بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه سي و نه
ويمكن ان يقال:
ان الهدي من اجزاء الحج، ويعتبر في الاستطاعة التمكن الفعلي من الاتيان بجميع اجزائه، كما ان التمكن المذكور المعتبر شرطيته لوجوب الحج في الاخبار التمكن الفعلي من الافراد الاختياري، فلو كان لبعض المناسك بدل في حاصل الاضطرار، فانه ينصرف عنه التمكن الفعلي المذكور، بل المنصرف منه الافراد الاختيارية دون الاضطرارية، فلو كان متمكناً من مؤونة الحج غير ثمن الهدي، فانه لا تحقق في مورده الاستطاعة بلا فرق بين المالية والبذلية.
وعليه فان في مثل المقام اذا بذل الباذل هذه المؤونة فهي تنصرف الى التمكن من الافراد الاختياري ومنها الهدي.
ولذا لو بذل الباذل المؤونة غير ثمن البذل، فانه لا يوجب الاستطاعة للمبذول له بمقتضى اخبار البذل، لان عرض الحج ينصرف الى عرض مؤونته المنصرفة الى ما يحتاج اليه في الاتيان بالافراد الاختيارية ومنها ثمن الهدي.
وعليه فما افاده صاحب العروة. وايده الاعلام من ان ثمن الهدي على الباذل تام لا نقاش فيه.
واما لو رجع الباذل عن بذله، فان كان رجوعه بعد احرام المبذول له، فان كل ما يصرفه في سبيل اتمام حجه مضمون على الباذل، ومن جملتها ثمن الهدي اذا اشترى الهدي وذبحه.
واما اذا اتى بالبدل وهو الصوم لعدم تمكنه من شراء الهدي فان المضمون على الباذل ما يصرفه في اتمام حجه غير ثمن الهدي، لان ما دل على ضمان الباذل لا يقتضي ثبوت الضمان عليه اكثر مما صرفه المبذول له ولا ينافي ذلك انصراف البذل قبل رجوعه الى الفرد الاختياري، لان بحث البذل وما يقتضيه من مصارف الحج امر، وبحث ثبوت الضمان برجوعه امر اخر، فان ادلة الضمان انما يقتضيه على الباذل فيما صرفه في اتمام حجه لا فيما يتعارف صرفه او ما يقتضيه البذل.
ومنه يظهر:
انه لو رجع الباذل عن خصوص بذل ثمن الهدي فان كان قبل احرام المبذول له، فيما ان البذل بمقتضى الاخبار المقتضية لحصول الاستطاعة بمجرده ينصرف الى الفرد الاختياري، فانه يسقط بمجرده حدوث الاستطاعة ولا يجب عليه الاتيان بالحج بمقتضى البذل المذكور.
نعم، لو رضي باتيان الفرد الاضطراري بدلاً عن الهدي فلا يبعد القول ببقاء الاستطاعة فيكون ثمرة الرجوع حصول الاختيار للمبذول له بالبقاء او الرد.
وان كان بعد الاحرام، فلا اثر للرجوع اذا اشترى المبذول له الهدي وذبحه لثبوت ضمانه على الباذل.
نعم، لو اكتفى بالفرد الاضطراري في اتمام حجه، فلا يثبت الضمان بالنسبة الى الهدي كما مرّ، ولا اثر لرجوعه بعد الاحرام في تحقق الاستطاعة، الا في فرض عدم تمكنه من اتمام الحج ولو بالاستقراض او التسكع، فيلزم الخروج عن الاحرام قبل اتمام الحج كالمحصور والمصدود.
بقي امران:
1 ـ افاد العلمان بانه لو بذل مؤونة الحج غير ثمن الهدي وكان المبذول له متمكناً من دفع ثمن الهدي، فانه تتحقق له الاستطاعة الملفقة من البذلية والمالية، وكذا لو لم يبذل الا بعض المؤنة وكان المبذول له متمكناً من دفع البعض الاخر.
ولكنه لا يتم المساعدة عليه، لعدم تمامية تصوير التلفيق في المقام، فان لكل من الاستطاعة المالية، والاستطاعة البذلية دليله والملفقة منهما لا يتم شمول ما دل على الاستطاعة والبذلية له، كما لا يتم شمول ما دل على الاستطاعة المالية فيه. وقد عرفت تفصيل الكلام في ذلك.
2 ـ افاد السيد الحكيم (قدس سره)، انه لو كان الشخص مالكاً لمال لا يفي بالواجب الاختياري ولكن يفي بالواجب الاضطراري كان مستطيعاً ووجب عليه الحج واجزأه عن حجة الاسلام.
ويمكن ان يلاحظ فيه:
انه ربما يقال فيه بالتفكيك بين وجوب الحج عليه بمعنى استقرار الحج على ذمته، والاجزاء عن حجة الاسلام اذا اختار الاتيان بالحج بالفرد الاضطراري.
وذلك:
لان الاستطاعة على ما عرفت هو التمكن الفعلي المنصرف الى ما هو المتعارف له وهو الفرد الاختياري دون الاضطراري.
ومن لا يتمكن من الفرد الاختياري انما يصدق في مورده عدم السبيل الى الحج؛ ولا يستقر الحج على ذمته لو لم يبادر الى اتيانه.
واما اذا اختار نفسه ذلك فيكفي الاتيان بالفرد الاضطراري عن حجة الاسلام كما يكفي عنها اذا حدث له عدم التمكن من ثمن الهدي حين الاتيان بالمناسك كسرقة امواله وامثال ذلك بلا فرق بينهما.
ومعنى ذلك وجوب الحج بالنسبة اليه بخصوصه عند اختياره ذلك ورضائه بالفرد الاضطراري. وكانه باختياره يختلف متعلق الوجوب من الفرد الاختياري المنصرف اليه الاستطاعة في خصوصه الى الفرد الاضطراري، فيكون وجوب الحج فعلياً باختياره ذلك؛ وهذا يعد من موارد افتراق الاجزاء عن حجة الاسلام، والوجوب الفعلي المطلق الموجب لاستقرار الحج على ذمته عند مخالفته.
ومما ذكرناه ظهر وجه النظر فيما افاده السيد البروجردي (قدس سره) في الحاشيته بعد قول صاحب العروة «الظاهر ان ثمن الهدي على الباذل» حيث افاد:
«لا يبعد عدم الوجوب ـ اي عدم وجوب دفع ثمن الهدي على الباذل ـ فان بذل فهو والا انتقل الى الصوم.»[1]
وذلك لما مر من ان بذل مؤونة الحج ينصرف الى بذل ما هو المتعارف منها وهو الفرد الاختياري الذي لازمه بذل ثمن الهدي.
الا ان يقال:
ان نظر الشريف راجع الى ما مرّ بحثه اخيراً في الاستطاعة المالية واسراء الكلام فيه الى الاستطاعة البذلية بان يقال:
ان الاستطاعة البذلية كالاستطاعة المالية هو التمكن الفعلي من الاتيان بالحج المنصرف الى الفرد الاختياري، فلو بذلها الباذل فانه يوجب تحقق الاستطاعة بالنسبة الى المبذول له ويجب عليه الحج.
واما اذا بذل الباذل ما لا يشتمل على الفرد الاختياري بان يبذل المؤونة غير ثمن الهدي، فانه بما لا يتحقق بمجرده الاستطاعة الموجبة لوجوب الحج على المبذول له بمقتضى ادلة البذل، الا انه لو اختار المبذول له ذلك، فانه وان لا يجب الحج عند عدم اختياره له الا ان باختياره يجب عليه الحج ويجزي عنه بعنوان حجة الاسلام وان كان لا يستقر عليه الحج اذا خالفه بعين ما مرّ في الاستطاعة المالية؛ ولعل ما افاده السيد البروجردي (قدس سره) راجع الى ذلك.
ثم ان هذا كله انما يتم اذا كان الهدي هو الفرد الاختياري فينصرف الاستطاعة الى التمكن منه والصوم فرد اضطراري وانما ياتي به المكلف عند عدم التمكن من الهدي.
واما لو قلنا: ان وجوب الهدي انما يكون بنحو التخيير بينه وبين الصوم، فانه يتحقق البذل بدفع ثمنه كما يتحقق بعدم دفعه، كما تحقق الاستطاعة المالية مع التمكن عنه ومع عدم التمكن منه.
ولكن الظاهر الطولية في الحكيم وان الصوم بدل حال الاضطرار وتمام الكلام في محله.
واما الفرع الثاني من المسألة.
وهو ما افاده صاحب العروة: «واما الكفارات، فان اتى بموجبها عمداً اختياراً فعليه، وان اتى بها اضطراراً او مع الجهل والنسيان فيما لا فرق فيه بين العمد وغيره، ففي كونه عليه او على الباذل وجهان.»[2]
[1] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 405.
[2] . العروة الوثقي (المحشي)، ج4، ص 405.