بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه ششم
و قد یتوهم :
ان کون الامارة حاکمة علی الاستصحاب انما یصح علی المسلك المعروف فی الفرق بین الامارات و الاصول من انه قد اخذ فی موضوعها الشك ، بخلاف الامارة، فإن ادلتها مطلقة ، فإن الامارة مزیلة للشك بالتعبد الشرعی، فینتفی موضوع الاستصحاب ، و الاستصحاب لا یوجب ارتفاع موضوع الامارة اذ لم یؤخذ فی موضوعها الشك .
بخلاف ما سلکناه من المسلك من ان الجهل بالواقع مأخوذ فی موضوع الامارات ایضاً علی ما بیّناه سابقاً .
و هو مدفوع :
بما ذکرناه فی المقام لتقریب حکومة الامارة علی الاستصحاب من ان مفاد الحکومة عدم المنافاة حقیقة بین الدلیل الحاکم و الدلیل المحکوم ، لأن مفاد دلیل الحاکم انتفاء موضوع المحکوم بالتعبد الشرعی، و مفاد المحکوم ثبوت الحکم علی تقدیر وجود الموضوع ، فلا منافاة بینهما .
و علیه تکون الامارة حاکمة على الاستصحاب عی المسلك المختار ایضاً، فإن الامارة القائمة علی ارتفاع الحالة السابقة تثبت انتفاء المتیقن السابق تعبداً ، فلا یبقی موضوع للاستصحاب »[1].
هذا و یمکن ان یقال:
ان الظن و هو الاحتمال الراجح موضوع للاعتماد عند العقلاء فی معاشهم فالظن حجة عقلائیة و مورد لاعتماد العقلاء و عملهم.
و وجه اعتبار الظن عندهم کاشفیته عن الواقع بدرجته، فإن مع الجهل بالواقع فإنما یرون الظن طریقاً الیه و کاشفا عنه و لکن بدرجته وحده، و کلما کثرت درجة الرجحان کانت کاشفیته اقوی عندهم، و لذا تریهم انهم لا یکتفون بالرجحان فی درجة 60% اذا تمکنوا من الرجحان بـ 70% و هکذا الی ان تصل الکاشفیة الی حد العلم المعرفی و هو الاطمینان، و هو الظن الراجح الذی لا یری عندهم احتمال الخلاف فیه، و ان کان احتمال الخلاف موجود فیه بدرجة ضعیفة، و الحاصل ان الظن حسب مراتبه هو معتمد العقلاء فی سیرتهم .
و الشارع و ان کان من العقلاء الا نه اعتبر فی مقام الوقوف علی احکامه الواقعیة الظن الخاص الحاصل من اسباب خاصة و لا یعتمد علی مطلق الظن فی ذلك، ای فی مقام الوقوف علی احکامه ، و هذه الاسباب الخاصة هی الکاشف عن احکامه عند جهل المکلف بها ( ای الاحکام الواقعیة) و اساس اعتباره لهذه الاسباب کشفها عن الواقع بدرجته ، و انه کما ان العلم کاشف عنده عن الواقع فکذلك هذه الاسباب و الامارات.
فالامارة هی الظن الخاص ای الاحتمال الراجح الخاص الذی اعتبره الشارع فی مقام کشف احکامه للمکلف فی فرض جهله بالواقع .
و معنی اعتبار الشرع لهذه الاسباب اکتفائه بموداها عن الواقع فی دائرة سلطنته و انه یعامل معها معاملة الواقع .
و لا شبهة فی ان فی مؤدی الامارة یحتمل الخلاف کما هو المحتمل فی کل ظن، و معنی احتمال الخلاف عدم وصول المکلف الی الواقع فی ظرف عدم الاصابة .
و حینئذ ای مع احتمال عدم الاصابة فإنه ما معنی اکتفاء الشارع بها فی ارشاد المکلفین الی الاستناد و التمسك بها، لأن معنی الاکتفاء ان الشارع انما یری مورد الامارة واقعاً بحسب ترتب آثاره بالنسبة الی المکلفین .
و علیه فإن هذا الاعتبار من الشارع انما یقع من جهة کاشفیة الامارة عن الواقع، و انه انما اعتبر هذا الحد من الکاشفیة وافیاً بمقصوده من احراز المکلف الواقع مع احتمال عدم اصابته بدرجته .
و علیه فلا محالة یکون المجعول فی باب الامارات الوسطیة للاثبات و الاحراز بالنسبة الی الواقع . و ان الامارة انما یثبت الواقع و یحرزه للمکلف.
و من جهة انها لا تصیب الواقع دائماً و ربما یحتمل الخلاف، فإن معنی اکتفائه بمؤدیه عن الواقع هو تنزیل مؤدی الامارة
منزلة الواقع، و معناه ای معنی اکتفائه عنها لواقعه و تنزیلها منزلة الواقع عدم اعتنائه باحتمال الخلاف فیه، و هذا هو معنی الغاء احتمال الخلاف و تتمیم الکشف فی اعتبارها ، فإنه لا معنی لاکتفائه بمؤداه عن الواقع الا ذلك، و حیث ان هذا الاکتفاء منه کان فی مقام شارعیته ومولویته فیکون ذلك تعبداً منه بذلك .
فیمکن القول بأن المجعول فی الامارات بحسب اعتباره هو الوسطیة فی اثبات الواقع و احرازه بالغاء احتمال الخلاف و تتمیم الکشف، و هذا هو المراد من التنزیل .
هذا ثم انه اذا قلنا بأن معنی اعتبار الشارع لهذا الظن الخاص اعتباره من حیث کاشفیته و ان کان لا یفید العلم و القطع بواقعه ، کفایة اثبات واقعه به تعبداً، و ان المجعول فیه الوساطة فی الاثبات تعبداً، لأنه لا یثبت الواقع دائماً بل یحتمل الخلاف، الا ان معنی اکتفائه انه یری هذا السبب مثبتاً لواقعه و محرزاً له تماماً بالتعبد، و ان کان بحسب الوجدان و الواقع یحتمل خلافه فی بعض الموارد، و اعتباره لهذا السبب فی مقام کشفه عن واقع یکون منزلا منزلة العلم، فالتنزیل ابتداءً متوجه الی جعل السبب المذکور ای الامارة کاشفاً عن واقعه و دالاً علیه .
و هذا یعنی انه یری الکشف الناقص کشفاً تاماً تعبداً . و علیه فإنما کان التنزیل اولاً متوجهاً الی السبب و الکاشف و ان ما فعله الشارع تنزیل الامارة منزلة العلم و تنزیل الکشف الناقص منزلة الکشف التام .
و اما تنزیل مودیها منزلة الواقع انما هو بتبع تنزیل الدال علیه منزلة العلم و لا یتوجه التنزیل ابتداء و اولاً الی الواقع، و ان الواقع التنزیلی – ای اصطلاحه – اصطلاح مسامحی اذا لا معنی له الا مؤدی الامارة و ان الشارع لما کان هذا الکاشف کالدلیل العلمی یری مؤداه کالواقع بحسب الآثار المرتب علیه.
و اما ما افاده شیخنا الآخوند من ان المجعول فی باب الامارات المنجزیة و المعذریة دون الغاء احتمال الخلاف او تتمیم الکشف فلا یتم التزام به، لأن المنجزیة و المعذریة انما یترتب علی مؤدی الامارة فی مرتبة متأخرة عن ثبوته و کشفه تعبداً ، فإنه بعد ما اعتبر الشارع کون الامارة کاشفاً، و انها سبب لاثبات الواقع، فهی منجزة للواقع عند الاصابة و معذرة عند الخطأ .
[1] . مصباح الاصول ، الجزء 3، ص 253-250