بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست و هشت
اما الكلام في جهة الوضع:
فالبحث في هذه الجهة تارة يكون في ثبوت الضمان علي المبذول له اذا تصرف في المال المبذول بعد رجوع الباذل، وقد عرفت كونه محور البحث في كلام السيد الحكيم في المستمسك.
وتارة:
يكون في ثبوت الضمان علي الباذل اذا توقف اتمام الحج علي صرف المال في فرض الرجوع كما هو محور البحث في كلام غيره.
اما الاول:
فاإنه لا شبهتهة في عدم جواز التصرف في المبذول عند رجوع الباذل عن بذله، لأان في فرض الاباحة، فاإنه لا يخرج المبذول عن ملكه والناس مسلطون علي اموالهم، وبالرجوع عن البذل ينتفي الاذن في التصرف لا محالهة، والتصرف في مال الغير بغير اذنه يوجب الضمان بلا فرق في ذلك بين الالتزام بجواز الرجوع تكليفاً وعدم جوازه، كما لا فرق بين صورة وجوب البذل وعدمه لفرض بقاء المبذول في ملك باذله والرجوع عن البذل يوجب انتفاء الاذن المبيح للتصرف للمبذول له.
نعم، يمكن ان يقال:
انه لو كان المبذول النقد وقد صرفه المبذول له بعد بذله فيما يحتاج اليه في مؤونة سفره من الزاد والراحلهة، فاإنه بتصرفه في المبذول الظاهر في تلفه يصير مالكاً لما يشتريه من الزاد و الراحلة، لصيرورة المباح له ملكاً بالتصرف المتلف، والظاهر من التلف انتفاء العين. ومعه فلا معني لرجوع الباذل لما مر من ان الوجه لجواز رجوعه بقاء سلطنته علي المبذول بعد الرجوع ولكنه ثابت في فرض بقاء الاباحة، دون صيرورتها ملكاً بالتصرف المتلف.
ومعه فلا وجه لعدم جواز التصرف في المبذول، وبتبعه لا وجه لضمان المبذول له في التصرف فيه.
نعم. انما يتم الكلام فيما اذا كان المبذول نفس الزاد والراحلة، والتصرف فيهما بما انه لا يكون متلفاً فلا ينافي بقاء الاباحهة وبالرجوع لا يجوز التصرف فيه ويثبت الضمان بالتصرف.
واأما الثاني:
فاإن اساس ثبوت الضمان فيه: ان المبذول له بمقتضي وثوقه علي قول الباذل تحمل الرجحال واأقدم علي السفر واحرم ومعه يلزمه اتمام الحج وصرف المؤونة من نفسه ولولا بذل الباذل واعتماده عليه لم يقع في صرف المال لهذه الجهة، ولذلك ربما يقال بانطباق عنوان الغرور علي فعل الباذل، او الاضرار او الاتلاف وبمقتضي تطبيق كل واحد من هذه العناوين يثبت الضمان للباذل.
اما بالنسبة الي قاعدة الغرور:
فاإن المستند لهذه القاعدهة علي ما عرقفت:
1 ـ الاجماع.
2 ـ النبوي المرسل المشهور: المغرور يرجع علي من غرّه.
3 ـ ما رواه الكليني قدس سره(قدس سره)، عن محمد بن يحيى، عن محمد بن الحسين، عن محمد بن سنان، عن إسماعيل بن جابر قال: سألت أبا عبد الله ( عليه السلام ) عن رجل نظر إلى امرأة فأعجبته فسأل عنها فقيل: هي ابنة فلان، فأتى أباها فقال: زوجني ابنتك، فزوجه غيرها فولدت منه فعلم بها بعد أنها غير ابنته، وأنها أمة ؟
قال: ترد الوليدة على مواليها (یرد الولیدۀ علی مولاها) والولد للرجل، وعلى الذي زوجه قيمة ثمن الولد يعطيه موالي الوليدة كما غر الرجل وخدعه.[1]
عن محمد بن يحيي عن محمد بن الحسين عن محمد بن سنان عن اسماعيل بن جابر قال:
سألت ابا عبدالله عن رجل ...........
واأورد السيد الخوئي قدس سره(قدس سره) علي القاعدهة ـ فيما عرفت من كلامه ـ
باأنها لا اساس لها، اذ ليس لها مدرك صحيحي عدا النبوي المشهور، وما ورد في تدليس الاقهمة اي رواية اسماعيل بن جابر من رجوع الزوج الي المدلس معللاً بقوله: كما غر الرجل وخدعه. ولكن النبوي ضعفه ظاهر والرواية ضعيفهة بمحمد بن سنان. فلم تثبت القاعدة بعنوانها علي نحود الكبري الكلية.
كما ان له قدس سره(قدس سره) اشكال صغروي وهو المنع عن صدق الغرور في المقام لتقوم المغرور بعلم الغار وجهل المغرور ورجوع الباذل المبحوث عنه في المقام اعم من علمه وجهله.
كما اورد السيد الحكيم قدس سره(قدس سره):
بعد ظهور ثبوت القاعدهة من كلامه بمقتضي الادلة المذكورة ومن جملتها الاجماع في الجملهة، الذي لم يذكره السيد الخوئي بعنوان المستند للقاعدة اصلاً، ان المشكل في الاستناد الايها في المقام: ان مقتضي ادلتها واإن كان عموم القاعدة الا انه ليس بناء الاصحاب علي العمل بها كلية، ولذلك يشكل الاخذ بعموم دليلها.
هذا مع انه اورد علي الاستناد اليها في المقام بوجهين آخرين:
1 ـ ان الايقاعات لا توجب تغريراً للغير، لأانها انشاءات بحته ليس فيها حكاية ولا دلالة تصديقية، ولا تتصف بصدق ولا كذب ورجوع الباذل عن بذله لم ينكشف عن رجوعه عما دل عليه انشاء الوعد الا اذا ظهر من قوله او فعله انه لا يخلف في وعده ولا يرجع عنه.
2 ـ انه يشكل التغرير اذا لم يكن الغار قاصداً للايهام، بل الظاهر اختصاص الخديعة بذلك. وقد عرفت نظيره من السيد الخوئي قدس سره(قدس سره).
ويمكن ان يقال:
اما بالنسبة الي مستند القاعدة فاإن النبوي المذكور غير موجود في الجوامع الحديثيهة من العامهة والخاصهة، واإنما هو مذكور في الكتب الفقهية، الا ان المذكور فيها عنوان النبوي الظاهر في كونه رواية، فلا بيعد من كلام الفقهاء. ويكفي في ثبوتها نقلها في كتب اعلام الطائفة واشتهارها بينهم في مقام الاستناد، وكفي ذلك في اعتبارها. ولذا عرفت تعبير السيد الحكيم عنها بالنبوي المرسل المشهور كما عرفت تمامية جبر الارسال عندنا بعمل المشهور.
وقد افاد المحقق الثاني في حاشية الارشاد هذا الاشتهار وقاله ابن الاثير في النهايهة.
كما ان صاحب الجواهر قال في كتابا النغصب:
«بل لعل قوله (علیه السلام) المغرور يرجع الي من غره ظاهر في ذلك»[2]
والظاهر اعتماده في نقله علي ما هو المعروف بين الاصحاب، لا انه ينقله عن كتاب او عن اسناد.
وبالجملة، لو ثبت نقله بعنوان الحديث والرواية ولو في كتب الفقهاء، ولو مرسلة لكفي في اعتباره فتوي مشهور القدماء علي طبقه.
وربما ادعي ان هذه الجملة معقد للاجماع عندهم ولذا ذكروها وارسلوها ارسال المسلمات.
[1] . وسائل الشيعة (آل البيت)، ج21، کتاب النکاح، الباب 7 من أبواب العیوب والتدلیس، ص220، الحديث26938/1.
[2] . الشيخ محمد حسن النجفي، جواهر الكلام، ج37، ص145.