بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه نـود و هشت
فأفاد الشیخ (قدس سره) فی ذیل المسئلۀ الثانیة:
«ونظير الاستدلال بهذا ـ ان الزیادۀ تعبیر لهیئۀ العبادۀ الموظفۀ فی الصلوۀ فتکون مبطلۀ ـ للبطلان في الضعف: الاستدلال للصحة باستصحابها، بناء على أن العبادة قبل هذه الزيادة كانت صحيحة، والأصل بقاؤها وعدم عروض البطلان لها.
وفيه: أن المستصحب إن كان صحة مجموع الصلاة فلم يتحقق بعد.
وإن كان صحة الأجزاء السابقة منها فهي غير مجدية، لأن صحة تلك الأجزاء: إما عبارة عن مطابقتها للأمر المتعلق بها، وإما ترتب الأثر عليها.
والمراد بالأثر المترتب عليها: حصول المركب بها منضمة مع باقي الأجزاء والشرائط، إذ ليس أثر الجزء المنوط به صحته إلا حصول الكل به منضما إلى تمام غيره مما يعتبر في الكل.
ولا يخفى: أن الصحة بكلا المعنيين باقية للأجزاء السابقة، لأنها بعد وقوعها مطابقة للأمر بها لا تنقلب عما وقعت عليه، وهي بعد على وجه لو انضم إليها تمام ما يعتبر في الكل حصل الكل، فعدم حصول الكل لعدم انضمام تمام ما يعتبر في الكل إلى تلك الأجزاء، لا يخل بصحتها.
ألا ترى: أن صحة الخل من حيث كونه جزءا للسكنجبين، لا يراد بها إلا كونه على صفة لو انضم إليه تمام ما يعتبر في تحقق السكنجبين لحصل الكل، فلو لم ينضم إليه تمام ما يعتبر فلم يحصل - لذلك - الكل، لم يقدح ذلك في اتصاف الخل بالصحة في مرتبة جزئيته.
فإذا كان عدم حصول الكل يقينا لعدم حصول تمام ما يعتبر في الكل، غير قادح في صحة الجزء، فكيف إذا شك في حصول الكل من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر، كما فيما نحن فيه؟ فإن الشك في صحة الصلاة بعد تحقق الزيادة المذكورة، من جهة الشك في انضمام تمام ما يعتبر إلى الأجزاء، لعدم كون عدم الزيادة شرطا، وعدم انضمامه، لكون عدم الزيادة أحد الشرائط المعتبرة، ولم يتحقق، فلا يتحقق الكل.
ومن المعلوم: أن هذا الشك لا ينافي القطع بصحة الأجزاء السابقة، فاستصحاب صحة تلك الأجزاء غير محتاج إليه، لأنا نقطع ببقاء صحتها، لكنه لا يجدي في صحة الصلاة بمعنى استجماعها لما عداها من الأجزاء والشرائط الباقية.
فإن قلت:
فعلى ما ذكرت فلا يعرض البطلان للأجزاء السابقة أبدا، بل هي باقية على الصحة بالمعنى المذكور إلى أبد الدهر وإن وقع بعدها ما وقع من الموانع، مع أن من الشائع في النصوص والفتاوى إطلاق المبطل والناقض على مثل الحدث وغيره من قواطع الصلاة.
قلت:
نعم، ولا ضير في التزام ذلك، ومعنى بطلانها عدم الاعتداد بها في حصول الكل، لعدم التمكن من ضم تمام الباقي إليها، فيجب استئناف الصلاة، امتثالا للأمر.
نعم، إن حكم الشارع على بعض الأشياء بكونه قاطعا للصلاة أو ناقضا، يكشف عن أن لأجزاء الصلاة في نظر الشارع هيئة إتصالية ترتفع ببعض الأشياء دون بعض، فإن الحدث يقطع ذلك الاتصال والتجشؤ لا يقطعه، والقطع يوجب الانفصال القائم بالمنفصلين، وهما في ما نحن فيه الأجزاء السابقة والأجزاء التي تلحقها بعد تخلل ذلك القاطع، فكل من السابق واللاحق يسقط عن قابلية ضمه إلى الآخر وضم الآخر إليه.
ومن المعلوم: أن الأجزاء السابقة كانت قابلة للضم إليها وصيرورتها أجزاء فعلية للمركب، والأصل بقاء تلك القابلية وتلك الهيئة الاتصالية بينها وبين ما يلحقها، فيصح الاستصحاب في كل ما شك في قاطعية الموجود.
ولكن هذا مختص بما إذا شك في القاطعية، وليس مطلق الشك في مانعية الشئ - كالزيادة في ما نحن فيه - شكا في القاطعية.
وحاصل الفرق بينهما:
أن عدم الشئ في جميع آنات الصلاة قد يكون بنفسه من جملة الشروط، فإذا وجد آنا ما فقد انتفى الشرط على وجه لا يمكن تداركه، فلا يتحقق المركب من هذه الجهة، وهذا لا يجدي فيه القطع بصحة الأجزاء السابقة، فضلا عن استصحابها.
وقد يكون اعتباره من حيث كون وجوده قاطعا ورافعا للهيئة الاتصالية والارتباطية في نظر الشارع بين الأجزاء، فإذا شك في رافعية شئ لها حكم ببقاء تلك الهيئة واستمرارها وعدم انفصال الأجزاء السابقة عما يلحقها من سائر الأجزاء.
وربما يرد استصحاب الصحة، ـ والمراد هو صاحب الفصول ـ
بأنه: إن أريد صحة الأجزاء المأتي بها بعد طرو المانع الاحتمالي فغير مجد، لأن البراءة إنما تتحقق بفعل الكل دون البعض.
وإن أريد إثبات عدم مانعية الطارئ أو صحة بقية الأجزاء فساقط، لعدم التعويل على الأصول المثبتة، انتهى.
وفيه نظر يظهر مما ذكرنا، وحاصله:
أن الشك إن كان في مانعية شئ وشرطية عدمه للصلاة، فصحة الأجزاء السابقة لا تستلزم عدمها ظاهرا ولا واقعا، حتى يكون الاستصحاب بالنسبة إليها من الأصول المثبتة. وإن كان في قاطعية الشئ ورفعه للاتصال والاستمرار الموجود للعبادة في نظر الشارع، فاستصحاب بقاء الاتصال كاف، إذ لا يقصد في المقام سوى بقاء تلك الهيئة الاتصالية، والشك إنما هو فيه، لا في ثبوت شرط أو مانع آخر حتى يقصد بالاستصحاب دفعه، ولا في صحة بقية الأجزاء من غير جهة زوال الهيئة الاتصالية بينها وبين الأجزاء السابقة، والمفروض إحراز عدم زوالها بالاستصحاب.
هذا، ولكن يمكن الخدشة فيما اخترناه من الاستصحاب: بأن المراد بالاتصال والهيئة الاتصالية إن كان ما بين الأجزاء السابقة بعضها مع بعض، فهو باق لا ينفع.
وإن كان ما بينها وبين ما لحقها من الأجزاء الآتية،فالشك في وجودها لا بقائها.
وأما أصالة بقاء الأجزاء السابقة على قابلية إلحاق الباقي بها، فلا يبعد كونها من الأصول المثبتة.
اللهم إلا أن يقال: إن استصحاب الهيئة الاتصالية من الاستصحابات العرفية الغير المبنية على التدقيق، نظير استصحاب الكرية في الماء المسبوق بالكرية.
ويقال في بقاء الأجزاء السابقة على قابلية الاتصال: إنه لما كان المقصود الأصلي من القطع وعدمه هو لزوم استئناف الأجزاء السابقة وعدمه، وكان الحكم بقابليتها لإلحاق الباقي بها في قوة الحكم بعدم وجوب استئنافها، خرج من الأصول المثبتة التي ذكر في محله عدم الاعتداد بها في الإثبات، فافهم.
وبما ذكرنا يظهر:
سر ما أشرنا إليه في المسألة السابقة: من عدم الجدوى في استصحاب الصحة لإثبات صحة العبادة المنسي فيها بعض الأجزاء عند الشك في جزئية المنسي حال النسيان.»[1]
[1] . الشيخ الانصاري، فرائد الاصول، ج2، ص372-376.