بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و ششم
وقد استمر الکلام السيد الاستاذ قدس سره:
لما عرفت:
من أن ارتفاع الشئ لعدم مقتضيه وانتهاء أمده لا يعد نقضا . وبما أن الظاهر من قوله : " ولا ينقض اليقين بالشك " كون مورد الاستصحاب هو الشك في البقاء أو الانتقاض ودوران الامر بينهما ، بحيث يكون أحد طرفي الاحتمال هو البقاء والطرف الاخر الانتقاض ، كان مقتضى ذلك اختصاص النص بمورد الشك في البقاء من جهة الشك في الرافع المستلزم للشك في الانتقاض .
إذ مع الشك في البقاء من جهة الشك في قصور المقتضي وانتهاء أمده لا انتقاض قطعا ، بمعنى انه يعلم بعدم الانتقاض ، إما للارتفاع بانتهاء الأمد واما لعدم الارتفاع ، وكلاهما لا يعد انتقاضا ، فلا يكون مشمولا لدليل الاستصحاب .
وبهذا البيان يتضح :
اختصاص النص بمورد الشك في الرافع كما ذهب إليه الشيخ ( رحمه الله ) . وتبعه عليه المحقق النائيني بعد بيان مراد الشيخ بما يقرب مما انتهينا إليه بواسطة هذا البيان ، وسيتضح ذلك انشاء الله تعالى .
ومن ذلك يشكل جريان الاستصحاب في جميع موارد الشك في الموضوع وستعرف هذه الخصوصيات تدريجا .
ومما بيناه يتضح ان ما أفاده صاحب الكفاية - من صدق النقض مطلقا بملاحظة ما اليقين من الاستحكام ، ولذا يقال : " انتقض اليقين باشتعال السراج " إذا انطفأ لانتهاء نفطه - مثلا - ، ولا يلحظ في صدق النقض قابلية الشئ للاستمرار ، ولذا لا يصدق : " نقضت الحجر من مكانه " - . في غير محله .
فإنه مضافا إلى التشكيك في تصور الاستحكام بالنسبة إلى اليقين ، ان النقض لا يصدق بلحاظ الاستحكام جزما ، فإنه لا يصدق النقض على رفع الحجر المثبت في الأرض بنحو مستحكم جدا ، فلا يقال لرفعه انه نقض ، بل النقض - كما عرفت انما يصدق بلحاظ فت الاجزاء المتصلة للمركب اما حقيقة أو مسامحة .
واما دعوى صدق النقض في مثال السراج فقد عرفت ما فيها ، ولم يثبت ركاكة صدق النقض في مثال الحجر إذا كان الملحوظ انتقاض . استمرار»[1]
کونه فی المکان الخاص، لا انتقاض نفس الحجر من مکانه کما هو ظاهر العبارۀ فی المثال.»
ثم ان الشیخ قدس سره عبر عن النقض بان رفع الید وخصه برفع الید عن الامر الثابت علی ما مر فی کلامه. فان المحقق العراقی قدس سره قرر اولاً ما افاده الشیخ قدس سره فی المقام. ثم اورد علیه.
اما تقریره فقال:
« منها ان حقيقة النقض المستعمل في نقض الحبل ومنه قوله سبحانه " كالتي نقضت غزلها " هو رفع الهيئة الاتصالية فيختص متعلقه بما كان له اجزاء مبرمة تأليفا كخيوط الغزل، ولما امتنع إرادة ذلك في المقام يدور الامر بين حمله على رفع اليد عن الامر الثابت لوجود مقتضيه، وحمله على مطلق رفع اليد عن الشئ ولو لعدم مقتضي البقاء فيه في الزمان الثاني.
ولا ريب في أن الأول أقرب إلى المعنى الحقيقي لأنه من جهة اقتضاء البقاء فيه يشبه خيوط الغزل واجزاء الحبل من حيث الاتصال والاستمرار، فالنقض في الحقيقة يكون متعلقا بنفس المتيقن وكان المصحح لاستعارته في المقام هو حيث استمراره وبقائه وان اضافته إلى اليقين لأجل كونه مرآة للمتيقن لا انه بنفسه متعلق للنقص. »[2]
واما ما اورد علیه، فقال:
«... ففیه:
ففيه منع كون العناية المصححة لاطلاق النقض في المقام هي جهة اتصال المتيقن الحاصل من استمراره في عمود الزمان كي يصير صور وجود مقتضى البقاء فيه منشأ لا قربية اعتبار النقض من غيرها فيتعين إرادته عند عدم إمكان إرادة المعنى الحقيقي للنقض.
كيف ومع الغض عن اقتضائه مساوقة مفهوم النقض المستعمل في أمثال المقام مع مفهوم القطع الطاري على الهيئات الاتصالية، يلزمه صحة استعارته في الأمور المبنية على الثبوت والدوام ولو لم تكن ذات أجزأ مبرمة فيلزم صحة إطلاقه في مثل نقضت الحجر من مكانه و صحة صدق نقض القيام والقعود ونحو ذلك من الأمور التي يقطع ببقائه ما لم يرفعه رافع، مع أن ذلك كما ترى.
بل المصحح لاطلاقه في المقام هو ما في نفس اليقين من الابرام والاستحكام الذي لا يزول بالتشكيك نحو الابرام الحاصل في عقود الحبال، فان مثل هذا العنوان منتزع من مرتبة الجزم الراسخ الذي لا يزول بالتشكيك، وبهذه الجهة اختص اليقين من بين مراتب الجزم بخصوصية موجبة لصحة إضافة النقض إليه فيشبه النقض المستعمل في أمثال الغزل والحبل، ولذا لا يضاف النقض إلى غيره من مثل عنوان القطع والعلم و المعرفة فضلا عن الظن والشك.
وما يرى من إطلاقه أحيانا في مورد الشك كما في قوله عليه السلام ولكن ينقض الشك باليقين فإنما هو من باب الازدواج والمشاكلة، لا من باب استحقاق الشك لصحة إضافة النقض إليه.
كما أن نكتة التعبير في أمثال المقام بعنوان اليقين مع كون موضوع الحكم بعدم الانتقاض مطلق الجزم بالشئ انما هو لأجل مناسبة هذا العنوان المبرم مع الحكم بعدم الانتقاض، فكأنه بعد المسامحة في وحدة متعلق الوصفين ادعى بان مطلق العلم في هذا الباب يقين لا يزول بالتشكيك ولا ينقضه الشك، لا ان ذلك من جهة غلبة استعمال اليقين في مورد ترتب آثار الواقع دون العلم والمعرفة كما توهم بخيال ان إطلاق العلم والمعرفة غالبا يكون في مقابل الظن والشك.
بل إن تأملت:
ترى ان ما ذكرناه هو المصحح لاستعارة النقض في غير المقام أيضا، كمورد البيعة والعهد واليمين، وكذا في مثل الصلاة والوضوء كما في الاخبار، حيث كان المصحح لاستعماله فيها اعتبار نحو استحكام فيها يشبه الاستحكام الحاصل في عقود الحبال وخيوط الاغزال، لا ان ذلك من جهة اعتبار هيئة إتصالية امتدادية في متعلقاتها.
[1] . الشهید السید عبدالصاحب الحکیم، منتقی الاصول تقریر البحث السید محمد الروحانی ج6 ص 55-57.
[2]، الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج4، ص75.