بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و هفتم
قال صاحب العروة:
(مسألة 7):
إذا نذر الحجّ من مكان معيّن كبلده أو بلد آخر معيّن، فحجّ من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمّته و وجب عليه ثانياً.
نعم لو عيّنه في سنة فحجّ في تلك السنة من غيرذلك المكان وجب عليه الكفّارة؛ لعدم إمكان التدارك.
و لو نذر أن يحجّ من غير تقييد بمكان ثمّ نذر نذراً آخر أن يكون ذلك الحجّ من مكان كذا و خالف فحجّ من غير ذلك المكان برأ من النذر الأوّل، و وجب عليه الكفّارة لخلف النذر الثاني.
كما أنّه لو نذر أن يحجّ حجّة الإسلام من بلد كذا فخالف فإنّه يجزيه عن حجّة الإسلام و وجب عليه الكفّارة لخلف النذر»[1].
قال السيد الحکيم :
قد تقدم- في مواضع من هذا الشرح- الكلام في نظير المسألة وحاصله:
أن وجود حج الإسلام إن أخذ شرطاً للنذر فمع سقوطه بالأداء لا مجال للكفارة إذ لا حنث، و إن أخذ قيداً للمنذور وجب تحصيله.
فيرجع قوله: «للّٰه علي أن أحج حج الإسلام من بلد كذا» إلى قوله: «للّٰه علي أن لا أحج إلا من بلد كذا»، لأن وجوب المحافظة على حصول قيد المنذور يقتضي المنع من حصوله، لئلا يعجز عن أداء المنذور المؤدي الى تركه.
فاذا حج من غير البلد المعين حج الإسلام فقد فوت الموضوع و عجز نفسه عن أداء المنذور. و هذا التعجيز حرام عقلا، فيكون تجرياً، فلا يصح التعبد به، فاذا بطل- لفوات التقرب- بقي النذر بحاله، فيجب الإتيان بالمنذور بعد ذلك.
و حينئذ لا تجب الكفارة، لأن الكفارة إنما تجب بترك المنذور، لا بمجرد التجري في تركه و تفويته، الحاصل بالاقدام على إفراغ الذمة عن حجة الإسلام.
فراجع ما كتبناه في شرح مسألة: ما لو نذر أن يصلي جماعة.
هذا كله مع العمد، و أما مع السهو فلا ينبغي الإشكال في صحة الحج و عدم الكفارة»[2].
و افاد السيد الخوئي:
«في هذه المسألة أمور:
الأول: لو نذر الحج من مكان معين كبلدة أو بلد آخر عينه فحج من غير ذلك المكان لم تبرأ ذمته و لا يجزي عن المنذور و وجب عليه الحج ثانيا من ذلك المكان المعين وفاء لنذره.
كما إذا نذر ان يصلي ركعتين في مسجد خاص أو في الحرم الشريف فصلى في مكان آخر فإنه لا تجزي عن الأمر الناشئ من النذر بل لا بد من الصلاة في الحرم الشريف أو في المسجد المعين.
نظير ما لو نذر ان يعطي درهما لزيد فأعطاه لعمرو و نحو ذلك.
فإن الأمر الناشئ من النذر أوجب عليه الإتيان بحصة خاصة و فرد خاص من الطبيعة فلا يجزي عنه إتيان الطبيعة في ضمن فرد آخر لم يتعلق به النذر، و لا يتحقق الامتثال بالنسبة إلى الأمر النذري إلا بإتيان متعلقة.
الثاني: لو عينه في سنة خاصة من مكان خاص فحج في تلك السنة من غير ذلك المكان لا يجب عليه الحج ثانيا لعدم إمكان التدارك لان المفروض انه قيد الحج بسنة خاصة و لم يكن مطلقا حتى يمكن التدارك بإتيانه في سنة أخرى.
نعم يجب عليه الكفارة فقط لانه خالف نذره.
و الحاصل:
لو كان نذره مطلقا و غير مقيد بزمان خاص فخالف و اتى به من غير ذلك المكان المعين المنذور يجب عليه الحج ثانيا لانه لم يمتثل الأمر النذري المتعلق بحصة خاصة من الطبيعة و ليس عليه الكفارة.
و ان كان الحج مقيدا بزمان خاص من مكان خاص فخالف و اتى بالحج من غير ذلك المكان يسقط وجوب الحج ثانيا لعدم إمكان تداركه لانه كان مقيدا بسنة خاصة و قد فوت على نفسه، و انما يجب عليه الكفارة فقط لانه حنث بإتيان الحج من غير ذاك المكان المعين.
هذا كله إذا كان النذر واحدا.
الثالث:
ما إذا كان النذر متعددا أحدهما تعلق بالحج مطلقا من غير تقييد بمكان و الأخر تعلق بالإتيان به من مكان خاص و خالف فحج من غير ذلك المكان.
ذكر في المتن أنه تبرأ ذمته من النذر الأول لأنه تعلق بطبيعي الحج و قد تحقق، غاية الأمر قيده بنذر ثاني و وجوب آخر بإيجاده في ضمن حصة خاصة فمتعلق نذر كل منهما يغاير الآخر و قد حصل الامتثال
بالنسبة إلى النذر الأول و أما بالنسبة إلى النذر الثاني فقد خالفه و يجب عليه الكفارة.
و هكذا لو نذر ان يأتي بحج الإسلام من بلد كذا فخالف و حج من غير ذلك البلد فإنه يجزيه عن حجة الإسلام و لكن يجب عليه الكفارة لخلف النذر.
أقول: يقع الكلام في جهتين:
الأولى:
في صحة النذر الثاني و عدمها. لا ريب في صحة النذر إذا كان متعلقة امرا راجحا كما إذا نذر ان يصلي في المسجد أو في الحرم الشريف أو يأتي بها جماعة و نحو ذلك من العناوين الراجحة فإن الأمر الأول تعلق بأصل الطبيعة المطلقة و الثاني تعلق بإيقاعها في ضمن فرد راجح.
فلو اتى بالطبيعة في ضمن غير ذلك الفرد امتثل بالنسبة إلى الأمر الأول لأنه لم يكن مقيدا و انما تعلق بالطبيعي الجامع بين الصلاة جماعة و فرادى و أما بالنسبة إلى الأمر الثاني فقد خالف و وجب عليه الكفارة و أما إذا لم يكن متعلقة راجحا كما إذا لم يكن للمكان المنذور رجحان فلا ينعقد كما هو كذلك في المقام لأن إتيان الحج من بلده أو من بلد خاص لا رجحان فيه شرعا فلا ينعقد النذر بالنسبة إليه.
نعم: لا يبعد صحته فيما إذا تعلق بالخروج مع القافلة الأولى للرجحان فيه لاحتمال عدم الوصول إلى الحج لو أخر السفر إلى القوافل اللاحقة.
و الحاصل: لو تعلق النذر بحصة خاصة لا بد من ثبوت الرجحان في تلك الحصة و إلا فلا ينعقد كما إذا نذر ان يصلي صلاته اليومية في غرفة خاصة من داره لعدم رجحان في ذلك.
نعم: لو تعلق النذر بنفس الخاص ينعقد لثبوت الرجحان في أصل الفرد الخاص كما إذا نذر ان يصلي ركعتين في هذه الغرفة المعينة.
و بالجملة: ما ذكره المصنف من انعقاد النذر الثاني على إطلاقه غير تام بل لا بد من التفصيل بين ما كان متعلقة راجحا و عدمه.
الجهة الثانية:
قد عرفت انه لو نذر أو لا ان يحج من غير تقييد بمكان ثم نذر ثانيا ان يكون ذلك من مكان خاص فحج من غير ذلك المكان صح حجه و برأ من النذر الأول لامتثاله و وفائه له لان المفروض كان متعلقة مطلقا و لم يكن مقيدا بمكان خاص و أما بالنسبة إلى النذر الثاني فقد خالفه و يجب عليه الكفارة.
و قد يقال:
ببطلان العمل الصادر منه بدعوى ان النذر في المقام في الحقيقة يرجع إلى ان لا يحج إلا من بلد كذا و قوله (للّه علي ان أحج حج الإسلام من بلد كذا)
يرجع إلى قوله (للّه علي ان لا أحج إلا من بلد كذا)، أو لا يصلي في أي مكان إلا في المسجد أو لا يصلي إلا جماعة فإذا حج من غير ذلك البلد أو صلى في غير ذلك المسجد أو صلى فرادى يقع الفعل الصادر منه مبغوضا لأنه موجب لتفويت المنذور و لا يمكن تداركه، و إذا وقع مبغوضا يقع فاسدا إذ لا يمكن ان يكون الحرام مصداقا للواجب فيبقى النذر بحاله.
[1] . العروة الوثقى (المحشى)، ج4، ص: 497.
[2] . مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص: 318.