بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بیست و هفتم
واورد السيد الحكيم على المحقق النائيني (قدس سره):
« قد أشرنا في بعض المواضع من هذا الشرح إلى أن الاختلاف بين فردي الطلب الوجوبي والاستحبابي ليس من قبيل الاختلاف بين فردي الكلي التشكيكي، بأن يكون الطلب الوجوبي أكيدا والطلب الاستحبابي ضعيفا، ولا من قبيل الاختلاف بين فردي الطلب المتواطئ، بأن يكون الطلب الوجوبي فردا خاصا والطلب الاستحبابي فردا آخر، نظير زيد وعمرو.
بل الاختلاف بينهما ليس إلا في الترخيص في مخالفته في الطلب الاستحبابي وعدمه في الطلب الوجوبي.
ولما كانت أدلة نفي الحرج والضرر ظاهرة في نفي المنشأ - وهو اللزوم - وكان اللزوم منتزعا من عدم الترخيص، كانت أدلة نفي الحرج والضرر راجعة إلى الترخيص في مخالفة الطلب.
فالطلب قبل أدلة نفي الحرج لا ترخيص في مخالفته، وبعد أدلة نفي الحرج مرخص في مخالفته. فالطلب في الحالين لا تبدل فيه، لا في ذاته ولا في صفته، وإنما التبدل في انضمام الترخيص إليه بعد أن كان خاليا عنه.
فإذا كان باقيا بحاله كان كافيا في مشروعية المطلوب وجواز التعبد به. ولو سلم أن الاختلاف بين فردي الطلب:
من قبيل الاختلاف بين فردي الماهية التشكيكية، فيكون الطلب الوجوبي شديدا والطلب الاستحبابي ضعيفا فغاية ما يقتضي دليل نفي الحرج رفع الشدة الموجبة للزوم، فيبقي أصل الطلب بحاله.
ولو سلم أنه من قبيل الافراد للكلي المتواطئ، فإذا زال الطلب الوجوبي لا بد أن يخلفه الطلب الاستحبابي، لأن الملاك بعد ما كان موجودا كان موجبا لحدوث الإرادة الاستحبابية.
ومن ذلك تعرف الاشكال:
في حاشية بعض الأعاظم على المقام، حيث قال فيها: " لم يعرف أن هذا الطلب المدعى ثبوته - بعد رفع الوجوب - استحبابي أو نوع آخر، وكيف تولد من رفع الوجوب ما لم يكن له عين ولا أثر سابق؟...
هذا مضافا:
إلى ما عرفت في بعض مباحث الوضوء، من أن الطلب بما هو ليس داعيا إلى الفعل العبادي، بل بما هو طريق إلى وجود الملاك الموجب للترجح النفساني عند الالتفات. وحينئذ لو فرض عدم حصول الطلب لمانع عنه، أو لعدم الالتفات - كما في الموالي العرفية - كان ذلك الترجيح كافيا في الدعوة إلى الفعل، وصدوره على وجه العبادة، وعدم كونه تشريعا. فلاحظ.
نعم يشكل ما ذكره المصنف ( ره ): بما عرفت الإشارة إليه سابقا، من أن دليل نفي الحرج لما لم يكن مانعا عن وجود الملاك فقد استقر الحج في ذمة المكلف، وإن كانت لا تجب المبادرة إليه لدليل نفي الحرج، فاللازم - مع عدم الحرج - الاتيان به في السنة اللاحقة وإن زالت الاستطاعة، كما لو ترك الحج في السنة الأولى عمدا من غير عذر.
وإن شئت قلت:
بناء على ما ذكره المصنف لا يكون الحرج منافيا للاستطاعة، ولا عدمه شرطا فيها، وإنما يكون رافعا للزوم الحج، وهو خلاف ما ذكره سابقا، من اشتراط الاستطاعة بأن لا يكون حرج. وعليه بناء الأصحاب، كما سبق. وعلى هذا لا بد من الرجوع إلى ما ذكرناه في صدر المسألة في شرح قوله ( ره): " فالظاهر كفايته.. "، كما تقدم في توجيه كلام الشهيد.[1]
يمكن ان يقال:
ان ما افاده (قدس سره) في دفع ما اورده المحقق النائيني (قدس سره) على صاحب العروة تام وان ما صوره من المشروعية ووجود الملاك بعد رفع الالزام على جميع الصور وجيه.
الا ان عمدة الوجه للقول بالاجزاء ما مرّ تقريبه من ان ادلة الضرر او الحرج بما انها امتنانية وكانت في صدد رفع تكلف الحكم عن المكلف فيما اذا استلزم الضرر او الحرج، ورفع التكلف امتناناً انما يحصل يرفع الالزام ضرورة ان الضرورات تتقدر بقدرها. ورفع الالزام انما هو بمعنى ثبوت الانشاء والطلب في مورده ورفع فعليته فلا يكون التكليف فعلياً بالنسبة الى من تكلف الحكم بالنسبة اليه، فان لزوم الحرج او الضرر من موانع فعلية الحكم مع تمامية ثبوته في مقام الانشاء فضلاً عن الملاك فكما ان من كان فاقداً لشرائط التكليف لا يكون التكليف فعلياً بالنسبة اليه، كذلك من ابتلى بمانع لذلك كالضرر والحرج وان امتنانية ادلة الضرر او الحرج لا معنى لها الا انه لا يكلف فعلياً بما يستلزم الضرر او الحرج من الحكم مع كون الامم السابقة مكلفاً به، وهذا لا يرتبط بمقام الاجزاء وكفاية ما اتى به فصلاً عن اقتضائه عدم المشروعية او كونه مبغوضاً وتشريعاً.
وما مرّ من السيد الحكيم (قدس سره) من اختصاص بعض الشروط بمقام الترك دون مقام الاتيان وان ادلة الحرج او الضرر انما يرفعان التكليف الناشئ من توجه التكليف بالمكلف من قبل الشارع، وهذا التكلف يرفع بنفي الفعلية، ولعله راجع بوجه ما الى ما مرّ من التقريب.
ولكنه قد ظهر ان مقتضى الرفع بدليل الحرج او الضرر لما كان نفي التكليف الناشي من قبل توجه الحكم الى المكلف، وليس معناه الا رفع الفعلية عن الخطاب وبقائه في مقام الشأنية فلا وجه لاستقرار التكليف على ذمته كما افاده السيد الحكيم (قدس سره) لان استقراره يتفرع على تمامية الفعلية للتكليف وعدم اتيانه من قبل المكلف، وفي مفروض البحث ان المكلف لم يترك الا التكليف الغير الواصل الى حد الفعلية بالنسبة اليه، ومعه فلا معنى لاستقرار الحج عليه ولزوم الاتيان به في العام القابل ولو مع انتفاء التمكن المالي فيه.
والسيد الحكيم (قدس سره) وان افاد ذلك اي القول بالاستقرار على ما نقله من يدعي صاحب العروة ولم يلتزم نفسه به وانما التزم بان شرطية عدم الحرج او عدم الضرر تختص بمقام الترك دون الاتيان على ما مرّ تقريبه الا ان بناء على ما افاده صاحب العروة (قدس سره) في المقام من بقاء الملاك والالتزام بالاجزاء مستنداً اليه، لا يرد عليه الاشكال المذكور، وان كان ربما يرد على بعض ما التزم به في فروعات المسألة سابقاً.
.[1] مستمسك العروة والوثقى، ج10، ص184-185.