بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هفتاد و دوم
الفرع الحادی عشر ـ من المسألة72 ـ
قال صاحب العروة:
« و لو استناب مع كون العذر مرجوّ الزوال لم يجز عن حجّة الإسلام فيجب عليه بعد زوال العذر،
و لو استناب مع رجاء الزوال و حصل اليأس بعد عمل النائب فالظاهر الكفاية،
و عن صاحب المدارك عدمها و وجوب الإعادة، لعدم الوجوب مع عدم اليأس فلا يجزي عن الواجب،
و هو كما ترى، »[1]
ونظره (قدس سره) الى:
انه اذا لم يحصل له اليأس من زوال العذر، بل رجى زواله فاستناب فانه لو استمر العذر، يجزي عن حجة الاسلام وليس عليه الاتيان بالحج ثانياً.
وأما لو زال العذر بعد الاستنابة في الفرض، فانه لا يجزي عن حجة الاسلام.
بل انه (قدس سره) افاد بانه لو لم يحصل له اليأس من زوال العذر فاستناب، ثم حصل له اليأس من زواله بعد ما أتى النائب بالحج فالظاهر كفاية ما أتى به عن حجه.
و قد نقل عن صاحب المدارك القول بعدم الإجزاء في مفروض الكلام اي (ما لو أستناب مع رجاء الزوال، وحصل اليأس بعد عمل النائب) مستدلاً بعدم وجوب النيابة مع عدم اليأس.
وأجاب عنه (قدس سره) بقوله: وهو كما ترى.
ولعل نظره في ذلك الى أنّ الجواب واضح بمقتضى ما مرَّ منه فلا يحتاج الى البيان في المقام.
وافاد السيد الحكيم (قدس سره) في مستمسك العروة:
«قد عرفت أن الحكم الواقعي- و هو وجوب الاستنابة، و الاجزاء عن حج الإسلام- تابع لموضوعه الواقعي، و هو استمرار العذر، و أن اليأس طريق اليه.
و كذا الرجاء، بناء على إلحاقه باليأس.
فالحكم بالاجزاء مع أحدهما ظاهري يرتفع بعد انكشاف الخلاف، فاذا زال العذر بعد الاستنابة- و لو مع اليأس- انكشف عدم الوجوب و عدم الاجزاء، فيجب عليه مباشرة حينئذ. و إذا استناب مع رجاء الزوال- بناء على عدم وجوب الاستنابة حينئذ، لعدم طريقية احتمال الاستمرار مع احتمال الزوال- و انكشف استمرار العذر، فقد انكشف ثبوت الوجوب و الاجزاء.
و قد تقدمت دعوى الإجماع على الاجزاء عن الشيخ في الخلاف.
لعدم الوجوب مع عدم اليأس، فلا يجزي عن الواجب. و هو كما ترى. و الظاهر كفاية حج المتبرع عنه في صورة وجوب الاستنابة. و هل يكفي الاستنابة من الميقات، كما هو الأقوى في القضاء عنه بعد موته؟ (3)، وجهان،
و اما ما افاده صاحب المدارک:
قال:
«و لو حصل اليأس بعد الاستنابة وجب عليه الإعادة، لأن ما فعله أولًا لم يكن واجباً، فلا يجزي عن الواجب.
و لو اتفق موته قبل حصول اليأس لم يجب القضاء عنه، لعدم حصول شرطه، الذي هو استقرار الحج أو اليأس من البرء ..».
و افاد السيد الحکيم (قدس سره) بعد نقل کلام صاحب المدارک:
و ظاهره:
أن اليأس شرط في الحكم الواقعي، فمع عدمه ينتفي الحكم، و قد عرفت إشكاله.
و لأجله يظهر الاشكال فيما ذكره أخيراً،
فإنه- بناء على وجوب الاستنابة على المعذور الذي لم يستقر الحج في ذمته قبل العذر- إذا لم يستنب العدم اليأس ثمَّ مات قبل الشفاء، انكشف كونه موضوعاً لوجوب الاستنابة واقعاً و إن لم يقم طريق عليه، فيجب القضاء.
نظير: ما لو كان مالكاً للزاد و الراحلة و كان جاهلًا بذلك، فإنه يجب عليه الأداء بعد ذلك و إن زالت الاستطاعة- و قد تقدم- كما يجب على وليه القضاء لو مات.»[2]
وليعلم أنَّ العمدة في هذا الفرع القول بالإجزاء لمن استناب مع رجاء الزوال ثم حصل له بعد عمل النائب اليأس منه.
وقد افاد صاحب العروة قبل ذلك: انه لو استناب مع كون العذر مرجو الزوال لم يجز عن حجة الاسلام، فيحب عليه بعد زوال العذر والفارق بينهما حصول اليأس بالزوال بعد عمل النائب في الاول وحينئذٍ يلزم ان يكون وجه نظره (قدس سره):
إنَّ وجوب الاستنابة موضوعه عدم التمكن من اتيانه واقعاً واما اليأس عن زوال العذر، او الاطمينان بعدم زواله وامثالهما طريق عقلائي الى عدم التمكن من اتيانه واقعاً.
وعليه، فانه حين رجائه لزوال العذر وان لم يكن واجداً للموضوع ظاهراً، لعدم الياس، او عدم الاطمينان بعدم زواله الا انه في الفرض كان واجداً للموضوع واقعاً، فانه كان غير متمكن من المباشرة واقعاً ولو في المستقيل ولكنه ليس عارفاً به، وحصول اليأس من الزوال بعد عمل النائب انما يكشف عن كونه واجداً للموضوع واقعاً حين الاستنابة، ولو لم يكن عارفاً به فاذا كان واجداً للموضوع واقعاً، فيترتب عليه حكمه في الواقع عليه وهو وجوب الاستنابة.
فهو اقدم على الاستنابة مع توجه وجوبها اليه في فرض عدم علمه بتوجه هذا الحكم نحوه.
ولذلك قد مرَّ في كلام السيد الحكيم (قدس سره) تنظير المقام بما لو كان واجداً للاستطاعة المالية، ولكن لم يعلم بها. فانه هل يجب عليه الحج في ظرفه ـ اي ظرف عدم العلم بها ـ ام لا.
ويترتب عليه انه لو توجه الى حصولها بعد زوال الاستطاعة المذكورة فانه هل يستقر عليه الحج ام لا. وظاهر الاكثر استقرار الحج عليه بذلك. وكل ما يقال هناك يلزم الالتزام به في المقام.
وقد افاد صاحب العروة (قدس سره) في مسألة 25:
« إذا وصل ماله إلى حدّ الاستطاعة لكنّه كان جاهلًا به أو كان غافلًا عن وجوب الحجّ عليه ثمّ تذكّر بعد أنتلف ذلك المال فالظاهر استقرار وجوب الحجّ عليه إذا كان واجداً لسائر الشرائط حين وجوده، و الجهل و الغفلة لا يمنعان عن الاستطاعة، غاية الأمر أنّه معذور في ترك ما وجب عليه، و حينئذٍ فإذا مات قبل التلف أو بعده وجب الاستيجار عنه إن كانت له تركة بمقداره، و كذا إذا نقل ذلك المال إلى غيره بهبة أو صلح ثمّ علم بعد ذلك أنّه كان بقدر الاستطاعة، فلا وجه لما ذكره المحقّق القميّ في أجوبة مسائله من عدم الوجوب، لأنّه لجهله لم يصر مورداً، و بعد النقل و التذكّر ليس عنده ما يكفيه فلم يستقرّ عليه، لأنّ عدم التمكّن من جهة الجهل و الغفلةلا ينافي الوجوب الواقعيّ و القدرة الّتي هي شرط في التكاليف القدرة من حيث هي، و هي موجودة، و العلم شرط في التنجّز لا في أصل التكليف.»[3]
واساس نظره (قدس سره) هناك:
ان مع فرض واجديته للاستطاعة واقعاً، فهو موضوع لوجوب الحج وان مع تحقق الموضوع واقعاً يكون وجوب الحج بالنسبة اليه فعلياً، وتوجه التكليف الفعلي بالحج يوجب استقراره عليه.
و جهله او غفلته لا دخل له الا فی تنجز التکليف بالنسبة اليه، فهو مع جهله و غفلته لا يتنجز التکليف بالنسبة اليه و ان کان فعلياً، و عدم التنجز في التکليف لا يفيد الا في ثبوت العذر عند المخالفة دون عدم توجه التکليف و فعليته، فمع التوجه يلزمه تفريغ ذمته المشغولة بتوجه التکليف الفعلي.
[1]. السيد اليزدي، العروة الوثقی، ج4، ص440.
[2] . السيدالحكيم مستمسك العروة ج10 ص204 و 205
[3] . السيداليزدي، العروة الوثقي، ج4، 386-388.