بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و پنجم
التنبیه الرابع عشر:
قال صاحب الکفایة:« الرابع عشر: الظاهر أن الشك في أخبار الباب و كلمات الأصحاب هو خلاف اليقين،
فمع الظن بالخلاف فضلا عن الظن بالوفاق يجري الاستصحاب، و يدل عليه- مضافا إلى أنه كذلك لغة كما في الصحاح، و تعارف استعماله فيه في الأخبار في غير باب- قوله (عليه السلام) في أخبار الباب: (و لكن تنقضه بيقين آخر) حيث أن ظاهره أنه في بيان تحديد ما ينقض به اليقين و أنه ليس إلّا اليقين.
و قوله (عليه السلام) أيضا: «لا حتى يستيقن انه قد نام» بعد السؤال منه: عما اذا حرك في جنبه شيء و هو لا يعلم؟
حيث دل باطلاقه- مع ترك الاستفصال بين ما اذا أفادت هذه الامارة الظن و ما اذا لم تفد، بداهة انها لو لم تکن مفیدة له دائماً لکانت مفیدة له احیاناً علی عموم النفی لصورة الافادة.
و قد استدل علیه بوجهین آخرین:
الاول:
الاجماع القطعی علی اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف علی تقدیر اعتباره من باب الاخبار.
و فیه:
انه لا وجه لدعواه، ولو سلم اتفاق الاصحاب علی الاعتبار، لاحتمال ان یکون ذلک من جهة ظهور دلالة الاخبار علیه.
الثانی:
ان الظن الغیر المعتبر، ان علم بعدم اعتباره بالدلیل فمعناه: ان وجوده کعدمه عند الشارع، و ان کلما یترتب شرعاً علی تقدیر عدمه فهو المترتب علی تقدیر وجوده، و ان کان مما شک فی اعتباره، فمرجع رفع الید عن الیقین بالحکم الفعلی السابق بسببه الی نقض الیقین بالشک فتأمل جیداً.
و فیه:
ان قضیة عدم اعتباره لا لغائه او لعدم الدلیل علی اعتباره لا یکاد یکون الا عدم اثبات مظنونه به تعبداً، لیترتب علیه آثاره شرعاً، لا ترتیب آثار الشک مع عدمه، بل لابد حینئذ فی یقین ان الوظیفة ای اصل من الاصول العملیة من الدلیل.
فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه علی اعتبار الاستصحاب فلا بد من الانتهاء الی سائر الاصول بلا شبهة و لا ارتياب، و لعله اشير الیه بالأمر بالتأمل فتأمل جیداً.»
و قال الشیخ فی الرسائل:
الأمر الثاني عشر: أنّه لا فرق في احتمال خلاف الحالة السابقة بين أن يكون مساويا لاحتمال بقائه ، أو راجحا عليه بإمارة غير معتبرة.
الأول: الإجماع القطعي على اعتبار الاستصحاب مع الظن بالخلاف على تقدير اعتباره من باب الأخبار.
الثانی:
أن المراد بالشك في الروايات معناه اللغوي، وهو خلاف اليقين، كما في الصحاح[1]. ولا خلاف فيه ظاهرا.
ودعوى:
انصراف المطلق في الروايات إلى معناه الأخص، وهو الاحتمال المساوي، لا شاهد لها، بل يشهد بخلافها - مضافا إلى تعارف إطلاق الشك في الأخبار على المعنى الأعم - موارد من الأخبار:
منها: مقابلة الشك باليقين في جميع الأخبار.
ومنها: قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة الأولى[2]: " فإن حرك إلى جنبه شئ وهو لا يعلم به "، فإن ظاهره فرض السؤال فيما كان معه أمارة النوم.
ومنها: قوله (عليه السلام): " لا، حتى يستيقن "، حيث جعل غاية وجوب الوضوء الاستيقان بالنوم ومجئ أمر بيّن عنه.
ومنها: قوله (عليه السلام): " ولكن ينقضه بيقين آخر "، فإن الظاهر سوقه في مقام بيان حصر ناقض اليقين في اليقين.
ومنها: قوله (عليه السلام) في صحيحة زرارة الثانية[3]: " فلعله شئ أوقع عليك، وليس ينبغي لك أن تنقض اليقين بالشك "، فإن كلمة " لعل " ظاهرة في مجرد الاحتمال، خصوصا مع وروده في مقام إبداء ذلك كما في المقام، فيكون الحكم متفرعا عليه.
ومنها: تفريع قوله (عليه السلام): " صم للرؤية وأفطر للرؤية " على قوله (عليه السلام):
" اليقين لا يدخله الشك[4].
الثالث: أن الظن الغير المعتبر إن علم بعدم اعتباره بالدليل، فمعناه أن وجوده كعدمه عند الشارع، وأن كل ما يترتب شرعا على تقدير عدمه فهو المترتب على تقدير وجوده. وإن كان مما شك في اعتباره، فمرجع رفع اليد عن اليقين بالحكم الفعلي السابق بسببه، إلى نقض اليقين بالشك، فتأمل جیدا.
هذا كله على تقدير اعتبار الاستصحاب من باب التعبد المستنبط من الأخبار.
وأما على تقدير اعتباره من باب الظن الحاصل من تحقق المستصحب في السابق، فظاهر كلماتهم أنه لا يقدح فيه أيضا وجود الأمارة الغير المعتبرة، فيكون العبرة فيه عندهم بالظن النوعي وإن كان الظن الشخصي على خلافه، ولذا تمسكوا به في مقامات غير محصورة على الوجه الكلي، من غير التفات إلى وجود الأمارات الغير المعتبرة في خصوصيات الموارد.
واعلم: أن الشهيد (قدس سره) في الذكرى - بعد ما ذكر مسألة الشك في تقدم الحدث على الطهارة - قال:
تنبيه: قولنا: " اليقين لا يرفعه الشك "، لا نعني به اجتماع اليقين والشك في زمان واحد، لامتناع ذلك، ضرورة أن الشك في أحد النقيضين يرفع يقين الآخر، بل المعني به: أن اليقين الذي كان في الزمن الأول لا يخرج عن حكمه بالشك في الزمان الثاني، لأصالة بقاء ما كان على ما كان، فيؤول إلى اجتماع الظن والشك في الزمان الواحد، فيرجح الظن عليه، كما هو مطرد في العبادات ، انتهى[5].
ومراده من الشك معناه اللغوي، وهو مجرد الاحتمال المنافي لليقين، فلا ينافي ثبوت الظن الحاصل من أصالة بقاء ما كان، فلا يرد ما أورد عليه[6]: من أن الظن كاليقين في عدم الاجتماع مع الشك.
نعم، يرد على ما ذكرنا من التوجيه:
أن الشهيد (قدس سره) في مقام دفع ما يتوهم من التناقض المتوهم في قولهم: " اليقين لا يرفعه الشك "، ولا ريب أن الشك الذي حكم بأنه لا يرفع اليقين، ليس المراد منه الاحتمال الموهوم، لأنه إنما يصير موهوما بعد ملاحظة أصالة بقاء ما كان، نظير المشكوك الذي يراد إلحاقه بالغالب، فإنه يصير مظنونا بعد ملاحظة الغلبة.
وعلى تقدير إرادة الاحتمال الموهوم - كما ذكره المدقق الخوانساري - فلا يندفع به توهم اجتماع الوهم واليقين المستفاد من عدم رفع الأول للثاني. وإرادة اليقين السابق والشك اللاحق يغني عن إرادة خصوص الوهم من الشك.
وكيف كان، فما ذكره المورد - من اشتراك الظن واليقين في عدم الاجتماع مع الشك مطلقا - في محله.
فالأولى أن يقال:
إن قولهم: " اليقين لا يرفعه الشك " لا دلالة فيه على اجتماعهما في زمان واحد، إلا من حيث الحكم في تلك القضية بعدم الرفع. ولا ريب أن هذا ليس إخبارا عن الواقع، لأنه كذب، وليس حكما شرعيا بإبقاء نفس اليقين أيضا، لأنه غير معقول، وإنما هو حكم شرعي بعدم رفع آثار اليقين السابق بالشك اللاحق، سواء كان احتمالا مساويا أو مرجوحا[7].
[1] الصحاح ج4 ص1594، المصباح المنير ص320 مادة شكك
[2] الوسائل، الباب 1 من أبواب نواقض الوضوء ، الحديث 1
[3] الوسائل ، الباب 42 من أبواب النجاسات الحديث 1، الباب 7 الحديث 2.، الباب 37 الحديث 1، الباب 44 الحديث 1.
[4] الوسائل، الباب 3 من أبواب أحكام شهر رمضان ، الحديث 13.
[6] أورده المحقق الخونساري في مشارق الشموس، ص142.