بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه ششم
و الرواية:
ما رواها محمد بن يعقوب الکليني في الکافي عن علی بن ابراهيم عن أبيه ، عن ابن محبوب عن علي بن رئاب عن مسمع قال:
قلت لأبي عبد الله (ع) كانت لي جارية حبلى فنذرت لله عز وجل ان ولدت غلاما ان أحجه أو أحج عنه. فقال:
إن رجلاً نذر لله عز وجل في ابن له ان هو أدرك ان يحج عنه أو يحجه فمات الأب وأدرك الغلام بعد وفاتي رسول الله (ص) الغلام فسأله عن ذلك. فامر رسول الله (ص) ان يحج عنه مما ترك أبوه.
ورواه الشيخ باسناده عن الحسن بن محبوب.
و قد مرَّ البحث فی سند الرواية و انها صحيحة علی طريقها و تمامية وثاقة مسمع بن عبد الملک بن مسمع.
فانه قال فيه النجاشی ...شيخ بکر بن وائل بالبصرة و وجهها و سيد المسامعة و کان أوجه من أخيه عامر بن عبدالملک و أبيه:
و قال الکشی :قال محمد بن مسعود، سألت ابا الحسن علي بن الحسين بن فضال عن مسمع کردين ؟ فقال: هو ابن مالک من أهل البصرة و کان ثقة.
وثقَّه العلامة المجلسي فی الوجيزة.
قال السيد الحکيم فی المستمسک:
« المذكور في الشرائع وغيرها قولهم:
لو نذر إن رزق ولدا يحج به أو يحج عنه، ثم مات الوالد، حج بالولد أو عنه من صلب ماله».
وجعل في الرياض: مفروض المسألة حصول الشرط المعلق عليه النذر في حال الحياة ، وحينئذ يكون الوجه فيها: القواعد الأولية.
ولذا اعتبر - في محكي المسالك - التمكن من المنذور في حال الحياة ، ولا تكون الرواية معمولا بها عند أحد منهم ، لأنها غير مضمون العبارة المذكورة .
قال (ره): (لاتفاق الفتوى على تصوير المسألة بنحو ما فرضناه، ولذا استدل عليها بما أسلفناه أولا ... ).
ومراده بما أسلفه من الاستدلال: ما ذكره أولاً في شرح المسألة، من أنه حق مالي تعلق بتركته، فيجب قضاؤه منها.
وأشكل عليه في الجواهر:
بأن الشهيد في المسالك ذكر أن الأصل في هذا الحكم الحسن المذكور، وكذلك سبطه في نهاية المرام ، فذلك يدل على أن مفروض المسألة في كلام الأصحاب ما هو مورد السؤال في الرواية - يعني : صورة ما إذا مات قبل حصول الشرط - وأن تعبير الأصحاب بمضمون الرواية كالصريح في ذلك.
ولو كان مفروض المسألة كما ذكر من الموت بعد التمكن لم يحتج إلى هذه المتعبة العظيمة ، إذ الحكم حينئذ يكون موافقا للقواعد . . إلى آخر ما ذكره فی تقريب ان مفروض المسألة هو مورد الرواية و ان الوجه فيه هو الرواية.
أقول:
قد اشتملت الرواية علی فرضين:
الاول :ما اذا نذر ان ولد له ولد ان يحجه عنه ، قوله له ثم مات الوالد، ثم مات الوالد.
والثانی: ما اذا نذر ان ولد له ولد و ادرک ان يحجه أو يحج عنه ، فمات الولد قبل ان يدرک .
و المفروض فی النافع و القواعد و غيرها .
ولم يتعرَّض فی کلام الأصحاب الفرض الثانی:
و لأجل ذلک صح للمسالك و غيرها قولهم: الاصل فی مفروض الفقهاء، هو حسن مسمع .و ليس مرادهم: مفروض المتن الموافق للفرض الثانی و الا لعبَّروا به، و لما صح لهم الاستدلال عليه بالقاعدة.
فان الشهيد فی المسالک مع انه ذکر ان الأصل فی المسألة رواية مسمع قال بعد ذلک فی الاستدلال علی وجوب القضاء من الترکة. لأنَّه حق مالی تعلق بالترکة، و هو مدلول الرواية، و نحوه فی کشف اللثام .
وبالجملة:
العبارة المذکورة فی کلام الأصحاب آبية عن الحمل علی ما ذکر فی الجواهر و يبقی حملها علی ما ذکره فی الرياض ، الذی هو الفرض الاول فی الرواية فلا حظ.
ومن ذلک يظهر : ان الرواية لم يظهر عمل أحد بها فی الفرض المذکور فی المتن الذی هو الفرض الثانی فی الرواية کما سبق.
و أفاد فی ذيل قول صحاب العروة: و قد عمل به جماعة، و علی ما ذکرنا لايکون مخالفاً للقاعدة. کما تخيله سيد الرياض ...
لم يتضح ترتبه على ما ذكره، فإنه لم يتقدم منه إلا مجرد الفتوى والاستدلال بالرواية، وكلاهما لا يظهر منه أن مقتضى القاعدة لزوم القضاء وانعقاد النذر.
بل قد تقدم منه في المسألة العاشرة: إما البطلان أو التفصيل ولا فرق بين المسألتين إلا في أن المنذور في السابقة الحج ، وفي هذه المسألة الاحجاج، وهو غير فارق. وقد عرفت في تلك المسألة أنه يمكن التفصيل بين ملاحظة الشرط بنحو الشرط المتأخر وبين ملاحظته بنحو الشرط المتقدم ، وهو آت هنا أيضا .ويحتمل أن يكون مراده مما ذكرنا:
ما ذكر في المسألة الثانية عشرة
من صدق الدين في نذر الاحجاج بخلاف نذر الحج. لكن كان كلامه
هناك فيما لو حصل الشرط في حياته ولم يتمكن من المنذور ، والكلام هنا فيما لو تمكن من المنذور ولم يحصل الشرط . والفرق بين المقامين ظاهر، فإنه مع حصول الشرط يكون استحقاق المنذور فعليا ، ولا مانع من انعقاده إلا عدم التمكن ، فيمكن منع مانعيته.
وفي المقام لم يحصل الشرط ، فلم يكن الاستحقاق فعليا.
هذا مضافاً:
إلى أنه لم يظهر الوجه في اعتباره – في لزوم قضاء المنذور تمكنه منه قبل موته ، مع أن التمكن حينئذ لا دخل له في الانعقاد ، إذ التمكن المعتبر في انعقاد النذر التمكن من المنذور في حين فعله لا غير ، وهو ظاهر جدا .
وبالجملة : فكلام المصنف (ره) في المقام لا يخلو من غموض وإشكال[1].
و أفاد السيد الخوئي (قدس سره) في المقام:
قد عرفت مما تقدم أن مقتضى القاعدة بطلان النذر مطلقا سواء تعلق بالحج مباشرة أو بالاحجاج مطلقا أو معلقا، لأن الموت يكشف عن عدم القدرة، فلا ينعقد النذر من أصله ، وقد عرفت أيضا أن نذر الاحجاج لا يجعله مدينا، بل لو تعلق النذر بنفس إعطاء المال وبذله لا يكون مدينا غاية الأمر يجب عليه اعطاء المال كما يجب عليه الاحجاج .
وبالجملة : متعلق النذر في كلا الموردين عمل وفعل من الأفعال ، ولا يصير مدينا حتى يجب قضائه من الأصل ، وبالموت ينكشف البطلان
وعدم الانعقاد .
نعم:
مقتضى صحيح مسمع المذكور في المتن وجوب القضاء في نذر الاحجاج وقد عمل به المشهور ، فوجوب القضاء مما لا كلام فيه .
إنما الكلام في أنه يخرج من الأصل أو من الثلث؟
ولم يصرح في خبر مسمع بشئ منهما وإنما المذكور فيه أنه يخرج مما ترك أبوه.
ومقتضى اطلاقه جواز الخروج من الأصل.
ويعارضه ما تقدم من الصحيحتين( صحيحة ضريس وصحيحة ابن أبي يعفور ) الدالتين على الخروج من الثلث ومقتضى الجمع بينهما وجوب القضاء من الثلث.
وقد ذكرنا غير مرة أن الصحيحتين وإن أعرض عنهما الأصحاب ولم يعملوا بهما في موردهما إلا أنه لا عبرة بالإعراض ولا يوجب سقوط الخبر عن الحجية.
فتلخص من جميع ما ذكرنا:
أن نذر الحج المباشري لا يجب القضاء عنه لا من الأصل ولا من الثلث لعدم الدليل ، وأما نذر الاحجاج يجب قضائه من الثلث ولو كان بالتعليق ومات قبل حصول الشرط مع فرض حصوله بعد ذلك كما هو مورد صحيح مسمع.
وإذا وجب القضاء في مورد نذر الاحجاج المعلق، وجب قضائه في نذر الاحجاج المطلق بطريق أولى .
بل يمكن أن يقال:
بشمول خبر مسمع لنذر الاحجاج المطلق أيضا لأن المستفاد من الخبر صدرا وذيلا ومن تطبيق الإمام ( ع ) ما نقله عن النبي (ع) على ما سأله السائل، إن نذر الاحجاج مما يجب قضائه بعد الموت سواء كان مطلقاً أو معلقاً وسواء مما تمكن منه أم لا»[2] .
[1] . السيد الحكيم، مستمسك العروة الوثقى، ج10، ص333-335.
[2] . مستند العروة، الحج، ج1، ص 407-408.