بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و ششم
و حاصل ما افاده الشیخ فی المقام:
انه لا فرق فی جریان الاستصحاب بالنسبة الی احتمال خلاف الحالة السابقة بین ان یکون مساویاً لاحتمال بقائه او راحجاً علیه، بل الشک الموضوع للاستصحاب یشمل تساوی الاحتمالین، ای احتمال الخلاف و احتمال البقاء، و کذا الاحتمال الضعیف الذی یقابله الاحتمال الراجح بالخلاف و ما یعبر عنه بالظن بالخلاف. فیقع البحث فی ان الاستصحاب هل یجری مع الظن بالخلاف بمقتضی امارة غیر معتبرة او غیرها.
فأفاد الشیخ قدس سره بأن الاستصحاب یجری فی موارد الظن بالخلاف.
و استدل علیه بوجوه:
منها: مقابلة الشک بالیقین فی جمیع الاخبار.
و منها: ان الشک فی اللغة یکون بمعنی خلاف الیقین کما فی الصحاح. و هذان الوجهان قد اختارهما صاحب الکفایة ایضاً تبعاً للشیخ.
و منها: الاجماع، علی تقدیر اعتبار الاستصحاب من باب الاخبار و لصاحب الکفایة فیه التأمل:
بأنه لا وجه لدعوی الاجماع و لو سلم اتفاق الاصحاب فیه، و ذلک لاحتمال ان یکون نظر الاصحاب فی المقام من جهة ظهور دلالة الاخبار علیه فيصير الاجماع مدرکیاً حسب اصطلاحنا.
و اورد علی هذا الوجه من الاستدلال فی کلام الشیخ السید الخوئی قدس سره افاد:
«و فیه اولاً:
عدم تحقق هذا الاجماع، فإن من جملة الاقوال هو القول بالتفصیل بین الشک بارتفاع الحالة السابقة و الظن به علی ما نقله قدس سره، و من المحتمل کون هذا المفضل من القائلین بحجة الاستصحاب من باب الاخبار.
و ثانیاً:
عدم حجیة مثل هذا الاجماع المعلوم مدرکه، بل الاجماع المحتمل مدرکه لا یکون اجماعاً تعبدیاً کاشفاً عن قول المعصوم علیه السلام.»
و یمکن ان یقال:
انه افاد الشیخ فی صدر بحث الاستصحاب فی مقام تقسيم الاستصحاب باعتبار الشک المأخوذ فیه: و اما باعتبار الشک فی البقاء فمن وجوه ایضاً، و جعل ثانیها: من حیث ان الشک بالمعنی الاعم الذی هو المأخوذ فی تعریف الاستصحاب:
قد یکون مع تساوی الطرفین، و قد یکون مع رحجان البقاء او الارتفاع، و لا اشکال فی دخول الاولین فی محل النزاع، و اما الثالث: فقد یترائی من بعض کلماتهم عدم وقوع الخلاف فیه.
قال شارح المختصر: معنی استصحاب الحال. ان الحکم الفلاني قد کان ولم یظن عدمه، و کل ما کان کذلک فهو مظنون البقاء، و قد اختلف فی صحة الاستدلال به لافادته الظن، و عدمها لعدم افادته انتهی».
و افاد الشیخ بعد نقله:
«و التحقيق: ان محل الخلاف ان كان فى اعتبار الاستصحاب من باب التعبد و الطريق الظاهرى عم صورة الظن الغير المعتبر بالخلاف.
و ان كان من باب افادة الظن - كما صرح به شارح المختصر:
فإن كان من باب الظن الشخصى: كما يظهر من كلمات بعضهم كشيخنا البهائى فى حبل المتين و بعض من تأخر عنه كان محل الخلاف فى غير صورة الظن بالخلاف اذ مع وجوده لا يعقل الظن بالبقاء.
و ان كان من باب افادة نوعه الظن لو خلى و طبعه - و ان عرض لبعض افراده ما يسقطه عن افادة الظن -عم الخلاف صورة الظن بالخلاف ايضا.
و يمكن ان يحمل كلام العضدى:
على ارادة ان الاستصحاب من شأنه بالنوع ان يفيد الظن عند فرض عدم الظن بالخلاف و سيجىء زيادة توضيح لذلك إن شاء اللّه تعالى»[1].
و علیه فإن القائل بالتفصیل فی کلام الشیخ لا یلتزم باعتبار الاستصحاب من باب التعبد کما افاد الشيخ بتصریح شارح المختصر فیه.
و علیه فلا یرد علی الشیخ اشکال من هذا الجهة.
نعم. ان اشکال مدرکیة هذا الاجماع لو فرض تحققه، له وجه قوی کما انه یمکن التأمل فی ادعاء الاجماع فی المقام بأنه اجماع فی مسئلة اصولیة و قد حقق فی محله حصر ادلة اعتبار الاجماع فی الاحکام الفقهیة، دون الاصولیة او الکلامیة، و عدم صدق ضوابط اعتبار الاجماع علیها.
و منها: الذی عنونه الشیخ بعنوان الوجه الثالث من وجوه استدلاله:
و نقله صاحب الکفایة و تقریبه:
ان الظن الغیر المعتبر ان علم بعدم اعتباره بالدلیل. فمعناه ان وجوده کعدمه عند الشارع و ان کل ما یترتب علیه شرعاً علی تقدیر عدمه فهو المترتب علی تقدیر وجوده، و ان کان مما شک فی اعتباره، فمرجع رفع الید عن الیقین بالحکم الفعلی السابق بسببه الی نقض الیقین بالشک، ثم امر بالتأمل فی نهایة کلامه بقوله فتأمل، و اورد علیه صاحب الکفایة:
بأن قضیة عدم اعتباره لالغائه، او لعدم الدلیل علی اعتباره لا یکاد یکون الا عدم اثبات مضمونه به تعبداً، لیترتب علیه آثاره شرعاً، لا ترتیب آثار الشک مع عدمه.
بل لابد فی تعيين ان الوظیفة ای اصل من الاصول العملیة من الدلیل، فلو فرض عدم دلالة الاخبار معه علی اعتبار الاستصحاب. فلا بد من الانتهاء الی سائر الاصول بلا شبهة و لا ارتياب.
و افاد فی نهایة کلامه، و لعله اشیر الیه بالأمر بالتأمل.
و افاد السید الخوئی فی مقام دفع هذا الوجه من الشیخ قدس سره:
«أنّ الكلام في وجود المقتضي، ومقدار دلالة الأدلة الدالة على حجية الاستصحاب، وأ نّها هل تشمل صورة الظن بارتفاع الحالة السابقة أم لا، وما ذكره (قدس سره) ليس إلّا بيان عدم المانع، ولا فائدة في إحراز عدم المانع مع الشك في وجود المقتضي. ومع إحراز المقتضي وشمول الأدلة له - على ما ذكرناه - لا مجال لتوهم كون غير الحجة - وهو الظن غير المعتبر - مانعاً عن الحجة وهي الاستصحاب.
وبعبارة اُخرى:
معنى عدم اعتبار الظن - من جهة الدليل على عدم الاعتبار أو عدم الدليل على الاعتبار الراجع إليه بضميمة أصالة عدم الحجية - هو عدم إثبات المظنون، وهو يوجب الرجوع إلى الاُصول العملية، وحينئذ لا بدّ من ملاحظة أدلة الاستصحاب، فان كانت شاملة لموارد الظن بارتفاع الحالة السابقة فهو وإلّا فيرجع إلى أصل آخر، فمجرد كون الظن غير معتبر لا يوجب شمول أدلة الاستصحاب لموارد الظن.
وأمّا ما ذكره أخيراً :
من أنّ رفع اليد عن اليقين للظن المشكوك في اعتباره يكون من نقض اليقين بالشك.
فيرد عليه: أنّه لا بدّ في صدق نقض اليقين بالشك كون متعلق الشك واليقين واحداً، وفي المقام ليس كذلك فانّ اليقين متعلق بحدوث شيء والظن متعلق بارتفاعه، أمّا الشك فهو متعلق بحجية هذا الظن، فليس الشك متعلقاً بما تعلق به اليقين»[2].
[2] مصباح الأصول ج3 ص227.