
نعم:
الشك في بقاء عدم الحادث حاصل مع تقدير فرض انطباقه على الآن الثاني ، للشك في هذا الآن دون الآن الثالث . فالشك في بقاء عدم الموت إلى زمان الاسلام ليس على كل تقدير ، بل على خصوص تقدير كون زمان الاسلام هو الآن الثاني . - امتنع جريان الاستصحاب في المورد ، لان التعبد بعدم الحادث إلى زمان الحادث الاخر في الآن الثاني ، لا يجدي في ترتب الأثر لعدم احراز الحادث الاخر في هذا الظرف - لتردده بين الأنين - ، والتعبد به في جميع الأزمنة التي يحتمل وجود الحادث الاخر فيها بحيث يحرز تصادف العدم مع الحادث الاخر غير ممكن ، لانطباق الاستصحاب على الآن الثالث ، وقد عرفت عدم الشك فيه[2].
و الحاصل:
التعبد بعدم الحادث فی زمان الآخر علی تقدیر دون تقدیر لا یجدی فی ترتب الأثر، لعدم احراز کلا الجزئین فی ظرف واحد و علی جمیع التقادیر غیر ممکن ، لعدم الشک فی بعض التقادیر.
المحذور الثالث:
و قبل بیانه لا بد من بیان شیٍء و هو انه هناک فروضاً ثلاثة تذکر فی الاستصحاب لها علاقة بما نحن فیه:
الفرض الاوّل:
ان یکون موضوع الأثر تحقق بقاء الحادث الی زمان حادث آخر. و علم اجمالاً بحدوث الحادث الآخر فی احد زمانین، و احتمل بقاء الحادث الی زمان الحادث الآخر ـ ا لمعلوم بالاجمال ـ فلا اشکال فی استصحاب بقاء الحادث الی زمان الحادث الآخر.
الفرض الثانی:
ان یکون موضوع الأثر کذلک، ولکن کان الحادث الآخر محتمل الحصول فی زمان ممکن کالزوال لا معلوماً.
فقد یتوهم : جریان الاستصحاب فی هذه الصورة باعتبار وجود الشک فی بقاء الحادث الی زمان الحادث الآخر.
ولکنه توهم فاسد یبتنی علی المغالطة:
فإن صدق زمان الحادث الآخر ـ کزمان مجيء زید ـ متقوم بإحراز الحادث الآخر ـ و هو المجيء ـ و ثبوته. و الا فلا یصدق سوی احتمال مجيء زید، فلا شک فی بقاء الحادث الی زمان الحادث الآخر لعدم صدق «زمان الحادث الآخر» فلا یجری الاستصحاب فی المورد.
الفرض الثالث ـ و هو وسط بین الفرضین ـ :
ان یکون موضوع الأثر کذلک ایضاً، و کان الحادث الآخر محتمل الحصول فی زمان یقین ایضاً.
ولکن هنا ملازمة واقعیة بین بقاء الحادث کجلوس عمر و حدوث الحادث الآخر فی ذلک الزمان المعین، بمعنی ان الحادث لو استمر الی ذلک الزمان لکان الحادث الآخر قد حصل فی ذلک الزمان.
فهو کالفرض الاوّل: من جهة وجود الملازمة التی نتیجتها حصول العلم بالحادث الآخر لو علم باستمرار الحادث و لا یبقی مشکوکاً.
و کالفرض الثانی: من جهة الشک بحصول الحادث الآخر فی ذلک الزمان المعین. و اما من جهة صحة جریان الاستصحاب فی هذا الفرض و عدم صحته فهو کالفرض الثانی، لأن جریان الاستصحاب فیه یستلزم محذورین: الدور، و کونه مثبتاً.
لأن موضوع الاستصحاب هو الحادث الی زمان الحادث الآخر، و صدق :« الشک فی بقاء الحادث الی زمان الحادث الآخر » باحرازه کما عرفت.
فاستصحاب الحادث الی زمان الحادث الآخر متوقف علی احراز الحادث الآخر، مع ان الاحراز انما یکون به ـ اعنی: بالاستصحاب ـ فیلزم الدور.
کما انه یکون مثبتاً بالنسبة الی الحادث الآخر، لأن ثبوته بالملازمة.
و بالجملة:
فالاستصحاب غیر جار لعدم احراز الحادث الآخر من جهة تقوم صدق الشک بالحادث نفی زمان الحادث الآخر باحرازه، لا من جهة توقف ترتب الأثر علیه، فالتفت.
[1] . نهایة الأفكار ، ج 4، ص 210.
[2] منتقى الأصول، ج ٦، تقرير بحث السيد محمد الروحاني لعبد الصاحب الحكيم، ص ٢٦١.