بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه پنجاه و یکم
ففي كلام المحقق النائيني قدس سره:
«... فظهر انه لا مجال لانكار قيام السيرة العقلائية والطريقة العرفية على الاخذ بالحالة السابقة وعدم الاعتناء بالشك في ارتفاعها ، ولم يردع عنها الشارع .
والآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم لا تصلح لان تكون رادعة عنها ، لما تقدم في حجية الظواهر وخبر الواحد : من أن جميع موارد السيرة العقلائية خارجة عن العمل بما وراء العلم بالتخصص...»[1]
وقد تعرض قدس سره قبل هذا البيان بأن البناء علي المتيقن من المرتكزات في اذهان العقلاء.
وقد افاد قدس سره في بحث الخبر، وفي وجه الاستدلال بالسيرة:
«... ومنه يظهر: ان الآيات الناهية عن العمل بالظن لا تشمل خبر الثقة ، حتى يتوهم أنها تكفى للردع عن الطريقة العقلائية ، لأن العمل بخبر الثقة في طريقة العقلاء ليس من العمل بما وراء العلم ، بل هو من أفراد العمل بالعلم لعدم التفات العقلاء إلى مخالفة الخبر للواقع ، لما قد جرت على ذلك طباعهم واستقرت عليه عادتهم ، فهو خارج عن العمل بالظن موضوعا».
كما انه قدس سره افاد بعد ذلك بين ردع مثل هذه السيرة يلزم ان يكون بقيام دليل خاص عليه، ولا يكفي قيام دليل عام مثل الآيات الناهية عن العمل بغير العلم.
قال قدس سره:
«... فلا تصلح لان تكون الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم رادعة عن العمل بخبر الثقة ، بل الردع عنه يحتاج إلى قيام الدليل عليه بالخصوص ، بل لابد من تشديد النكير على العمل به ، كما شدد النكير على العمل بالقياس ، لاشتراك العمل بالقياس مع العمل بخبر الثقة في كونه مما استقرت عليه طريقة العقلاء وطبعت عليهم جبلتهم».
وأفاد قدس سره في نهاية البحث تاكيداً علي ان العمل بخبر الثقة لا يعد من العمل بالظن:
«والانصاف: ان التأمل طريقة العقلاء يوجب القطع بخروج الاعتماد على خبر الثقة عن الاعتماد بالظن ، فما سلكه الشيخ ( قدس سره ) في وجه عدم كون الآيات الناهية عن العمل بما وراء العلم رادعة عن العمل بخبر الثقة تبعيد للمسافة بلا ملزم ، مع أن ما أفاده لا يخلو عن المناقشة ، فراجع ».[2]
والظاهر ان مراد المحقق النائيني قدس سره بل صريح كلامه قدس سره ان العمل علي وفق الحالة السابقة عند العقلاء انما هو من افراد العمل بالعلم بعين ما افاده في السيرة القائمة علي العمل بخبر الثقة، واكد قدس سره بأنهم لا التفات لهم الي مخالفة الخبر للواقع.
كما انه افاد في المقام بأن البناء علي المتيقن من المرتكزات في اذهان العقلاء كما هو الحال في بنائهم علي اعتبار الظهورات.
وصرح ايضاً ان جميع موارد السير العقلائية خارجة عن العمل بما وراء العلم بالتخصص.
وعليه فبما ان جريهم علي العمل علي وفق الحالة السابقة من باب العمل بالعلم، فلا تشمله عمومات المنع عن العمل بغير العلم او الناهية عن العمل بالظن لخروجه عنها موضوعاً وتخصصاً.
ولعل ما نقله المحقق الاصفهاني قدس سره عن المحقق الحائري قدس سره من ان الظاهر من النهي في العمومات الناهية عن العمل بغير العلم النهي عما هو غير علم عندهم ـ اي عند العقلاء وانه ينطبق مفهوم العلم علي الظن الخبري او الظن الاستصحابي بالنظر العرفي:
راجع الي ما افاده المحقق النائيني قدس سره من خروج مورد السيرة عن شمول الآيات الناهية تخصصاً.
وقد ذهب المحقق الاصفهاني قدس سره الي خروج مورد السيرة في المقام ـ اي في باب الاستصحاب ـ عن عموم الآيات الناهية تخصصاً.
الا انه افاد بأن ما اختاره من وجه الخروج بالتخصص يفترق مع ما سلكه المحقق الحائري قدس سره.
واساس نظره قدس سره حسب تصريحه:
«وما ذكرنا من باب ان النظر في هذه النواهي الي الظن بما هو ظن، وايكال الأمر الي العقل الحاكم بأن الظن بما هو ظن لا يعني من الحق شيئاً.»
وأفاد في مقام بيان اختلاف نظره مع المحقق الحائري قدس سره:
«فنحن ندعي خروج ما استقرت عليه سيرة العقلاء بنحو التخصص وهو يدعي انطباق المأمور باتباعه علي الظن الخبري الذي هو حجة قاطعة للعذر عندهم، وعدم صدق غير العلم من باب صدق نقيضه عليه بالنظر العرفي.»
ومراده قدس سره: ان الظن الخبري وإن ينطبق عليه عنوان الظن واقعاً الا انه بما هو حجة قاطعة للعذر عند العقلاء، فيكون عدم صدق غير العلم عليه ـ الظن الخبري ـ من باب صدق نقيضه عليه بالنظر العرفي، ومراده من صدق نقيض غير العلم، صدق العلم علي الظن الخبري بالنظر العقلائي، وأن العقلاء يرونه علماً.
اذ لا معني لصدق العلم بنظرهم غير انهم يرونه علماً.
وعليه فبما ان نظر المحقق الحائري ان النهي في الآيات الرادعة انما تعلق بما هو غير علم عند العقلاء، والمفروض ان الظن الخبري علم عندهم فيكون خروجه عن عموم الآيات خروجاً موضوعياً نعم، ليس هذا الخروج خروجاً واقعياً، بل خروجاً حسب ارتكازهم وليس ذلك غير معني التخصص.
كما انه ليس نظر المحقق النائيني قدس سره في المقام غير ذلك.
لأنه قدس سره ايضاً صرح بأن العمل بخبر الثقة في طريقة العقلاء ليس من العمل بما وراء العلم، بل هو من افراد العمل بالعلم لعدم التفاتهم الي مخالفة الخبر للواقع، لما جرت علي ذلك طباعهم، واستقرت عليه عادتهم، فهو خارج عن العمل بالظن موضوعاً، وهو قدس سره اعاد الكلام بعينه في باب الاستصحاب، وأفاد بخروج مورد العمل علي وفق الحالة السابقة عن شمول الآيات الناهية تخصصاً.
وبالجملة: لا نري فرقاً بين ما سلكه المحقق النائيني قدس سره وما افاده المحقق الحائري في وجه خروج المورد عن الآيات الناهية.
وأساس نظر المحقق الاصفهاني قدس سره في خروج مورد الاستصحاب عن الآيات الناهية بالتخصص في كلامه:
«... ان لسان النهي عن اتباع الظن وأنه لا يغني من الحق شيئا ليس لسان التعبد بأمر على خلاف الطريقة العقلائية بل من باب إيكال الامر إلى عقل المكلف ، من حيث أن الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه والركون إليه ، فلا نظر إلى ما استقرت عليه سيرة العقلاء - بما هم عقلاء - على اتباعه من حيث كونه خبر الثقة .
ولذا كان الرواة يسألون عن وثاقة الراوي ، للفراغ عن لزوم اتباع روايته بعد فرض وثاقته ، كما أن أخبار ( لا تنقض اليقين ) أيضا كذلك ، - كما سيأتي إن شاء الله تعالى
فان تعليل الحكم بأمر تعبدي لا معنى له ، بل الظاهر تعليله بما هو المرتكز في أذهان العقلاء من التمسك باليقين لوثاقته».[3]
وظاهره ان العمل بالخبر او علي وفق الحالة السابقة في السيرة انما كان لأجل ان العمل بالخبر الثقة موثوق به عندهم، كما ان العمل علي وفق الحالة السابقة عمل بما يوثق به في ارتكازهم.
فليس عملهم من باب صدق العلم علي الظن بالنظر العرفي، بل من جهة ان مورد الوثوق خارج عن العمل بالظن، وأن العمومات الناهية عن العمل بالظن لسانه ايكال الأمر الي عقل المكلف، من ان الظن بما هو ظن لا مسوغ للاعتماد عليه والركون اليه.
وعليه، فإن العقلاء مع توجهم بأن الظن بما هو ظن لا ينبغي الاعتماد عليه والركون عليه، استقرت سيرتهم علي العمل بالخبر والعمل علي وفق الحالة السابقة، بما هو عقلاء.
وبالجملة ان حجة الخبر او حجية الاستصحاب عندهم ليس من باب حجية الظن لينافي عموم الآيات.
وعليه فإن ما افاده الاعلام الثلاثة يرجع الي امر واحد، وهو خروج مورد السيرة عن الآيات الناهية بالتخصص، وان خصّه كل واحد منهم ببيان خاص له.
[1]. الشیخ الانصاری، فرائد الأصول، ج4، ص118.
[2]. الشیخ الانصاری، فرائد الأصول، ج3، ص69 ـ 70.
[3]. الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 3، ص36.