بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و یکم
ويمكن ان يقال:
ان بيان المقصود في المقام يبتني علي ذكر مقدمات:
الاولي: ان اليقين صفة نفسانية وحالة تحدث في النفس بمقتضي قيام ما يوجب الجزم، وإذا حصل في النفس فليس وجوده آنياً ودفعياً، لأن لصفات النفس قرار واستقرار الي ان يحدث ما يرفعه، فاليقين مع قطع النظر عن متعلقه له استقرار في النفس، ولا تزول هذه الصفة المستقرة الا بقيام ما يوجب رفعه ونقضه، فالبقاء طبيعي لليقين، كالشجاعة والسخاوة وامثاله.
المقدمۀ الثانية:
ان اليقين كالشك والعلم والحب من الامور ذات الاضافة، ولا يمكن تصوير تحققه بلا طرف وبلا متعلق، كما نبه به السيد الخوئي قدس سره. وعليه فإن اليقين الملحوظ في باب الاستصحاب هو الطريق الي متعلقه ولا موضوعية له، الا ان متعلق اليقين كالعدالة والطهارة وامثالها قابل للادراك فغير اليقين ايضاً كالظن، ولكن الملحوظ في باب الاستصحاب المتعلق الذي يدرك باليقين، اي كان طريق ادراكه اليقين، والمتيقن وهو متعلق اليقين انما يكون ملحوظاً في حالة اليقين دائماً لا يمكن التفليك بين لحاظه ولحاظ اليقين خارجاً.
نعم: يمكن لحاظ اليقين بذاته في صقع النفس ولحاظ ما يترتب عليه بما انه من صفات النفس ولكن في مقام تصويره خارجاً ولحاظه طريقاً لا ينفك عن المتعلق.
المقدمة الثالثة:
ان قوام الاستصحاب ـ علي ما مر بيانه ـ انما يكون باليقين السابق والشك اللاحق، والمراد باليقين السابق، اليقين الفعلي بالوجود السابق. وهذا اليقين يلزم ان يكون فعلياً في حال الشك.
واليقين الفعلي بالوجود السابق، والشك الفعلي بالوجود الفعلي وإن كانا مختلفين بحسب المتعلق، حيث ان متعلق اليقين الفعلي الوجود السابق، ومتعلق الشك الوجود اللاحق، الا ان متعلق الشك هو نفس اليقين في مرحلة البقاء وليس وجوداً اخر مغايراً لليقين السابق.
توضيح ذلك:
انه قد يقال في الاستصحاب كثيراً ان الشك فيه انما تعلق بنفس ما تعلق به اليقين، ويراد منه انه اذا كان متعلق اليقين الطهارة مثلاً فإنه ليس متعلق الشك امراً غير الطهارة، بل نفس الطهارة المتعلقة لليقين في مرحلة البقاء.
وهذا يبتني علي لحاظ اليقين طريقاً للمتيقن وفي مقام لحاظه خارجاً وأما اذا كان الملحوظ نفس اليقين مع قطع النظر عن متعلقه، فهل يمكن هنا تصوير تعلق الشك بنفس ما تعلق به اليقين، بمعني ان متعلق اليقين ومتعلق الشك هل يكونان مغايرين او غير مغايرين.
ويبتني البحث في هذا المقام علي ان اليقين بما انه صفة من صفات النفس لها بقاء واستمرار في النفس بعد حدوثه ما لم يقم ما يزيلها بعد ذلك، كسائر الصفات النفسانية فهل يكون بقائه غير اصل وجوده، او انه يغايره؟
مثلاً: ان من كان علي يقين من عدالة زيد في الزمان السابق اذا سئل عنه هل يكون زيد عادلاً، ولم يعرض له ما يزيل يقينه، فإنما يقول في مقام الجواب انه عادل، ومستند قوله في ذلك يقينه بعدالته سابقاً المفروض بقائها بمقتضي كون اليقين بها من الصفات المستقرة في النفس عند عدم المزيل، ولا يكون المستند في جوابها الوقوف الفعلي بعدالته حالياً.
وهذا ما يعلم منه ان تعدد متعلق اليقين والشك في المقام انما يكون بحسب الذمة العقلية، حيث ان عدالة زيد في حال السؤال لها وجود غير وجودها في السابق حال حصول اليقين بدواً، لأن لصفة اليقين بما هي وجودات تدريجية متوالية من حيث الحصول، فمتعلق اليقين الوجود الاول، ومتعلق الشك احد الوجودات المتأخرة.
ولكن العرف والعقلاء ليس لهم هذه الدقة، فإنهم لو اتفق قيام الصارف لليقين وما يرفعه بعد حصوله لا يرون ذلك ناقضاً لليقين بوجوده التالي دون وجوده البدوي، بل يرون ذلك ناقضاً لما حصل لهم من اليقين من غير دقة في متعلقه بحسب الوجودات المتوالية.
وهذا المعني بعينه جار في مثل نقض البيعة ونقض العهد، فإن لهما بما يكونان التزاماً علي نفسه وجودات متعددة والتزامات متوالية، واذا تحقق ما يوجب نقض العهد او البيعة فإن العرف يرونه نقضاً للعهد وللبيعة ولو كان بعد مضي زمان عن حدوثه ولا يرونه نقصاً علي وجود خاص من الوجودات المتأخرة.
وكذلك الأمر في المعاملة فإنها التزام عقلائي ونقضه ابطاله ولكن العرف لا يري ابطاله بعد زمان نقضاً لها في بعض وجوداتها، بل يرون ذلك نقضاً للمعاملة.
والخصوصية في الاستصحاب ان ما حصل له من اليقين يلزم ان يكون ثابتاً في حصوله، ولم يحصل له العلم بعدم حصوله في بدو حصوله، وأما الشك انما عرض له في مقام بقائه، وبقاء اليقين وإن كان له وجودات اخري متوالية، تعلق الشك ببعضها الا ان العرف لا يري ذلك الا نقضاً لليقين، ولا يري فرقاً بين الوجود الاول والوجودات المتوالية المتأخرة.
وحيث ان الاخبار ناظرة الي العرف وملقاة اليهم وهم يرون النقض في الوجودات المتأخرة المتوالية نقضاً لليقين فإنما استعمل النقض في اليقين واسند اليه، وهو امر معقول تام في نظر العرف.
ولا مانع منه ولا محذور فيه.
ولذا نبهوا في مقام التفريق بين الاستصحاب وقاعدة اليقين ان الشك يلزم ان لا يتعلق بحصول اليقين بدواً في الاستصحاب بخلاف قاعدة اليقين.
اذا عرفت هذه المقدمات.
فقد ظهر لک:
ان النقض فی باب الاستصحاب انما یعقل تعلقه بالیقین فی حد نفسه مع قطع النظر عما لوحظ فیه من الوحدۀ الاستمراریة ـ علی ما افاده السید الاستاذ ـ لأن الیقین صفۀ فی النفس وله استقرار واستمرار فیها کغیره من صفاتها الی ان تزول عن النفس ـ علی ما عرفت فی المقدمۀ الاولی ـ
والمفروض فی الاستصحاب بقاء الیقین بوجوده الاول الحاصل فی النفس المعبر عنه بالیقین السابق، لأن الشک المفروض حصوله لا یتعلق به، بل انه یتعلق بالوجودات التالیۀ له ـ الیقین ـ المعبر عنه بالبقاء، ای بقاء الیقین.
وحینئذٍ یمکن لنا ان نقول: انه حیث ان العرف لا یری تفاوتاً بین وجودات الیقین المتوالیة، بل یری حصوله فی النفس الی ان یزول بزائل، واحتمال الخلاف والتردید والشک لا یکون مزیلاً عندهم لهذا الیقین الحاصل فی النفس، بل یرون الزائل له الیقین او ما یشهبه عندهم ـ کالعلم العرفی ـ بخلاف ما حصل لهم اولاً ولذلک اذا کان متیقناً بالطهارۀ فی السابق، فإن الیقین المذکور باق بطبیعته الی ان یزول بالعلم والیقین بخلافه، ولا یزول بطرو احتمال الخلاف والشک عند العرف.
ولذلک نری انهم یبنون علی حیاۀ زید بعد الیقین بها فی معاملاتهم ومراوداتهم معه من بعید، ولا یعتنون باحتمال موته او الشک فی حیاته، وأن ما یزیل هذا الیقین حصول الیقین بموته ای بخلاف الحیاۀ فیه، ولا ینقضون الیقین بحیاته بالشک.
والقول بأن ما حصل لهم من الیقین هو الوجود الاول منه، وأما الوجودات المتوالیة، فإنه لا یقین بها بعد عروض الشک، انما یتم حسب الدقة العقلیۀ، دون ما عند العرف من المسامحۀ بین الوجود الاول والوجودات المتوالیۀ المذکورۀ.
والاخبار الواردۀ فی باب الاستصحاب انما القیت الی هذا العرف وقد مر فی کلام صاحب الکفایة فی مقام بیان الدلالۀ فی صحیحۀ زرارۀ الاولی ان قوله (ع): فإنه علی یقین من وضوئه، ولا ینقض الیقین بالشک ....
تعلیل بأمر ارتکازی. ونظره هناک الی هذا الارتکاز الجاری عند العقلاء فی الاستصحاب وقد مر تقریبه منا تفصیلاً.
وما افاده قدس سره فی المقام فی تقریب اسناد النقض الی الیقین من متعلق الیقین والشک عن الزمان، وتعبیره بالمسامحۀ فیه انما هو انتاج لما مر منه هناک من التعلیل بأمر ارتکازی.
ولعل مقصوده فی المقام ان فی ارتکاز العقلاء لا تفاوت بین الوجود الاول للیقین الحاصل فی النفس والوجودات المتوالیة، من حیث اسناد النقض الی الیقین، وأن الزمان الموجب لتفرید هذه الموجودات مغلى فی ارتکازهم، بالبیان الذی عرفت.
وهذا امر تام، والمهم فیه ان هذا البیان انما یتم مع قطع النظر عن متعلق الیقین، وأن له قابلیۀ للبقاء او لیس له هذه القابلیۀ، وإن کان الیقین ملحوظاً دائماً طریقیاً فی المقام، ولا یمکن تصویره بلا متعلق فی مقام الاثبات، الا ان المتعلق وکیفیة وجوده من کونه ذا قابلیۀ للبقاء وعدمه لا دخل له فی هذا التقریب.