بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه چهل و دو
قال صاحب العروة:
«مسألة 45: إنما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة ، فلو بذل للآفاقي بحج القران أو الإفراد أو لعمرة مفردة لا يجب عليه.
وكذا لو بذل للمكي ، لحج التمتع لا يجب عليه.
ولو بذل لمن حج حجة الإسلام لم يجب عليه ثانيا ، ولو بذل لمن استقر عليه حجة الإسلام وصار معسرا وجب عليه، ولو كان عليه حجة النذر أو نحوه ولم يتمكن فبذل له باذل وجب عليه.
وإن قلنا بعدم الوجوب لو وهبه لا للحج ، لشمول الأخبار من حيث التعليل فيها بأنه بالبذل صار مستطيعا ، ولصدق الاستطاعة عرفا .[1]
وما افاده في هذه المسألة يشتمل على فروع:
الاول:
انما يجب بالبذل الحج الذي هو وظيفته على تقدير الاستطاعة، فلو بذل للآفاقي بحج القران، او الافراد، او العمرة مفردة، لا يجب عليه.
وكذا لو بذل للمكي لحج التمتع لا يجب عليه.
افاد السيد الخوئي (قدس سره):
«فإنَّ الظاهر من نصوص العرض أنّها بصدد التوسعة في مفهوم الاستطاعة المجعولة شرطاً لوجوب الحجّ وأنّها لا تختص بملكية الزاد والراحلة بل تعم بذلهما وأنَّ الاستطاعة البذلية قائمة مقام الاستطاعة المالية.
فكل من كان يجب عليه الحجّ لو كان مالكاً لهما يجب عليه أيضاً لدى العرض والبذل.
ونتيجة ذلك:
ما ذكره في المتن: من أنّه لو بذل للآفاقي الذي وظيفته حجّ التمتع ليحجّ القران أو الإفراد أو بالعكس لم يجب الحجّ عليه؛ لأنَّ ما هو وظيفته لم يبذل له وما بذل له لم يكن وظيفته، وهكذا الحال لو بذل لعمرة مفردة بناءً على ما هو الصحيح من عدم وجوبها على الآفاقي حتى مع الاستطاعة المالية لها، فإنَّ البذلية أيضاً كذلك حسبما عرفت.
كما أنَّ من حجّ حجّة الإسلام فبذل له لا يجب عليه ثانياً؛ لأنّه قد أدى الوظيفة التي هي في العمر مرة واحدة، فمع الاستطاعة المالية لا يجب ثانياً فضلاً عن البذلية.»[2]
وما افاده (قدس سره) في المقام في غاية القوة.
ولا يخفى:
ان ما افاده صاحب العروة (قدس سره) في المقام يبتني على امرين:
1 ـ عدم وجوب حج القران والافراد على النائي وان استطاع له خاصة وهو المشهور.
وفي القبال الالتزام بانه يجب عليه النائي ذلك إذا استطاع له وبعبارة اخرى ان اقسام الحج ثلاثة. التمتع والقران والافراد والمكلف إذا استطاع لكل منها وجب عليه ذلك خاصة، وانما اختلفوا في ان النائي إذا استطاع للقران مثلاً فأتى به هل يكفي عن حجة الاسلام ام لا؟
فأفاد صاحب العروة وفاقاً لما اشتهر بين الاصحاب من ان النائي لا يجب عليه القران او الافراد وان استطاع له خاصة، بل الواجب عليه حج التمتع ويجب عليه إذا استطاع له.
ونرى في حاشية السيد البروجردي (قدس سره) على ما افاده الالتزام بما يقابله حيث افاد:
«عدم وجوبها ـ حج القران والافراد إذا بذل للآفاقي ـ محل تأمل، بل لا يبعد الوجوب، وان وجب عليه التمتع ان استطاع بعد ذلك للحج.»[3]
وان لا يبعد رجوع ما افاده (قدس سره) الى إطلاق ادلة البذل من اقتضاء الوجوب للحج بالنسبة الى المبذول اليه مطلقاً بلا فرق فيه بين التمتع والافراد والقران كما لا فرق في المبذول اليه بين النائي وغيره، وهذا خاص بمورد البذل.
2 ـ عدم وجوب العمرة المفردة على من يستطيع لإتيان خصوص العمرة كما هو المشهور ايضاً، وان الواجب هو حج التمتع المسبوقة بعمرة التمتع للنائي او المقدمة لها في القران والافراد.
وتمام البحث فيهما يأتي في محله.
واساس نظر صاحب العروة (قدس سره) في المقام هو ان البذل انما يوجب وجوب الحج على المبذول له حسب وظيفته المقررة في مورده.
وافاد السيد الاستاذ (قدس سره):
«لأنّ محط النظر في السؤال في صورة البذل عن وجوب الحج الذي يجب على المكلف لو كان مستطيعا لا عن أصل وجوب الحج.
و بتعبير آخر: دليل البذل ينزّل البذل منزلة الاستطاعة و ينظر الى اثبات وجوب الحج من جهة شرطية الاستطاعة بلا نظر الى سائر شرائط الوجوب المعتبرة، فهي على اعتبارها في حق المبذول له.
هذا، بناء على أن دليل البذل من باب القصد. أمّا بناء على كون دليله من باب القاعدة، فالأمر واضح جدّا. و لا يخفى أن العبارة لا تخلو عن قصور لظهورها في نفي توهّم تخيير المكلف المبذول له بين انواع الحج و تعيين وظيفته الأصلية عليه، كما لا يخفى على من أعطاها حق النظر. فكان الأولى أن يقال:
البذل الموجب للحج هو بذل للحج الذي يكون وظيفة المبذول له على تقدير الاستطاعة دون غيره و نحو ذلك ممّا يؤدي هذا المعنى. فأنتبه.»[4]
ويمكن ان يقال:
ان اساس نظره (قدس سره) ان ادلة البذل هل تكون ناظرة الى وجوب الحج للمبذول له حسب ما قصده من انواع الحج؟
او ان ادلته ناظرة الى وجوب الحج عليه بما هو وظيفته المقررة له من اقسام الحج؟ وعلى كلا التقديرين: ان ادلة البذل تنزل البذل منزلة الاستطاعة.
وان شئت قلت: ان مقتضاها التوسعة في مفهوم الاستطاعة المجعولة شرطاً لوجوب الحج ـ كما عرفت هذا التعبير في كلام السيد الخوئي (قدس سره) ـ ومعه فلا نظر في هذه الادلة الى سائر الشرائط الواردة المعتبرة في وجوب الحج على المبذول له وان الشرائط المذكورة باقية على اعتبارها في حقه.
ومن جملتها وجوب التمتع على النائي والقران والافراد على غيره.
وهذا تام وقد مر ان البذل يوجب تحقق الاستطاعة ووجوب الحج على المبذول له حسب وظيفته المقررة له.
ثم انه (قدس سره) افاد بان كلام صاحب العروة يوهم نفي تخيير المبذول له بين انواع الحج، وتعيين وظيفته الأصلية عليه.
ويمكن ان يلاحظ فيه:
بان صاحب العروة كما كان في صدد بيان ان الواجب من الحج بالبذل، الحج الذي هو وظيفة المبذول له على تقدير الاستطاعة وان النائي مثلاً كانت وظيفته التمتع فاذا استطاع لها وجب عليه، والبذل انما يوجب تحقق نفس هذه الاستطاعة من دون ان يكون لها نظر الى ما هو وظيفته من التمتع او القران او الافراد فانه (قدس سره) كما كان في صدد بيان هذا المعنى، كان في صدد نفي وجوب الحج فيما ليس من وظيفة المكلف، فلذا مثل بانه لو كانت وظيفته التمتع فلا يجب عليه البذل بحج القران، او بالعكس.
وانما كان في صدد بيانه لوجود القائل له وقد عرفت في حاشية السيد البروجردي نفي البعد عن وجوب القران او الافراد ببذلهما للنائي، ومثله غيره من اعاظم محشي كلامه ممن تأخر عن السيد فضلاً عما تقدم عنه؛ وعليه فليس كلامه في صدد بيان نفي التخيير الذي ربما يتوهم في ادلة البذل.
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 406-407.
[2] . الشيخ مرتضي البروجردي، مستند العروة الوثقي تقرير البحث السيد الخوئي، كتاب الحج، ج1، ص188-189.
[3] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 406.
[4] . السيد محمد الروحاني، المرتقى إلى الفقه الأرقى، كتاب الحج؛ ج1، ص 133-134.