بسم الله الرحمن الرحیم
جلسه هشتاد و یک
هذا، وقد عرفت الی هنا ان جمیع الوجوه الخمسۀ السابقۀ من الاعلام انما وردت بناءً علی ما ذهب الیه الشیخ (قدس سره) من عدم امکان تکلیف الناسی وکانت کلها ناظراً الی مذهبه.
وافاد المحقق العراقی (قدس سره):
«الظاهر عدم ابتناء هذا الاشکال ـ وهو محذور تعلق التکلیف بالناسی ـ بصورة اخذ النسيان في موضوع الخطاب عنوانا للمكلف، بل الاشكال يتأتى حتى في صورة اخذ عنوانه قيدا للتكليف أو للمكلف به ولو كان الخطاب بعنوان عام شامل للمتذكر والناسي كعنوان المكلفين أو المؤمنين كقوله يا أيها الذين امنوا يجب عليكم الصلاة بدون السورة ان نسيتم السورة فيها، أو ان الصلاة المنسى فيها السورة واجبة بدونها.
فإنه بعد أن كان الالتفات مر والتكليف مما لابد منه في الانبعاث عن التكليف لا يكاد يفرق في امتناع توجيه البعث والتكليف الفعلي إلى الناسي بما عدى الجزء المنسى بين اخذ النسيان عنوانا للمكلف في موضوع الخطاب، وبين اخذه قيدا للتكليف أو للمكلف به.
فلا وجه حينئذ لتخصيص الاشكال بصورة اخذه عنوانا للمكلف كما هو ظاهر هذا.
ولكن يمكن التفصي عن الاشكال:
بأنه من الممكن ان يكون المكلف به في حق كل من الذاكر والناسي هي الطبيعة الجامعة بين الزائد والناقص التي يتصورها القائل بالصحيح في مقام اخذ الجامع بين المصاديق المختلفة، وان دخل النسيان انما هو في خصوصية الفرد المتقوم بها فردية صلاة الناسي للطبيعة المأمور بها على نحو يكون الاختلاف بين الذاكر والناسي من جهة المصداق محضا من حيث إن المتمشي من كل طائفة حسب طرو الحالات المختلفة مصداق خاص غير ما يتمشى من الاخر، لا في أصل المأمور به.
فإنه على هذا البيان:
لا محذور ثبوتا في تكليف الناسي بما عدى الجزء المنسى ضرورة امكان التفات الناسي حينئذ إلى الطبيعة المأمور بها وانبعاثه كالذاكر عن الامر المتعلق بالطبيعة المأمور بها.
غايته: انه من جهة غفلته عن نسيانه يعتقد بان المصداق المتمشي من قبله هو المصداق المتمشى من الذاكر ولكنه بعد خروج المصاديق عن حيز الامر والتكليف لا يضر مثل هذه الغفلة والخطأ في التطبيق في عالم المصداق بمقام انبعاثه عن الامر والتكليف، فتمام الاشكال حينئذ مبنى على اختصاص الناسي حال نسيانه بتكليف خاص مغاير لتكليفه في حال ذكره، والا فعلى ما بيناه لا وقع أصلا للاشكال المزبور.
مع أنه على فرض تعلق التكليف بالمصداق واختلافه بحسب الحالتين. نقول:
انه بعد أن كانت المغايرة المتصورة بين التكليفين من جهة الحدود محضا لا بحسب ذات التكليف بان كان التكليف المتوجه إلى الناسي حال نسيانه بعينه هو التكليف المتوجه إليه حال ذكره غير أنه في حال النسيان يكون بحد لا يشمل الجزء المنسي، فلا قصور في داعوية ذات التكليف المحفوظة بين الحدين.
إذ لا غفلة حينئذ بالنسبة إلى ذات التكليف التي عليها مدار الدعوة والإطاعة عقلا، وانما الغفلة تكون بالنسبة إلى حيث حده من حيث تخليه لنسيانه كونه إلى حد يشمل الجزء المنسى، مع عدم كونه في الواقع كذلك وبعد عدم دخل داعوية خصوصية الحد بنظر العقل في غرض الامر لا يكاد يضر مثل هذه الغفلة بمقام انبعاثه عن ذات التكليف كما هو ظاهر.
نعم، لو فرض انه كان لخصوصية الحد أيضا دخل في الداعوية في غرض الآمر أو المأمور، أو كانت المغايرة المتصورة بين التكليفين في حالتي الذكر والنسيان بحسب ذات التكليف وحيث وجوده بحيث يكون هناك وجودان من التكليف أحدهما أوسع بحسب المتعلق من الاخر. يتجه الاشكال المزبور من جهة الغفلة المانعة عن الدعوة والانبعاث.
ولا يندفع ذلك:
حينئذ بما توهم من امكان داعوية الامر الشخصي حينئذ من باب الخطأ في التطبيق بدعوى:
ان الناسي للجزء يكون قاصدا لامتثال شخص الامر المتوجه إليه بالعنوان الذي يعتقد كونه واجدا له، حيث إنه لغفلته عن نسيانه يرى نفسه ذاكرا، فيتخيل بذلك ان امره الباعث له على الاتيان بما عدى المنسي هو امر الذاكر وفى الواقع يكون غيره.
إذ يرد عليه:
ان ذلك انما يثمر في دفع الاشكال إذا كان الانبعاث والدعوة من لوازم الامر والتكليف بوجوده الواقعي، والا فعلى ما هو الواضح من كونه من لوازم وجوده العلمي بحيث يكون العلم به تمام الموضوع لذلك فلا يثمر حيث الخطأ في التطبيق المزبور في دفع الاشكال.
فإنه مع الغفلة عن نسيانه وعدم التفاته إلى ما يخصه من الامر ولو اجمالا، لا يكون الداعي والباعث له على الاتيان بما عدى المنسي الا ما تخيله من الامر الزعمي دون الامر الواقعي لاستحالة باعثية امره حينئذ مع الغفلة عن نسيانه. فيبقى الاشكال المزبور في صحة توجيه الامر إلى الناسي بالحالي عن الجزء المنسي من جهة محذور اللغوية والاستهجان على حاله.