بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه شصت و هشت
الفرع السابع من المسألة
قال صاحب العروة:
«... و لا فرق فيما ذكرنا من وجوب الاستنابة بين من عرضه العذر من المرض و غيره و بين من كان معذوراً خلقة، و القول بعدم الوجوب في الثاني و إن قلنا بوجوبه في الأوّل ضعيف »[1].
قال السيد الحکيم فی المستمسک:
« قال في الشرائع:
«و لو كان لا يستمسك خلقة قيل: سقط الفرض عن نفسه و عن ماله، و قيل: تلزمه الاستنابة. و الأول أشبه».
و في المدارك:
«الأصح لزوم الاستنابة. لإطلاق قوله (ع)في صحيح الحلبي: و إن كان موسراً ..»
و عن الحدائق: اختياره. و في الجواهر: اختار العدم، أما على المختار من الندب ففي العارض- فضلًا عنه- فواضح. و أما على الوجوب فالمتجه الاقتصار على المنساق من النصوص المزبورة المخالفة للأصل.
بل صحيح ابن مسلم كالصريح في ذلك.انتهى.
و وجه صراحته: اشتماله على قوله: «فعرض له ..».
لكن صراحته تأبى صحة الاحتجاج به على العموم، و لا تأبى صحة الاحتجاج بغيره عليه لو أمكن.
فالعمدة: ما عرفت من عدم الوجوب على من لم يستقر الحج في ذمته. فراجع. و في المسالك:
وجوب الاستنابة، لعدم العلم بالقائل بالفرق. و إشكاله ظاهر.[2]
و افاد السيد الخوئى (قدس سره):
«... هل يختص وجوب الاستنابة بالعذر الطاري أو يعم العذر الخلقي الأصلي؟ فيه خلاف.
ربما يقال: باختصاصه بالعذر الطاري و سقوط الفرض عن المعذور خلقة بالمرة. و لا نعرف وجها لهذا التفصيل أصلا لإطلاق صحيح الحلبي المتقدم فان عنوان الحيلولة صادق على المعذور خلقة و أصالة.
و كذلك قوله: «من يعذره اللّه فيه»
و كذا: لا فرق بين ما لو عرض العذر قبل الاستطاعة ثم استطاع و ما إذا حصل بعد الاستطاعة لإطلاق صحيح الحلبي..»[3]
و یمکن ان یقال:
ان من کان معذوراً خلقه عن الايتان بالحج مباشرة فان تمام الکلام فی تحقق الاستطاعة بالنسبة اليه.
و ذلک: لان وجوب الاستنابة هو الامر بالبدل عندعدم امکان الاتيان بالحج لمباشری، و هو يتوقف علی وجوب الحج بتحقق الاستطاعة.
و مع القول بدخل صحة البدن فی تحقق الاستطاعة کالزاد و الراحلة و امن الطريق بتخلية السرب، فانه لا تحقق الاستطاعة اساسا فيمن کان معذوراً عن الاتيان بالحج خلقة، و معه فلا وجه للبحث عن وجوب الاستنابة بالنسبة اليه و عدم وجوبها.
و قد مرَّ إنَّ وجوب الاستنابة بمقتضی النصوص انما يثبت فی صورة استقرار الحج فی الذمة و لا معنی لها الا تمکنه من المباشرة فی وقت و عدم الإتيان به حاله. و المعذور خلقة لا يمکن من المباشرة فی وقت حتی استقرار الحج فی ذمته و احتاج حصول برائتها الی الاستنابة.
ومنه يظهر التامل فيما افاده صاحب المدارك بقوله:
« الأصح لزوم الاستنابة، لإطلاق قوله (عليه السلام) في صحيحة الحلبي: «إن كان موسرا... »[4]
وذلك: لما مرَّ من انَّ مفاد قوله: «وان كان موسراً حال بينه وبين الحج عذر» هو الايسار في موضوع الاستطاعة، لا مطلقا، ولذا التزمنا بوجوب الاستنابة بمقتضاه في الحج المستقر، بمقتضی الانصراف او التقييد ولو بما دل على اشتراط صحة البدن وامن الطريق في تحقق الاستطاعة.
كما أنَّ ظاهر صحيحة الحلبي بل صريحها بقوله (ع): «لو ان رجلاً اراد الحج فعرض له مرض او خالطه سقم...»: ان من اراد الاتيان بما فرض عليه من الحج فعرض له مرض ولم يكن واجداً له من قبل. وهو لا يقبل على الانطباق على من كان معذوراً خلقة. كما ظهر التأمل ايضاً فيما افاده السيد الخوئي (قدس سره).
لانه بعد ما لم يتم الاطلاق في صحيحة الحلبي كما عرفت فان عنوان الحيلولة التي هي موضوع لوجوب الاستنابة عنده يكون المراد منه الحيلولة التي تحققت بعد استقرار الحج دون مطلق الحيلولة في اي ظرف واي موضوع من الاستقرار وعدمه.
وكذا ان قوله (ع) امر يعذره الله فيه انما يكون في مقام بيان مانعية العذر المستمر اذا اراد تفريغ الذمة المشغولة بالحج، دون العذر المانع الخلقي عن اصل تحقق الاستطاعة.
هذا ومن العجب عدم تعرض احد من اعلام محشي العروة للاشكال على صاحب العروة في المقام مع انه (قدس سره ) صرح بضعف القول بعدم وجوب الاستنابة، حتى أنَّ مثل السيد الحكيم القائل بعدم الوجوب في كتابه لا حاشية له في المقام. وقد مر التزام مثل المحقق به في الشرايع وكذا صاحب الجواهر (قدس سرهما).
وعندنا ان الالتزام بعدم الوجوب واضح لان وجوب الاستنابة فرع لعدم التمكن بعد تحقق الاستطاعة، ولا موضوع للاستطاعة لمن كان عاجزاً خلقة عن المباشرة.
الفرع الثامن ـ من مسألة71 ـ
قال صاحب العروة (قدس سره):
«... و هل يختصّ (بوجوب النيابة) الحكم بحجّة الإسلام أو يجري في الحجّ النذري و الإفسادي أيضاً؟ قولان، و القدر المتيقّن هو الأوّل بعد كون الحكم على خلاف القاعدة،.»[5]
وقد تذكر السيد الخوئي (قدس سره) في حاشيته على قول صاحب العروة:
(والقدر المتيقن هو الاول) تبعاً للسيد الحكيم في المستمسك:
« يأتي منه (قدّس سرّه) الجزم بعموم الحكم في المسألة الحادية عشرة في الفصل الآتي..»
قال صاحب العروة في المسألة 11 من الفصل الذي عقده في الحج الواجب بالنذر والعمد واليمين:
« (مسألة 11): إذا نذر الحجّ و هو متمكّن منه فاستقرّ عليه ثمّ صار معضوباً لمرض أو نحوه أو مصدوداً بعدوّ أو نحوه فالظاهر وجوب استنابته حال حياته لما مرّ من الأخبار سابقاً في وجوبها.
و دعوى اختصاصها بحجّة الإسلام ممنوعة كما مرّ سابقاً، و إذا مات وجب القضاء عنه و إذا صار معضوباً أو مصدوداً قبل تمكّنه و استقرار الحجّ عليه أو نذر و هو معضوب أو مصدود حال النذر مع فرض تمكّنه من حيث المال ففي وجوب الاستنابة و عدمه حال حياته و وجوب القضاء عنه بعد موته قولان، أقواهما العدم،
و إن قلنا بالوجوب بالنسبة إلى حجّة الإسلام.
إلّا أن يكون قصده من قوله: لله عليَّ أن أحجّ، الاستنابة.»[6]
[2] . الحکيم، المستمسك العروة ج 10 ص 202.
[3] . الخوئی، معتمد العروة الوثقى، ج1، ص: 250
[4]. العاملی، مدارک الاحکام، ج7، ص59.
[5]. السيد اليزدي، العروة الوثقی، ج 4، ص439.
[6]. السيد اليزدي، العروه الوثقی، ج5، ص505.