بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و نهم
و أمّا النّذر فذكر المصنف(قدس سره)أن المشهور بينهم أنه كاليمين في المملوك والزوجة، وألحق بعضهم بهما الولد أيضاً، واستشكل فيه بدعوى عدم الدليل عليه خصوصاً في الولد إلّا القياس على اليمين.
أقول:
هذا غريب منه(قدس سره)لأنه خصّ توقف انعقاد اليمين على الاذن بما إذا كان منافياً لحق الوالد أو السيّد أو الزوج، وذلك لا يفرق فيه بين النذر واليمين لاعتبار الرجحان في متعلق النذر، وإذا كان متعلق النذر منافياً لحق الوالد مثلاً فلا رجحان فيه ولا ينعقد، فالنذر كاليمين في عدم انعقاده إذا كان متعلقه منافياً لحق هؤلاء لكونه مرجوحاً، فلا حاجة في إلحاق النذر باليمين إلى دليل خاص حتى يقال بعدم الدليل بل نفس الأدلّة الأوّلية الدالة على وجوب الوفاء بالنذر كافية في عدم انعقاده إذا كان منافياً لحق الوالد، لأنها تدل على لزوم الرجحان في متعلق النذر، فالبحث عن لحوق النذر باليمين وعدمه ساقط على مسلكه(قدس سره). نعم، إنما يتم هذا البحث على ما اخترناه من توقف انعقاد اليمين مطلقاً على الاذن أو أن لهم الحل سواء كان متعلقه منافياً لحقهم أم لا.
و الظاهر عدم اللحوق من هذه الجهة باليمين.
لأنّ مقتضى الإطلاقات الدالّة على الوفاء بالنذر انعقاد النذر ولزوم الوفاء به وعدم توقفه على الإذن، وإنما خرجنا عن ذلك في خصوص اليمين لدليل خاص وهو مفقود في النذر.
نعم.
قد أُطلق في عدّة من الروايات اليمين على النذر، و لكن قد ذكرنا غير مرة أن الإطلاق أعم من الحقيقة والمتفاهم عرفاً تغاير اليمين والنذر، وثبوت الحكم في الأعم يحتاج إلى الدليل، ومجرّد الإطلاق في بعض الموارد لا أثر له.
نعم: للوالد حل نذره لأن متعلق النذر يعتبر فيه الرجحان حتى بقاء وإذا نهاه الأب عن إتيان المتعلق يصبح مرجوحاً فينحل فيختلف اليمين عن النذر في أن اليمين يتوقف على الاذن، وأما النذر فلا وإنما للوالد حلّه.
والحاصل: نذر الولد لا ينعقد مع نهي والده كما ينحل بنهيه عنه بعد النذر. و تفصيل الكلام يقتضي البحث في موارد ثلاثة:
الأوّل: نذر الولد
وقد عرفت أنه غير ملحق باليمين وينعقد ولو من دون إذن الأب لعدم الدليل على الإلحاق، ومجرّد إطلاق اليمين على النذر في بعض الأخبار لا أثر له، لأنّ الاستعمال أعم من الحقيقة، بل المتفاهم عرفاً أنّ النذر واليمين مفهومان متغايران ولا يتعدّى حكم أحدهما إلى الآخر إلّا بالدليل، والمستفاد من الأدلّة عدم انعقاد نذر الولد إذا كان منافياً لحق الوالد، لأنه مرجوح وقد اعتبر الرجحان في متعلق النذر، وأمّا إذا لم يكن منافياً لحقه ينعقد ولا يعتبر فيه إذنه وإنما له الحل، فإذا حلّه ونهاه عن العمل به ينحل لأنه بقاء يكون المتعلق مرجوحاً.
و بعبارة اُخرى:
وجوب الوفاء بالنذر واجب مشروط برجحان متعلقه حدوثاً وبقاء، فإذا نهاه الوالد عن العمل بالنذر يكون مرجوحاً فينحل، وأما جواز الحل للوالد فهو على مقتضى القواعد الأوّلية لأن دليل الوفاء لا يشمله فله حله متى شاء.
الثاني:
نذر العبد، وهو كاليمين لمعتبر الحسين بن علوان: «ليس على المملوك نذر إلّا أن يأذن له سيّده»[1]، بل المستفاد منه أن الحكم بالتوقف على الاذن في النذر أشد من اليمين، لما عرفت أن المراد بتوقف اليمين على الإذن عدم استقلال المملوك في يمينه ولزوم مراجعته إلى السيّد في أمر يمينه وعدم مزاحمته له، وذلك لا يفرق بين تحصيل الرضا والإذن منه قبل اليمين أو بعده، ولكن مقتضى الجمود على ظاهر اللفظ في النذر اعتبار الإذن السابق المقابل للإجازة اللاحقة لأن ظاهر كلمة الإذن الواردة في النص هو الرضا السابق.
ثمّ إنّ المصنف وصف هذا الخبر بالضعف وذكر أنه منجبر بالشهرة، وقد ذكرنا غير مرّة أن الانجبار لا أساس له، ولم يعلم اعتماد المشهور على هذا الخبر ولو علم فلا أثر له، فدعوى الانجبار ممنوعة كبرى وصغرى.
إلّا أنّ الخبر ليس بضعيف بل هو معتبر فإن الضعف المتوهم هو من ناحية الحسين بن علوان ولكنه موثق لأنّ الكشي يمدحهو النجاشي يوثقه لقوله: الحسين بن علوان الكلبي وأخوه الحسن يكنّى أبا محمّد ثقة.
و قد زعم بعضهم أن التوثيق راجع إلى الحسن أخيه .
ولكنه فاسد، بل التوثيق راجع إلى الحسين نفسه لأنه المقصود في الترجمة، وكثيراً ما جرت عادة النجاشي أن يذكر شخصاً من أقارب المترجَم في ضمن ترجمة الشخص الذي عنونه.
على أنّ العلّامة ذكر عن ابن عقدة أنّ الحسن كان أوثق من أخيه وأحمد عند أصحابنا و في كلامه دلالة على وثاقة الحسين أيضاً،
مضافاً إلى ذلك أنّ الحسين من رجال تفسير علي بن إبراهيم القمي.
المورد الثالث: نذر الزوجة.
وقد استدل على إلحاق نذرها باليمين وأنه يعتبر الاذن من زوجها في انعقاده بصحيح ابن سنان:
«ليس للمرأة مع زوجها أمر في عتق ولا صدقة ولا تدبير ولا هبة ولا نذر في مالها إلّا بإذن زوجها إلّا في حج أو زكاة أو بر والديها أو صلة رحمها»[2].
و فيه أوّلاً:
أنّ النص أخص من المدعى، لأنّ مورده عدم انعقاد النذر في مالها بدون إذن الزوج، فالتوقف إنما هو في الأُمور المالية ولا يشمل ما إذا تعلّق النذر بغير الأموال كاُمور العبادة ونحوها، فإسراء الحكم إلى النذر المتعلِّق بغير الأموال من القياس الذي لا نقول به.
و ثانياً:
أنه لا يمكن الأخذ بظاهر النص ولا بدّ من حمله على الجهة الأخلاقية لاشتماله على ما لا يقول به أحد، لأن عدة من المذكورات لا إشكال في عدم توقفها على إذن الزوج كالصدقة من مالها والهبة من مالها ونحو ذلك من التصرّفات في أموالها الشخصية، ولم يلتزم أحد باعتبار إذن الزوج في صحّة هذه التصرفات، فلا بدّ من حمل الرواية على الجهة الأخلاقية والتأدب بالنسبة إلى الزوج واحترامه.
و قد أجاب غير واحد عن هذا الإشكال:
بأن اشتمال النص على ما لا نقول به في بعض الموارد لا يوجب سقوطه عن الحجية في مورد آخر، وقد وقع نظير ذلك في كثير من الأدلة.
و فيه:
أن الأمر وإن كان كذلك لكن فيما إذا كان هناك جمل متعددة على إشكال في ذلك أيضاً، وأما إذا كانت جميع الفقرات بياناً لصغريات تعود إلى كبرى واحدة فالمتبع ظهور تلك الكبرى، والمقام كذلك، إذ ليس في البين جملات متعدِّدة متكرِّرة مستقلّة بل ذكر في أوّل الكلام كبرى كلّية وهي أنه ليس للمرأة مع زوجها أمر ثمّ ذكر عدّة من الأُمور بياناً لصغرى هذه الكبرى، والمتبع ظهور هذه الكبرى، وقد عرفت أنه لا يمكن الأخذ بإطلاقها إذ لا يقول به أحد من الأصحاب فلا بدّ من حملها على حكم أخلاقي تأدبي.
وبالجملة:
لا دليل على توقف نذر الزوجة على إذن الزوج فيما لا ينافي حقه، ولا سيما في نذر الزوجة أمراً لا يتعلق بمالها.
و مما يشهد:
على أن المذكورات في صحيح ابن سنان المتقدم ليست جملاً متعددة مستقلة وإنما جميعها صغرى لكبرى واحدة والتي هي انه ليس للمرأة مع زوجها أمر استثناء الحجّ والزكاة، فإن الظاهر أن الاستثناء استثناء حقيقي غير منقطع، وذلك يكشف عن أن المستثنى منه كبرى كلية واحدة وهي أنه ليس لها أي شيء من الأُمور سوى الحجّ والزكاة، فحينئذ لا بدّ من حمل تلك الكبرى على الأخلاق والآداب إذ لم يلتزم أحد بمضمونها، فإن توقف جميع الأُمور على إذن الزوج مقطوع البطلان.
[1]. الوسائل ، الباب 15 من ابواب النذر ، الحدیث 2.
[2] . الوسائل، الباب 15 من ابواب النذر، الحدیث 1.