بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد و نه
هذا وافاد السيد الخوئی (قدس سره)
« ذهب أكثر القدماء إلى اعتبار الرجوع إلى الكفاية خلافاً لجماعة آخرين والصحيح هو الأوّل لأدلة نفي الحرج، فإنّ من يرجع إلى بلاده ولم يجد ما يصرفه على نفسه أو عياله ولم يكن قادراً على التكسب اللائق بحاله من التجارة والصناعة ونحو ذلك مما يعيش به حسب وجاهته واعتباره يقع في الحرج والمشقة، وذلك منفي في الشريعة، ولذا لا نعتبر ذلك في الحجّ البذلي لعدم صرف مال المبذول له في الحجّ ويكون حاله بعد الحجّ كحاله قبل الحجّ .
نعم، لو وقع في الحرج من جهات أُخرى كما لو فرضنا أنّ الشخص كسوب في خصوص أشهر الحجّ، ولو ذهب إلى الحجّ لا يتمكن من الكسب ويتعطل أمر معاشه في طول السنة يسقط الوجوب بالبذل أيضاً .
وكيف كان، العبرة بحصول الحرج بعد الرجوع سواء كان الحجّ مالياً أو بذلياً .
وأما إذا لم يقع في الحرج كالكسوب الذي يرجع ويشتغل بكسبه العادي أو ينفق عليه من كان ينفق عليه قبل الحجّ ــ كبعض الطلبة والسادة الذين يعيشون بالرواتب المعيّنة من قبل المراجع والعلماء (حفظهم الله) ــ فلا يسقط عنهم الوجوب، فمن حصل منهم على مؤونة الذهاب والإياب ومؤونة عياله إلى زمان الرجوع يجب عليه الحجّ فإنّ حاله قبل الحجّ وبعده سواء. والعمدة هو حصول الحرج وعدمه .
أمّا الروايات فكلّها ضعيفة .
منها: خبر أبي الربيع الشامي المتقدم على ما رواه المفيد في المقنعة بزيادة قوله: «ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفِّه، لقد هلك إذا.ً»
ومنها: ما رواه في الخصال بإسناده عن الأعمش: «وأنّ للإنسان ما يخلفه على عياله وما يرجع إليه بعد حجّه»، وفي سندها عدّة من المجاهيل .
ومنها: مرسلة الطبرسي: «والرجوع إلى كفـاية إمّا من مال أو ضياع أو حرفة» وضعفها بالإرسال.»[1]
واساس ما افاده:
انه اورد على ما استدل به من النصوص في المقام وصرح بان الدليل على اعتبار الرجوع الى الكفاية ادلة الحرج.
والنکتة في کلامه هو انه افاد بانا لا نعتبر الرجوع الى الكفاية في الحج البذلي لعدم صرف مال المبذول له في الحج ويکون حاله بعد الحج کحاله قبل الحج.
وان کان استثنى من ذلک ما لو استلزم من جحه وقوعه في الحرج مثل ما لو کان کسوباً فی خصوص أشهر الحج.
وافاد سيدنا الاستاذ (قدس سره):
«لا يخفى أن هذا الشرط مما تقتضيه القاعدة الأولية من دون احتياج الى نص خاص، لأن الحج إذا كان مستلزما للرجوع لا الى كفاية كان مستلزما للمشقة و الحرج، فلا يكون المكلف بذلك مستطيعا عرفا.
فلا فائدة في البحث في ذلك من جهة النص الخاص إلا بلحاظ ما يتوهم ترتبه لو كان اعتباره مفاد دليل خاص في مسألة ما إذا كان عليه دين مؤجل لا يطالب به فعلا. فقد عرفت أن المحقق النائيني يرى مانعيته من وجوب الحج لأنّ صرف المال فيه يستلزم عدم الرجوع الي كفاية و هو شرط، بخلاف ما إذا كان اعتباره من جهة الاستطاعة فإن المكلّف مستطيع فعلا و لا يقع بعد الحج في الحرج لعدم جواز المطالبة مع الاعسار. و نفس ثبوت الدين في الذمة لا يستلزم العسر و الحرج. و لكنك عرفت عدم مانعية ذلك من الاستطاعة و لو كان معتبرا بدليل خاص، فراجع ما تقدّم تعرف.
و على كل حال، فيدل على اعتباره بعنوانه رواية الخصال و لكن عرفت ضعف سندها. و رواية ابي الربيع الشامي برواية المفيد (قدّس سرّه) لها فى «المقنعة» حيث ورد فيها بعد قوله: «و يستغني به عن الناس»، «يجب عليه أن يحج بذلك ثمّ يرجع فيسأل الناس بكفه لقد هلك إذا» و ورد فيه «يقوت به نفسه و عياله».
فإن قوله عليه السّلام: «ثمّ يرجع فيسأل...» ظاهر في اعتبار الرجوع الى كفاية.
و هكذا قوله: «يقوت به نفسه» فإنه لا بدّ ان يراد به ما بعد الرجوع لا حال الحج، إذ هذا معلوم الاعتبار لدى الناس و لا يحتاج الى التنبيه، كما هو ظاهر الكلام لظهوره في الإنكار على فهم الناس للرواية و التنبيه على خطئهم.
و لو فرضنا أننا استطعنا اثبات رواية المفيد بأصالة عدم الزيادة و إثبات صحة سند الرواية لما افادتنا شيئا زائدا على ما هو مقتضى القاعدة، لأنها كما عرفت مسوقة لبيان المعنى العرفي للآية لا لبيان المعنى تعبدا، فهي لا تدلّ على اكثر مما تفيده الآية و قد عرفته.
كما أنه قد يستدل عليه بما ورد من تفسير الاستطاعة باليسار في المال الظاهر في الغنى و حسن الحال، فلا يصدق على من لا يرجع الى كفاية.
و يرده أن المقصود به هو الزاد و الراحلة لتفسير الاستطاعة به فيحمل ذلك عليه. فالتفت.»[2]
والمهم فيما افاده (قدس سره):
اولاً:
ان اعتبار الرجوع الى الكفاية انما يکون على مقتضى القاعدة ومراده (قدس سره) ان الحج مشروط وجوبه بالاستطاعة والمراد بها الاستطاعة العرفية، وهي لا تحقق الا بالرجوع الى کفاية.
وعليه فان الروايات الواردة في المقام مع فرض تماميتها سنداً ودلالة ليست مسوقة لبيان اعتبار الرجوع الى کفاية تعبداً، بل مسوقة لبيان المعنى العرفي للآية.
وهذا نکتة هامة يلزم الدقة فيها.
وعليه فلا وجه للاستدلال بإدلة نفي الحرج لاعتباره، لان هذه الادلة انما تمنع عن الوجوب في مقام المانع، ومع فرض عدم الاقتضاء للوجوب من أصله عند عدم الرجوع الى کفاية لکان اعتباره من ناحية المقتضي. وهو متقدم رتبة على مقام المانع.
[1] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص206-207.
.[2] السيد محمد الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الحج؛ ج1، ص 137-138.