بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه نود و نهم
وأفاد الشيخ قدس سره في تقريب الاستدلال بالصحيحة:
«والتقريب كما تقدم في الصحيحة الأولى ، وإرادة الجنس من اليقين لعله أظهر هنا .
وأما فقه الحديث :
فبيانه : أن مورد الاستدلال يحتمل وجهين :
أحدهما :
أن يكون مورد السؤال فيه أن رأى بعد الصلاة نجاسة يعلم أنها هي التي خفيت عليه قبل الصلاة ، وحينئذ فالمراد : اليقين بالطهارة قبل ظن الإصابة ، والشك حين إرادة الدخول في الصلاة .
لكن ، عدم نقض ذلك اليقين بذلك الشك إنما يصلح علة لمشروعية الدخول في العبادة المشروطة بالطهارة مع الشك فيها ، وأن الامتناع عن الدخول فيها نقض لآثار تلك الطهارة المتيقنة ، لا لعدم وجوب الإعادة على من تيقن أنه صلى في النجاسة - كما صرح به السيد الشارح للوافية - إذ الإعادة ليست نقضا لأثر الطهارة المتيقنة بالشك ، بل هو نقض باليقين ، بناء على أن من آثار حصول اليقين بنجاسة الثوب حين الصلاة ولو بعدها وجوب إعادتها.
وربما يتخيل : حسن التعليل لعدم الإعادة ، بملاحظة اقتضاء امتثال الأمر الظاهري للإجزاء ، فيكون الصحيحة من حيث تعليلها دليلا على تلك القاعدة وكاشفة عنها .
وفيه :
أن ظاهر قوله : " فليس ينبغي " ، يعني ليس ينبغي لك الإعادة لكونه نقضا ، كما أن ظاهر قوله ( عليه السلام ) في الصحيحة الأولى : " لا ينقض اليقين بالشك أبدا " ، عدم إيجاب إعادة الوضوء ، فافهم ، فإنه لا يخلو عن دقة .
ودعوى :
أن من آثار الطهارة السابقة إجزاء الصلاة معها وعدم وجوب الإعادة لها ، فوجوب الإعادة نقض لآثار الطهارة السابقة .
مدفوعة :
بأن الصحة الواقعية وعدم الإعادة للصلاة مع الطهارة المتحققة سابقا ، من الآثار العقلية الغير المجعولة للطهارة المتحققة ، لعدم معقولية عدم الإجزاء فيها .
مع أنه يوجب الفرق بين وقوع تمام الصلاة مع النجاسة فلا يعيد وبين وقوع بعضها معها فيعيد ، كما هو ظاهر قوله ( عليه السلام ) بعد ذلك :
" وتعيد إذا شككت في موضع منه ثم رأيته " .
إلا أن يحمل هذه الفقرة - كما استظهره شارح الوافية - على ما لو علم الإصابة وشك في موضعها ولم يغسلها نسيانا .
وهو مخالف لظاهر الكلام وظاهر قوله ( عليه السلام ) بعد ذلك : " وإن لم تشك ثم رأيته . . . الخ " .
والثاني :
أن يكون مورد السؤال رؤية النجاسة بعد الصلاة مع احتمال وقوعها بعدها ، فالمراد : أنه ليس ينبغي أن تنقض يقين الطهارة بمجرد احتمال وجود النجاسة حال الصلاة .
وهذا الوجه سالم عما يرد على الأول ، إلا أنه خلاف ظاهر السؤال .
نعم :
مورد قوله ( عليه السلام ) أخيرا : " فليس ينبغي لك . . . الخ " هو الشك في وقوعه أول الصلاة أو حين الرؤية ، ويكون المراد من قطع الصلاة الاشتغال عنها بغسل الثوب مع عدم تخلل المنافي ، لا إبطالها ثم البناء عليها الذي هو خلاف الإجماع .
لكن تفريع عدم نقض اليقين على احتمال تأخر الوقوع يأبى عن حمل اللام على الجنس ، فافهم )).[1]
وأفاد السيد الخوئي قدس سره:
«... ذكر الشيخ في وجه تطبيق التعليل في الصحيحة علي المورد، انه مبني علي دلالة الأمر الظاهري علي الاجزاء، فعدم وجوب الاعادة للاجزاء المستفاد من الأمر الظاهري وهو حرمة نقض اليقين بالشك المعبر عنها بالاستصحاب.
وأورد عليه في الكفاية:
بأن التعليل في الصحيحة انما هو بوجود الأمر الظاهري لا بدلالته علي الاجزاء.
اللهم الا ان يقال:
ان دلالته علي الاجزاء كان مفروغاً عنه بين الامام (ع) والراوي، فعلل(ع) عدم وجوب الاعادة بوجود الأمر الظاهري.
بل التعليل مبني علي ان الشرط هو احراز الطهارة ولو بالاصل، لا خصوص الطهارة الواقعية.
وقال المحقق النائيني قدس سره:
يصح تطبيق التعليل علي المورد بكل من الوجهين ـ اي الاجزاء وكون الشرط هو الاعم من الطهارة الواقعية والظاهرية.
اقول:
كل ذلك لا يخلو عن الاشكال، لأن معني دلالة الأمر الظاهري علي الاجزاء، هو كون الشرط اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، والاختلاف بينهما في مجرد التعبير.
وذلك:
لأن الاتيان بالمأمور به بالأمر الظاهري مقتضي للاجزاء عن الأمر مادام الشك موجوداً بلا اشكال، وأما بعد زوال الشك وكشف الخلاف فلا معني للاجزاء عن الأمر الظاهري، لأن الامر الظاهري حينئذٍ منتف بانتفاء موضوعه وهو الشك، فليس هنا امر ظاهري حتي نقول بالاجزاء عنه او بعدمه.
فإن قلنا بالاجزاء عن الأمر الواقعي، فمعناه كون الشرط اعم من الطهارة الواقعية والظاهرية، لأنه لو كان الشرط هو الواقعي فقط، لا يعقل الاجزاء عنه بشئ آخر.
فمن صلي الي جهة لقيام البينة علي انها هي القبلة، ثم انكشف بعد الصلاة كون القبلة جهة اخري، فمعني اجزاء هذه الصلاة ـ التي اتي بها الي غير جهة القبلة عن الصلاة الي جهة القبلة ـ كون الشرط هو الاعم من القبلة الواقعية والظاهرية الثابتة بالبينة.
لأنه لا معني للقول بأن الشرط هو القبلة الواقعية وتجزي عنه جهة اخري.
فظهر:
ان اشكال صاحب الكفاية علي الشيخ ره والعدول عن الجواب بالاجزاء الي الجواب بكون الشرط هو الاعم ليس علي ما ينبغي.
وكذا ظهر: عدم صحة ما ذكره المحقق النائيني قدس سره من ان التعليل يصح علي كلا الوجهين، فإنه ليس هنا الا وجه واحد ذو تعبيرين.