بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و نهم
قال صاحب العروة:
«... علىٰ فرض صحّة الحجّ عن الغير ولو مع التمكّن. والعلم بوجوب الفوريّة:
لو آجر نفسه لذلك فهل الإجارة أيضاً صحيحة، أو باطلة،
مع كون حجّه صحيحاً عن الغير؟
الظاهر بطلانها .
وذلك لعدم قدرته شرعاً علی العمل المستأجَّر علیه، لأنّ المفروض وجوبه عن نفسه فوراً.
وكونه صحيحاً علىٰ تقدير المخالفة لا ينفع في صحّة الإجارة، خصوصاً علىٰ القول بأنّ الأمر بالشيء نهي عن ضدّه؛ «لأنّ اللّٰه إذا حرّم شيئاً حرّم ثمنه» وإن كانت الحرمة تبعيّة.
فإن قلت:
ما الفرق بين المقام وبين المخالفة للشرط فی ضمن العقد، مع قولکم بالصحة هناك؟ كما إذا باعه عبداً وشرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحّة البيع، ويكون للبائع خيار تخلّف الشرط؟
قلت:
الفرق: أنّ في ذلك المقام المعاملة علىٰ تقدير صحّتها مفوّتة لوجوب العمل بالشرط، فلا يكون العتق واجباً بعد البيع؛ لعدم كونه مملوكاً له، بخلاف المقام؛ حيث إنّا لو قلنا بصحّة الإجارة لا يسقط وجوب الحجّ عن نفسه فوراً، فيلزم اجتماع أمرين متنافِيَين فعلاً، فلا يمكن أن تكون الإجارة صحيحة. وإن قلنا: إنّ النهي التبعيّ لا يوجب البطلان فالبطلان من جهة عدم القدرة علىٰ العمل، لا لأجل النهي عن الإجارة.
نعم: لو لم يكن متمكّناً من الحجّ عن نفسه يجوز له أن يؤجِر نفسه للحجّ عن غيره، وإن تمكّن بعد الإجارة عن الحجّ عن نفسه لا تبطل إجارته.
بل لا يبعد صحّتها لو لم يعلم باستطاعته، أو لم يعلم بفوريّة الحجّ عن نفسه، فأجّر نفسه للنيابة، ولم يتذكّر إلىٰ أن فات محلّ استدراك الحجّ عن نفسه كما بعد الفراغ أو في أثناء الأعمال،...»[1].
و أفاد السَّید الحکیم فی المستمسك فی ذیل قوله: (..الظاهر بطلانها. و ذلك لعدم قدرته شرعاً على العمل المستأجر عليه):
«و القدرة على العمل شرط في صحة الإجارة، لأن مالا يكون مقدوراً لا يكون موضوعاً للمعاوضة، و أكل المال بإزائه أكل للمال بالباطل. و عدم القدرة في المقام و إن كان شرعياً لكنه مثل عدم القدرة عقلا.
و في حاشية بعض الأعاظم:
«هذا تسليم منه بموجب البطلان و لو تبرعاً عن الغير أو تطوعاً لنفسه».
و يشير بذلك إلى ما سبق منه في الحاشية: من أن القدرة شرط في مشروعية الحج، فمع عدمها تنتفي المشروعية.
و فيه: ما عرفت: من أن القدرة شرط في مشروعية حج الإسلام، لا في حج التطوع و لا في التبرع عن غيره به. فلاحظ.»[2]
و أفاد فی ذیل قوله:( فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد ، مع قولكم بالصحة هناك؟...)
«و حينئذ يكون مانع آخر من صحة الإجارة غير عدم القدرة، و هو المعاوضة على الحرام، فان في حاق الإجارة المعاوضة بين الأجرة و المنفعة فإذا كانت حراماً لم تصلح للمعاوضة عليها.»
ثم أفاد فی مقام دفع هذا الإشکال :
« لم يظهر توجه هذا الاشكال على ما ذكره، من بطلان الإجارة على الضد إذا وجب ضده، و إنما يحسن توجهه لو كان الحكم هو صحة الإجارة على البيع إذا شرط العتق في المثال المذكور. فإنه إذا شرط العتق فقد وجب بالشرط، فاذا استؤجر المشروط عليه على البيع، و قلنا بصحة الإجارة كان الفرق بينهما غير ظاهر، فيحتاج إلى السؤال عن إبداء الفرق.
و أما الحكم بصحة البيع لو اشترط الضد فقد تقدم منه مثله، و هو صحة التطوع بالحج عن نفسه إذا وجب عليه حج الإسلام.
و بالجملة:
تقدم منه حكمان.
أحدهما: أنه إذا وجب حج الإسلام فوجوبه لا يقتضي بطلان ضده.
و ثانيهما: أنه إذا وجب حج الإسلام لم تصح الإجارة على ضده.
و مثال شرط العتق و صحة البيع يناسب الأول، و لا فرق بينهما في الحكم، و لا يناسب الثاني كي يحتاج إلى إبداء الفرق بينهما في الحكم.»
و أفاد فی ذیل قوله:« فإن قلت: ما الفرق بين المقام و بين المخالفة للشرط في ضمن العقد ، مع قولكم بالصحة هناك؟ كما إذا باعه عبداً و شرط عليه أن يعتقه فباعه، حيث تقولون بصحة البيع و يكون للبائع خيار تخلف الشرط.»
« قد تكرر في هذا الشرح: التعرض لأن الشرط في ضمن العقد يقتضي إثبات حق المشروط له على المشروط عليه، فاذا اشترط عليه أن يعتقه فقد صار له عليه أن يعتقه و ملك عليه ذلك.
ثمَّ نقول: لما كان العتق المملوك متعلقاً بالعبد و كان العبد موضوعاً له، فتارة: يؤخذ وجود العبد في ملكه بنحو شرط الواجب الذي يجب عليه تحصيله.
و أخرى: يؤخذ بنحو شرط الوجوب الذي لا يجب عليه تحصيله.
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج12، ص482-484.
[2] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص287.