درس خارج اصول/ المقصد السابع : اصول عمليه/ دوران الأمر بين أقل والاكثر/التنبيه الخامس / جلسه بيست
صوت درس:
بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه بيست
وقد افاد في تقريب جريان البرائة الشرعية في المقام:
« وأما البراءة الشرعية: فلا محذور في جريانها لان رفع القيدية إنما هو من وظيفة الشارع كجعلها، غايته أن وضعها ورفعها إنما يكون بوضع منشأ الانتزاع ورفعه، وهو التكليف بالأكثر وبسطه على الجزء المشكوك فيه، فكما أن للشارع الامر بالمركب على وجه يعم الجزء الزائد، كذلك للشارع رفعه بمثل قوله - صلى الله عليه وآله وسلم - " رفع مالا يعلمون " ونحو ذلك من الأدلة الشرعية المتقدمة في مبحث البراءة، وبذلك ينحل العلم الاجمالي ويرتفع الاجمال عن الأقل، ويثبت إطلاق الامر به وكون وجوبه لا بشرط عن انضمام الزائد إليه.
ولا يتوهم: أن رفع التكليف عن الأكثر لا يثبت به إطلاق الامر بالأقل إلا على القول بالأصل المثبت. فإنه قد تقدمت الإشارة إلى أن التقابل بين الاطلاق والتقييد ليس من تقابل التضاد لكي يكون إثبات أحد الضدين برفع الآخر من الأصل المثبت، بل التقابل بينهما تقابل العدم والملكة، وليس الاطلاق إلا عبارة عن عدم لحاظ القيد، فحديث الرفع بمدلوله المطابقي يدل على إطلاق الامر بالأقل وعدم قيدية الزائد، وبذلك يتحقق الامتثال القطعي للتكليف المعلوم بالاجمال، لما تقدم فيالمباحث السابقة: من أن الامتثال القطعي الذي يلزم العقل به هو الأعم من الوجداني والتعبدي، إذ العلم الاجمالي بالتكليف لا يزيد عن العلم التفصيلي به، ولا إشكال في كفاية الامتثال التعبدي في موارد العلم التفصيلي بالتكليف.
والسر في ذلك: هو أن حكم العقل بلزوم الامتثال إنما هو لرعاية حكم الشارع، وبعد رفع الشارع التكليف عن الأكثر ولو رفعا ظاهريا يتعين كون المكلف به هو الأقل، فيحصل الامتثال التعبدي بفعل الأقل، ولا يجب الزائد عليه.
وبالجملة: دائرة الامتثال تختلف سعة وضيقا حسب سعة متعلق التكليف وضيقه، ولا إشكال في أنه للشارع رفع التكليف عن الأكثر، إما واقعا بالنسخ، وإما ظاهرا بمقتضى الأصول العملية لانحفاظ رتبة الحكم الظاهري في الأكثر، لعدم العلم بتعلق التكليف به، فلا مانع من جريان أصالة البراءة الشرعية عن التكليف بالأكثر، ولا يعارضها أصالة البراءة عن الأقل، للعلم بوجوبه على كل تقدير، فلا تكون رتبة الحكم الظاهري محفوظة فيه، وبعد رفع التكليف عن الأكثر يكون متعلق التكليف بحسب الظاهر هو الأقل، فيدور الامتثال مدار فعله، ويتحقق الفراغ والخروج عن عهدة التكليف بالاتيان به، وليس اشتغال الذمة بالتكليف المرددبين الأقل والأكثر بأقوى من اشتغال الذمة بالتكليف بأصل الصلاة وأركانها، فكما أن للشارع الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي بالنسبة إلى ذلك، كموارد الشك بعد الوقت وبعد تجاوز المحل، كذلك للشارع الاكتفاء بالامتثال الاحتمالي للتكليف المردد بين الأقل والأكثر.»[1]
وكان كلامه (قدس سره) هذا ناظر الي تشكيك صاحب الكفاية في جريان البرائة الشرعية في حاشية الكفاية وكذا في حاشية الفرائد.
وأفاد (قدس سره):
« والغرض من إطالة الكلام: بيان فساد ما أفاده المحقق الخراساني - في حاشية الكفاية - من منع جريان البراءة الشرعية في الأقل والأكثر الارتباطي بعد ما اختار جريانها في متنها، وكأنه جرى على مسلكه: من الملازمة بين حرمة المخالفة القطعية ووجوب الموافقة القطعية وقد تقدم منع الملازمة في أول مبحث الاشتغال.
ومن الغريب ! ما زعمه: من حكومة حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل على أدلة البراءة الشرعية، فان ذلك بمكان من الفساد.
ضرورة أن حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل يرتفع موضوعه بأدلة البراءة، لان احتمال الضرر فرع بقاء التكليف بالأكثر، وبعد رفع الشارع التكليف عنه لا يحتمل الضرر حتى يلزم دفعه، سواء أريد من الضرر العقاب أو الملاك، فالبراءة الشرعية تكون ورادة على حكم العقل بلزوم دفع الضرر المحتمل، بل البراءة العقلية أيضا تكون ورادة على هذا الحكم العقلي فضلا عن البراءة الشرعية، وقد تقدم تفصيل ذلك كله في الدليل الأول من الأدلة الأربعة التي أقيمت على حجية مطلق الظن وفي مبحث البراءة، فتأمل في أطراف ما ذكرناه جيدا.»[2]
[1] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص162-164.
[2] . الشيخ محمد علي الكاظمي، فوائد الاصول تقرير البحث السيد النائيني، ج4، ص164-165.
n>