بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و دوم
الفرع الخامس:
قال صاحب العروة (قدس سره):
« وإن اتّفق ارتفاع العذر بعد ذلك فالمشهور أنّه يجب عليه مباشرة و إن كان بعد إتيان النائب،بل ربما يدّعى عدم الخلاف فيه، لكن الأقوى عدم الوجوب لأنّ ظاهر الأخبار أنّ حجّ النائب هو الّذي كان واجباً على المنوب عنه، فإذا أتى به فقد حصل ما كان واجباً عليه، و لا دليل على وجوبه مرّة أُخرى، بل لو قلنا: باستحباب الاستنابة فالظاهر كفاية فعل النائب، بعد كون الظاهر الاستنابة فيما كان عليه، و معه لا وجه لدعوى أنّ المستحبّ لا يجزى عن الواجب، إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحبّ نفس ما كان واجباً، و المفروض في المقام أنّه هو...»[1]
وحاصله:
انه اذا اتفق بعد إتيان النائب الحج إرتفاع العذر، فهل يجب على المنوب عنه الاتيان بما وجب عليه من الحج بعدم كفاية حج النائب عنه، او أنّه يكفي عمل النائب عن الحج الواجب عليه؟
ذهب المشهور الى وجوب إتيان المنوب عنه و عدم كفاية حج النائب عنه و إنْ كان بعد إتيانه.
و افاد صاحب العروة (قدس سره): بل ربما يدعى عدم الخلاف فيه قال المحقق النراقي في المستند:
« من غير خلاف صريح بينهم أجده، بل قيل: كاد أن يكون إجماعا و عن ظاهر التذكرة. أنّه لا خلاف فيه بين علمائنا، »[2]
ثم إنَّ صاحب العروة (قدس سره) ذهب الى عدم وجوب الحج على المنوب عنه في المقام و قرره الاقوى في قبال ما التزم به المشهور من الوجوب.
وافاد في مقام الاستدلال: بأنَّ ما أتى به النائب هو نفس ما كان واجباً على المنوب عنه حسب ما يستظهر من اخبار وجوب الاستنابة. فاذا اتى النائب بالحج، فقد حصل ما كان واجباً عليه، ولا دليل على وجوبه ثانياً.
وصريح أكثر أعلام العصر الالتزام بمقالة المشهور.
قال المحقق النائيني في حاشيته على قوله: «انه يجب عليه مباشرة»:
«وهو الاقوى»[3]
وكذا السيد عبدالهادي الشيرازي
وافاد السيد الاصفهاني: «وهو المتصور»
وافاد السيد البروجردي في ذيل قوله: «لكن الاقوی عدم الوجوب»:
«بل الاقوی هو الوجوب»[4]
وافاد المحقق العراقي (قدس سره):
« في القوّة تأمّل: لأنّ الكلام بعد في تشريع النيابة في مثل هذه الصورة بالنسبة إلى فريضته و مجرّد مشروعيّة الاستنابة في أصل الحجّ و لو الاستحبابي منه غير كافٍ في الإجزاء.
و منه يظهر ما في كلامه في قوله: و لو قلنا باستحباب الاستنابة للحجّ إذ ذلك تمام على ما تقدّم منه سابقاً من إجزاء المندوب عن الواجب بخيال وحدة حقيقتهما و لقد عرفت ما فيه فراجع و حينئذٍ فلا يبقى مجال لما أفاده بعد ذلك أيضاً من لوازم مدّعاه فلك النظر حينئذٍ في مواقع من كلامه .»[5]
وافاد المحقق كاشف الغطاء في ذيل قوله:
لان ظاهر أخبار:
« هذا الظهور ممنوع بل الأظهر أنّه تكليف مستقلّ في ماله و لم يكن الحجّ واجباً على المستنيب لعجزه و بعد ارتفاع العذر وجبت عليه حجّة الإسلام لحصول الاستطاعة و لم يأتِ بها حسب الفرض.
و ليس في شيء من الأخبار ما يشعر بأن ملك الحجّة الّتي استنابها هي حجّة الإسلام أو أنّها مسقطة لها فالقول بالوجوب الّذي لا خلاف فيه ظاهراً هو الأقوى. »[6]
وافاد المحقق الفيروزآبادي في ذيل قوله في تقريب ظاهر الاخبار «ان حج النائب هو الذي كان واجباً...»
« بل هو بدل ما داميّ. »[7]
وافاد في ذيل قوله: «لا دليل على وجوبه مرة اخرى.»
«اطلاق الادلة يكفي.»
وافاد السيد الخوئي (قدس سره) في ذيل قوله: >لكن الاقوى عدم الوجوب<:
«فيه اشكال، والاحوط الوجوب.»[8]
وافاد (قدس سره) في مستند العروة الوثقى:
« الأمر الثالث: إذا استناب مع قيام الطريق إلى عدم التمكن من
إتيانه، كما إذا حصل له اليأس من زوال العذر و اطمأن ببقائه أو استصحب بقائه، و بعد ذلك اتفق ارتفاع العذر و تمكن من مباشرة الحج، فهل يجزي الحج النيابي عن حجه أم لا؟
فيه خلاف.
ذهب المشهور إلى عدم الاجزاء، و قوي بعضهم الاجزاء كالمصنف (رحمه اللّه) بدعوى:
أنّ تكليف هذا الشخص تبدل إلى النيابي و الحج الصادر من النائب هو الحج الذي كان على المنوب عنه، فإذا اتى به النائب فقد حصل ما كان على المنوب عنه، و لا دليل على وجوب إتيانه ثانيا.
بل لو قيل: باستحباب النيابة حينئذ فالظاهر اجزاء فعل النائب عن المنوب عنه، لان ما يأتي به النائب هو بعينه ما وجب على المنوب عنه، و قد اتى النائب بما وجب على المنوب عنه، فلا مجال حينئذ لدعوى ان المستحب لا يجزي عن الواجب.
إذ ذلك فيما إذا لم يكن المستحب نفس ما كان واجبا على المنوب عنه، و المفروض في المقام انه هو. بل يمكن ان يقال: انه إذا ارتفع العذر في أثناء عمل النائب بعد الإحرام يجب عليه الإتمام و يكفي عن المنوب عنه.بل يحتمل ذلك و ان كان في أثناء الطريق قبل الدخول في الإحرام.
أقول:
قد عرفت ان موضوع الحكم بوجوب الاستنابة هو عدم القدرة واقعا، و إما اليأس أو عدم رجاء الزوال فليس مأخوذا فيه، و انما تجب الاستنابة اعتمادا على الأصل و هو استصحاب بقاء العذر، أو اعتمادا على حجة أخرى كالاطمينان ببقاء العذر و اليأس من زواله و التكليف الواقعي لم ينقلب و هو باق على حاله و لم يقيد بسنة خاصة.
و موضوع اجزاء فعل النائب هو عدم قدرة المنوب عنه على المباشرة، و المفروض تمكنه من المباشرة و معه لا مجال للاجزاء، لعدم اجزاء الحكمالظاهري عن الواقعي.
و قوله تعالى: (وللهِ عَلَى الناسِ حِجُّ الْبَيْتِ) ظاهر في لزوم المباشرة على المستطيع، و هذا الشخص داخل في عنوان المستطيع واقعا، و لو في السنة الآتية، و دليل وجوب الاستنابة لا يشمل مثل هذا الشخص واقعا.
فتلخص من جميع ما تقدم:
ان موضوع وجوب الاستنابة هو واقع العذر و لا بد من إحرازه بالطرق العقلائية كالاطمينان أو اليأس من زوال العذر فإنه أيضا طريق عقلائي، و لو انكشف الخلاف بقي الواقع على حاله فهو ممن يطيق الحج و يتمكن من إتيانه غاية الأمر انه لا يعلم بذلك.
و كذا الحال في مورد رجاء الزوال، لاستصحاب بقاء العذر بناء على جريان الاستصحاب في الأمر الاستقبالي، فيستصحب بقاء العجز و عدم تجدد القدرة، إلا ان الحكم حينئذ حكم ظاهري و مقتضى القاعدة عدم الاجزاء عن الواقع و تجب المباشرة على المنوب عنه بعد انكشاف الخلاف.
و ان شئت قلت: ان عدم الطاقة لم يؤخذ في موضوع وجوب الاستنابة فإن عدم الطاقة المذكور في روايات الشيخ الكبير انما هو من باب بيان المورد، و انما المأخوذ في موضوع وجوب الاستنابة هو الحيلولة بينه و بين الحج بالعذر، كما هو المستفاد من صحيح الحلبي و المراد بالحج الذي حال دونه المرض هو طبيعي الحج، و لذا لو علم بارتفاع العذر إلى السنة الآتية لا تجب الاستنابة بلا خلاف.
و لا يمكن إثبات عنوان الحيلولة باستصحاب بقاء العذر إلا على الأصل المثبت، لان عنوان الحيلولة أمر وجودي لا يمكن إثباته باستصحاب بقاء العذر و لا أصل في المقام يحرز به الحيلولة، فمع رجاء الزوال لا تجب الاستنابة لعدم إحراز عنوان الحيلولة.
نعم:
لا بأس بالاستنابة رجاء و إذا انكشف بقاء العذر و عدم زواله يجزي و إلا فلا، فوجوب الاستنابة يختص بصورة اليأس من زوال العذر أو الاطمئنان الشخصي ببقائه أو غير ذلك من الطرق القائمة على بقائه كاخبار الطبيب و نحوه».[9]
[1] . السيد اليزدي، العروة الوثقى، ج4، ص435-457.
[2] . النراقى، مستند الشيعة في أحكام الشريعة، ج11، ص75.
[3] . السيد اليزدي، العروة الوثقي (المحشي) ج4، 436.
[4] . السيد اليزدي، العروة الوثقي (المحشي) ج4، 436.
[9] . السيد الخوئي، معتمد العروة الوثقى، ج1، ص: 249.