بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هفت
واما بالنسبة الى حال الاجارة بعد زوال العذر.
وقد مرَّ أنَّ النيابة هي الاجارة أي إستيجار شخص لاتيانه بافعال الحج على وجهها. وهي عقد لازم اذا انعقد يلزم على طرفي العقد الالتزام بما يترتب عليه، وهذا مما لا اشكال فيه.
ولكن في فرض المسألة أنَّ هذه الاجارة بعد تحققها ابتلت بمحذور و هو انتفاء الموضوع و قد عرفت التمثيل له في كلمات الاعلام بمن استؤجر لقلع الضرس فزال المه بعد تحقق الاجارة بحيث لا يحتاج الى القلع.
كما يمكن التمثيل له بما لو استأجر الدار و بعد تحقق الاجارة انكشف أنَّ الموجر ليس مالكاً لما استاجره ولا وكيلاً عن مالكه.
ثم وقع النكاح على امرأة ثم تبين بعد انعقاد العقد أنَّ الزوجة كانت ممن تحرم نكاحه بالنسبة اليه.
ففي جميع هذه الموارد انما ينعقد العقد وبعد تحققه ظاهراً انما يكشف فقدان الموضوع له، ففي هذه الصورة ينفسخ العقد بانتفاء موضوعه.
وفي المقام إنَّ الاجارة انما تنفسخ بزوال العذر ولكن هذا الانفساخ انما يكون قابلاً للتصوير، فيما اذا لم يأت النائب بافعال الحج، او لم يأت بتمامها وان اتى ببعضها.
وذلك: لان مورد الاجارة في الاستنابة اتيان النائب بافعال الحج على وجهها من قبل المنوب عنه، واذا اتى بافعال الحج بتمامها وفرض عدم زوال العذر الى حينه، فانه لا وجه لانفساخ الاجارة و كفاية ما اتى به عن المنوب عنه و عدم كفايته لا يترتبط بموضوع الاجارة، فان الاجير أتى بما أستؤجر عليه فيستحق اجرته المتشخصه في عقد الاجارة اي اجرة المسمى. وهذا لا كلام فيه.
وانما الكلام فيما اذا اتى النائب ببعض افعال الحج، او ذهب الى الحج ولكن قبل الوصول الى الميقات او بعد وصوله و قبل الاحرام زال العذر الموجب لوجوب الاستنابة.
فان هذا هو موضوع الانفساخ.
فيختص انفساخ الاجارة بانتفاء موضوعه في هذين الصورتين.
واما بالنسبة الى اجرة النائب.
فان زال العذر بعد تمام اعمال الحج، وقد اتى النائب بما استوجر عليه فهو يستحق اجرة المسمى في الاجارة.
وقد مر ان كفاية ما اتي به عن المنوب عنه وعدم كفايته لا ترتبط بما استؤجر عليه، و قلنا انه لو فرض زوال العذر و لكنه لا يتمكن المنوب عنه عن المباشرة للحج في السنة المتأخرة بموته، فانه يكفي عنه ولا يجب القضاء عنه.
واما لو زال العذر قبل تمام الاعمال او قبل الشروع بها فان الاجارة تنفسخ بانتفاء موضوعها، ومع فرض انفساخها فلا يستحق اجرة المسمى. الا ان الموجر ضامن لما صرفه الاجير الى حينه وما يصرفه في إيابه.
هذا كله اذا كان المنوب عنه ابلغه انفساخ الاجارة بانتفاء موضوعه وزوال عذره، قبل تمام الاعمال او قبل الشروع بها.
واما اذا لم يبلغه ذلك او لم يصل اليه ابلاغه فاتم الحج زاعماً بقاء الاجارة كما يقتضيه ظاهر الحال في جميع موارده.
فان في هذه الصورة و ان انفسخت الاجارة واقعاً الا انها باقية ظاهراً بالنسبة الى الاجير.
ولا شبهة في استحقاقه للاجرة الا أنَّ الكلام انما يقع في انه يستحق اجرة المسمى او اجرة المثل.
وذلك: لانه اتى بكل ما استوجر عليه، والمفروض عدم اطلاعه على انفساخ الاجارة بزوال العذر، و انفساخها في الواقع لا يرتبط بما تقتضيه الاجارة من جانبه فيستحق اجرة المسمى.
ومن طرف آخر ان اجرة المسمى انما يقتضيها عقد الاجارة والمفروض انفساخه و عليه فلا يستحق الا اجرة المثل.
وظاهر السيد البروجردي في حاشيته المقتدمة الاول.
وصريح المحقق السبزواري في حاشيته الثاني.
والثاني وان لا يخلو عن قوة الا انه لا يبعد الالتزام بالاول لان الموضوع للاثر العقد في الظاهر، دون ما هو حاله في الواقع وفي الواقع وان انفسخ العقد الا مع عدم ابلاغ النائب ان العقد باق على اقتضائه بمقتضى الاستصحاب كما هو الحال في تصرفات الوكيل بعد عزله من ناحية الموكل و عدم ابلاغ العزل اليه.
نعم إنَّ النائب اذا بلغه انفساخ النيابة في اثناء افعال الحج، فان له ان يتم اعماله، او ان يخرج عن الاحرام حسب ما يبحث في محله.
ولو اتم اعماله فهل يكون ما يصرفه حال اتيانه بقية الافعال من مال المنوب عنه او من ماله؟
لا يبعد القول بكونه من مال المنوب عنه لانه الموجب لاحرامه وبعد تلبسه بالاحرام يلزم الاتيان بباقي الافعال.
الا ان يقال:
انه لا الزام له بالاتيان بباقي الاعمال، بل يمكنه الخروج عن الاحرام و ترك ما بقي من الافعال. و عليه فان الاتيان بالباقي يكون بارادته لا بالالزام الجائي من ناحية الاجارة.
والظاهر انه هو الوجه.
ويظهر منه انه لا يفرق في ذلك بين بلوغه انفساخ الاجارة في حال العمرة او في حال الحج، فانه لو اراد الاتيان بباقي الافعال لكان من ماله.
نعم، مؤونة ايابه على المنوب عنه على ما مرَّ بحثه.
ثم إنَّ صاحب العروة (قدس سره) التزم على ما عرفت بكفاية حج النائب عن المنوب عنه حتى لو زال العذر الموجب لوجوب الاستنابة في اثناء الاعمال.
بل و كذا اذا زال العذر قبل الدخول في الاحرام.
واورد عليه اكثر اعلام محشي كلامه
و هنا بحث و هو انه ما وجه التزام صاحب العروة بذلك مع انه عبر مثل السيد الاصفهاني بانه افراط من القول الظاهر في ان عدم الكفاية في هذين الموردين بخصوصهما واضحة غير قابل للالتزام.
ويمكن ان يقال:
انه قد عرفت في ذيل كلام صاحب العروة:
«ودعوى أنَّ جواز النيابة مادامى كما ترى، بعد كون الاجارة لازمة، لا دليل على انفساخها.
خصوصاً اذا لم يكن ابلاغ النائب الموجر ذلك.»
ولعل الوجه لما افاده احد الامرين:
الاول:
إنَّ البدل عن الحج المباشري عند عروض العذر هو نفس الاستنابة، فاذا استناب غيره حين عدم تمكنه من المباشرة، فانما اتى بالبدل.
ويؤيده قوله (قدس سره): « و دعوى أنّ جواز النيابة ما داميّ كما ترى، بعد كون الاستنابة بأمر الشارع.....»[1]
وبعد تحقق الاستنابه بانعقاد الاجارة فانما اتى بالبدل حسب امر الشارع: فليجهز رجلاً من ماله.
وان زوال العذر بعد ذلك لا يوجب الانحلال بما اتى به من وظيفته حال العذر.
الثاني:
إنَّ حقيقة النيابة انتقال الذمة بمعنى أنَّ المنوب عنه بالاستنابة انما ينتقل ذمته المشغولة بالحج الى الغير و صار الغير بالاجارة والاستنابة ممن تشتمل ذمته بالحج و اما المنوب عنه فانه لا وجه لاشتغال ذمته ثانياً بالحج بعد زوال العذر، بعد حصول الفراغ فيها بالاستنابة و سياتي زيادة توضيح في ذلك انشاء الله.
[1] . اليزدی، العروة الوثقی ج4 ص 438.