بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه هشتاد
الوجه الثانی:
ما مر من صاحب الکفایۀ (قدس سره) فی حاشیته علی الرسائل، وتقریره علی ما افاده المحقق الاصفهانی (قدس سره) بقوله: ثالثها:
« الالتزام بعدم تكليف الناسي ولو بما عدا المنسى واقعا مع كون اتيان ما عدا المنسى ذا مصلحة ملزمة في حقه لئلا يلزم خلاف الاجماع والضرورة.
وانما لم يؤمر بما عدا المنسى لان الانشاء بداعي جعل الداعي ليس إلا لبعث المكلف وحمله على المطلوب منه واقعا، وحيث إن الغافل غافل عن غفلته فيرى توجه التكليف إليه لاعتقاده أن ما التفت إليه من الاجزاء هو تمام المطلوب منه، فمع وجود ما يحركه بحسب اعتقاده لا مجال لتحريكه نحو ما عدا المنسى، وحيث إن الفعل ذا مصلحة ملزمة في حقه ومحبوب منه واقعا فيصدر الفعل منه قريبا.
ولا بد في هذا الوجه أيضا من تقييد الامر بالتمام بالملتفت، وإلا لو كان بعنوان المكلف لعم الناسي واقعا فيجب عليه التمام بعد زوال غفلته، غاية الامر أن الناسي يرى نفسه ملتفتا إلى التمام كسائر المكلفين لغفلته عن غفلته...»
ثم انه (قدس سره) اجاب عنه بقوله:
« ولم يتعرض شيخنا العلامة الأستاذ - قده - لهذا الجواب في الكتاب مع تعرضه له أيضا في تعليقته الأنيقة على رسالة البراءة.
ولعله:
لأجل أن ما اعتقده من الامر وتحرك على طبقه لم يكن في حقه فلا إطاعة حقيقة للامر، حيث لا أمر، وأما محبوبيته واقعا فكفى بها مقربه له، لكنه ما أتى بالفعل بداعي محبوبيته فما يصلح للدعوة المقربة ما دعاه وما دعاه لا واقعية له حتى يضاف الفعل إلى المولى بسبب الداعي من قبله.
والامر وإن كان بوجوده العلمي داعيا وهو غير متقوم بوجوده العيني لكنا قد بينا سابقا أن كون الفعل إطاعة لأمر المولى حقيقة بوجوده الواقعي باعتبار أن الامر بوجوده العلمي صورة شخصه، فينسب إلى الصورة بالذات وإلى مطابقها بالعرض، وإذا لم يكن لها مطابق فلا أمر من المولى حقيقة حتى يكون الفعل إطاعة حقيقية بل انقيادا وهو حسن عقلا لا عبادة شرعا هذا، إلا إذا فرض ترتب المصلحة على العمل المأتى به ولو بعنوان الانقياد وهو كلام آخر.»[1]
ویمکن ان یقال:
ان عمدۀ الاشکال فی الکلمات:
ما مر من الشیخ من عدم امکان تعلق التکلیف نحو الناسی لعدم صلاحیته للمحرکیۀ، وأن التکلیف بما عد المنسی هو تکلیف ناقص لا یصلح للداعویۀ، مع انه لیس هو الداعی للناسي، لأنه یأتی به بداعی التکلیف التام، وأن فی فرض تعلق التکلیف بالمنسی بخصوص الذاکر فإنما هو تکلیف ضمنی غیر مستقل متحد مع التکلیف بما عدا المنسی، لا داعویۀ فیه للذاکر الا بتمامیته وکماله، وأما بالنسبۀ الی الناسی فلیس هنا الا تکلیف ناقص لا داعویۀ فیه الا مع ضم الجزء المنسی.
وعلیه:
فإن الوجه الاول وهو ما نقله النائینی (قدس سره) عن الشیخ وهو امکان تحقق الامتثال للناسی بالالتفات الی ما ینطبق علیه من العنوان ولو کان من باب الخطأ فی التطبیق....
وإن کان ربما یدفع عنه اشکال کون الناسی لا یلتفت الی نسيانه فی ذلك الحال، فلا یمکنه امتثال الامر المتوجه الیه، لأن الامر فرع الالتفات الی ما اخذ عنواناً للمکلف....
بأن الناسی یلتفت الی ما ینطبق علیه من العنوان، وما اخذ عنواناً للمکلف ولو من باب الخطأ فی التطبیق. نظیر قصد الامر بالاداء والقضاء فی مکان الآخر.
الا انه قابل لأن یرد علیه بأن مورد تعلق التکلیف بالناسی مع عدم التفاته دائماً الی عدم کونه متعلقاً للتکلیف التام هل یصلح للداعویۀ بالنسبۀ الیه، فإنه لیس متعلقاً للتکلیف التام، وإن ما یدعو الیه غیر ملتفت به وما یلتفت الیه لا یدعوا الیه، والالتزام بالصحة فی المقام یستلزم الالتزام بصحۀ کل ما اتی به المکلف مع نقصانه او زیادته جهلاً او غفلۀ من باب الخطأ فی التطبیق.
هذا مع ان قیاس المورد بباب الاداء والقضاء مع الفارق لعدم امکان الالتفات فی عمل الناسی بخلاف مورد الاداء والقضاء، فإن فی موردهما کان المکلف موضوعاً للتکلیف ووقع الخطاب فی انطباقه علی ما توجه علیه من الامر.
وفی المقام لا یقع خطأ من هذه الجهۀ لأنه لیس لنا امر توجه الی الناسی، وکان الناسی موضوعاً له، مضافاً الی الأمر بالتمام لعامۀ المکلفین، لأنه لیس موضوعاً للامر بالتام، ولیس هنا امر اخر وقع فی الخطأ فیه بالنسبۀ الی تطبیقه.
نعم، یمکن تصویر الخطأ فی تطبیق الموضوع، بأنه مع عدم کونه موضوعاً للخطاب زعم نفسه موضوعاً خطأ، مثل ما لو زعم غیر المستطیع نفسه مستطیعاً خطأ، او زعم غیر المستحق نفسه مستحقاً خطأ، فإن الخطأ فی التطبیق فی مثله لا یوجب تصحیح ما اتی به بالنسبۀ الی ما یترتب علیه من الآثار
هذا مع:
ان مثل الاداء والقضاء، لا یتم تصحیح العمل الا مع فرض دلیل خاص علیه، وأما مقتضی القاعدۀ عدم الاجزاء من حیث عدم مطابقۀ المأتی به للمأمور به، ومثله ایضاً فی مورد الجهر والاخفات والقصر والتمام، فإنه لولا دلالۀ الدلیل بخصوصه لم نلتزم بالاجزاء.
والدلیل الخاص فی مثله انما یحکی عن کفایۀ المأتی به عن الغرض دون المأمور به، اذ لیس یتعلق بما اتی به امر.
اما الوجه الثانی، وهو ما افاده صاحب الکفایۀ فی حاشیة الرسائل:
وهو الالتزام بعدم تکلیف الناسی ولو بما عدا المنسی واقعاً، مع کون ما عدا المنسی ذا مصلحۀ ملزمۀ فی حقه، لئلا یلزم خلاف الاجماع والضرورۀ.
وأفاد المحقق الاصفهانی فی تقریبه: انه یلزم فیه تقیید الأمر بالتمام بالملتفت لأن مع تعلقه بالمکلف لعم الناسی ولازمه وجوب الاتیان بالتمام بعد زوال النسیان.
وقد مر ایراده قدس سره علیه:
بأنه اذا لم یکن للمأتی به مطابق حقیقة فلا امر من المولی نحوه، فلا اطاعۀ، بل المتحقق هو الانقیاد، الا اذا فرض ترتب المصلحۀ علیه بعنوان الانقیاد.
ویمکن ان یقال:
ان هذا الوجه یرجع الی المقام الثانی من البحث، وهو کفایۀ غیر المأمور به عن المأمور به، وکون ما اتی به مسقطاً للفرض، وسیأتی الکلام فیه.
هذا مع ان هذا التصویر لو تم یتوقف على قیام الدلیل فی مقام الاثبات علی وجود المصلحۀ المذکورۀ فی المأمور به، وکاشفیة الادلۀ عنه، فهو دلیل راجع الی مقام الاثبات، وإن کان تصویره ممکناً ثبوتاً.
هذا وقد ظهر:
ان الوجه الابعد عن الاشکال فی هذا المقام ای مقام، کون المأتی به من الناسی هو المأمور به فی حقه ثبوتاً، ما مر من المحقق الاصفهانی قدس سره من ان فی غیر الارکان کان الجزء مقیداً بالالتفات، فلا یتعلق بالنسبۀ الی الناسی الأمر بالفاقد ـ وان کان غیر موضوع له فی فرض عدم الالتفات، ولا یلزمه الاعادۀ بالاتیان بالفعل التام بعد زوال الغفلة.
وهذا قابل للتصویر ثبوتاً، ای تعقل تعلق التکلیف بهذا النحو. الا انه یلزمنا فی مقام الاثبات اثبات امرین:
1 ـ الفرق بین الرکن و غیره.
2 ـ قیام الدلیل علی اختصاص غیر الرکن من الأجزاء بالملتفت.
وسیأتی الکلام فی امکان مساعدۀ مقام الاثبات له.
[1] . الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 2، ص662-663.