بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و دوازده
والمهم فيما افاده انما هو في ان الملاقي في المقام وعلي هذا المسلك ـ اي السراية ـ بمعني الاتساع والانبساط هل هو عين الملاقي، بأنه لا يكون معروضاً غير الملاقي لوجوب الاجتناب، او انه معروض مستقل وإن وجوب اجتنابه تكليف متولد بمقتضي السراية في معروضه من نجاسة الملاقي.
لا وجه للالتزام بالعينية، لأن المفروض انه جوهر آخر من ماء او ثوب او يد لاقي النجس، وإنما انتقلت النجاسة اليه اي انتقلت من عين النجاسة اليه حقيقة، كما هو الحال في القذارات الحقيقية عند العرف. فإن اليد المتلوث بها او الثوب المتلوث بها ليس عين القذر، بل هو جوهر اخر اكتسبت النجاسة من عين القذر، فلا محالة يكون معروضاً اخر غير العين للنجاسة، وإن كانت النجاسة فيه مكتسبة منها. وعليه فلا يتم التمثيل فيما افاده السيد الاستاذ (قدس سره) بأنه كما قسم احد الانائين قسمين.
فإن التقسيم امر غير اكتساب النجاسة والقذارة، فإنه لو قسم القذر الحقيقي كالعذرة قسمين فإنه لا يكتسب كل من القسمين وجوب الاجتناب من العين، بل ان وجوب الاجتناب عن العين ينحل الي حكمين بالاجتناب لا يكون لكل واحد منهما معروضاً غير ما للعين وهذا بخلاف الملاقاة، فإن الثوب الملاقي للعذرة في فرض رطوبته معروض آخر غير العذرة، وان اكتسبت القذارة من العين.
فإنه يمكن ان لا يحمل جزئاً من العذرة عرفاً وإنما وقعت المماسة في فرض الرطوبة، وإن كان هذه المماسة توجب انتقال بعض اجزاء العذرة عقلاً الا انه لا يصدق عليه كونه حاملاً للعين عرفاً، ولذا ان في مقام التطهير لا يلزم ازالة العين اذا لم يجدها فيه عرفاً.
وإنما تبين الأمر في الملاقي للعين بوسائط، فإن من المسلم عدم كون الملاقي بوسائط حاملة للعين مسلماً، فإن الثوب الملاقي لليد الملاقي للماء الذي لاقي العين ليس حاملاً للعين عرفاً، ومعه كيف يمكن الالتزام بالتقسيم في المقام والتمثيل به.
نعم، يصح القول فيه بعنوان التنزيل والتنظير، لبيان حقيقة السراية حقيقة، ولكنه ليس بمعني التقسيم حقيقة.
وعليه فإن المعروض المستقل عن العين غير نفس العين وله حكم بوجوب الاجتناب غير الحكم بوجوب الاجتناب عن العين الا ان وجوب اجتنابه يتولد من وجوب اجتنابه، ومعه فلا يكفي العلم بالتكليف بين الملاقي والطرف الآخر في تنجز التكليف به لعدم كونه بنفسه طرفاً للعلم الاجمالي.
فما افاده المحقق العراقي (قدس سره) متين في عدم استلزام القول بالسراية بمعني الاتساع لتكفل تنجيز العلم الإجمالي المتعلق بالملاقي له.
وأما بالنسبة الي الوجه الثاني:
فإن تمام ما افاده في وجه تنجيز العلم الاجمالي في المقام لوجوب الاجتناب عن الملاقي هو كون الاجتناب عن الملاقي من شؤون وتبعات الاجتناب عن نفس الملاقي.
ولكن قد مر ان التجنب عن الملاقي من الآثار الشرعية المترتبة علي نفس العنوان المعلوم بالاجمال، وهو في المقام النجاسة، وأما المشتبه المحتمل نجاسته فهو غير العنوان المعلوم بالاجمال، بل هو مما يحتمل انطباق العنوان عليه وهو ليس موضوعاً لترتب الآثار الشرعية، ولذا لا يلتزم احد بوجوب الحد لشارب محتمل الخمرية الذي كان طرفاً للعلم الاجمالي بالخمر الموجود بين الإنائين.
وإن النجاسة المعلومة في البين لا يقتضي العلم الاجمالي المتعلق بها بين الطرفين الا تنجيز الاجتناب بالنسبة الي نفس الاطراف، وأما الملاقي للطرف فهو وإن كان الاجتناب عنه من شؤون الاجتناب عن الملاقي الا انه لا يشمله التنجيز الحاصل بالعلم الاجمالي، لأن تنجيزه انما كان من جهة المقدمة العلمية للاجتناب عن نفس المعلوم المجمل في البين، وصرف كون الملاقي من شؤون الملاقي وتبعاته لا يوجب ادخاله في هذه المقدمة العلمية.
نعم، فلتزم بذلك في بعض الموارد مثل صورة فقد الملاقي وتقدم الملاقاة علي حصول العلم وامثاله مما مر في بعض الصور التي صورها صاحب الكفاية، وكذا مر في ذيل كلام الشيخ (قدس سره).
وأما الوجه الثالث:
فإنه مع فرض الصعوبة في تصوير هذا الوجه، بمعني تصوير التعبد مع تصوير الملازمة او المصاحبة لوجوب الاجتناب عن الملاقي مع وجوب الاجتناب عن الملاقي، لأن مع فرض التعبد فإنما يقتصر علي مورد التعبد، وهو في المقام الحكم بوجوب الاجتناب عن النجس، وأما الملاقي فهو موضوع اخر مستقل ومعروض مستقل للحكم والمصاحبة او الملازمة في الحكم فضلاً عن فعليته، انما يتوقف علي امكان تصوير سراية التعبد الي تبعات معروضة، ولو قبل تحقق المعروض والموضوع.
وهو مع انه افاد (قدس سره) بعدم مساعدة مقام الاثبات له الا ان الكلام انما هو في تصويره ثبوتاً.
هذا مع انه لو فرض تماميته ثبوتاً وفرض مساعدة مقام الاثبات له، فإن تعدد المعروض واستقلال كل واحد منهما يكفي في عدم تكفل تنجز العلم الاجمالي لوجوب الاجتناب عن الملاقي، لأن تنجزه لا يشمل الا اطراف العلم. وأما الملاقي له فهو موضوع آخر ومعروض مستقل لوجوب الاجتناب، ويحتاج الي حكم آخر، وهذا ما لا يتكفل العلم الاجمالي بنجاسة الطرفين له.
والحاصل:
انه لا يمكن الموافقة لما افاده من ان العلم الاجمالي بنجاسة احد الانائين يقتضي بنفسه لزوم الاجتناب عن ملاقي احدهما علي الوجوه الثلاثة.
بل لأنه لا يقتضي لزوم الاجتناب عنه حتي في الوجه الأول، وهو السراية بمعني الاتساع علي ما عرفت. والحاصل:
انه لا يمكن الموافقة لما افاده من ان العلم الاجمالي بنجاسة احد الانائين يقتضي بنفسه لزوم الاجتناب عن ملاقي احدهما علي الوجوه الثلاثة.
بل لأنه لا يقتضي لزوم الاجتناب عنه حتي في الوجه الأول، وهو السراية بمعني الاتساع علي ما عرفت.
هذا، ثم ان ما مر في كلام صاحب الكفاية، وكذا الشيخ (رضوان الله عليهما) من تنجيز لزوم الاجتناب عن ملاقي الشبهة المحصورة بالعلم الاجمالي الحادث بين الملاقي والطرف الآخر، كما في مثل فقد الملاقي عند حدوث العلم وتقدم الملاقاة، بأن العلم الاجمالي يوجب تنجيز الاجتناب عن الملاقي والطرف الاخر – للملاقي – دون نفس الملاقي، او اذ حدثت الملاقاة ثم حدث العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي والطرف الاخر حيث ان العلم يوجب تنجیز وجوب الاجتناب عن الملاقي والملاقي معاً، فهو تام الا انه ليس مدار البحث عن تنجيز العلم الاجمالي لوجوب الاجتناب عن الملاقي وعدم تنجيزه عليه في المقام كما مر، وإن المناط فيه في جميع الموارد كون الملاقي طرفاً للعلم الاجمالي بوجه لما مر من ان العلم انما يوجب الاجتناب عن اطراف المعلوم بالاجمال مقدمة علمية للاجتناب عن المعلوم، فإذا فرض كون الملاقي في موارد من اطراف نفس العلم المذكور، فلا مانع عن تنجز وجوب الاجتناب عنه، وفيما فقد نفس الملاقي عند حدوث العلم بمعني ان في زمان حدوث العلم كان الملاقي مفقوداً او خارجاً عن محل ابتلاء المكلف، وكانت الملاقاة حادثة قبل حدوث العلم، فإن العلم الاجمالي انما يحدث من اول الأمر بين الملاقي والطرف الآخر وهو يوجب تنجز الاجتناب عنهما، ففي هذه الصورة كان الملاقي داخلاً في اطراف العلم الاجمالي او الملاقي خارجاً عنها، ولا يدخل الملاقي فيها بعد وجدانه او دخوله في ابتلاء المكلف بعد حدوث العلم المذكور، ولذا لا يوجب العلم الاجمالي تنجز لزوم الاجتناب عنه في الفرض.
وكذا اذا حدثت الملاقاة ابتداءً، ثم حدث بعد ذلك العلم الاجمالي بنجاسة الملاقي و الاناء الآخر، فإن العلم الاجمالي بالنجاسة من بدو حدوثه ذا اطراف ثلاثة، او ان شئت قلت: انه حدث العلم بنجاسة هذا الاناء وملاقيه والآناء الآخر.
وبالجملة ان هذه الموارد مستثنيات عن اصل القاعدة، وهو عدم تنجز الحكم الثابت بالعلم الاجمالي لملاقي احد اطرافه.
والمدار فيه علي كون الملاقي طرفاً للعلم الاجمالي الحادث بنجاسة الملاقي والآناء الآخر.
قال المحقق العراقی (قدس سره):
«لو فقد الملاقى بالفتح فإن كان ذلك بعد العلم الاجمالي بنجاسته أو المشتبه الاخر فلا أثر لفقده بالنسبة إلى ملاقيه.
واما لو كان ذلك قبل العلم الاجمالي كما إذا حصل الملاقاة وفقد الملاقى بالفتح ثم حصل العلم الاجمالي اما بنجاسة المفقود أو المشتبه الاخر.
فعلى مسلك علية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية:
لا إشكال في وجوب الاجتناب عن ملاقيه للعلم الاجمالي بالتكليف بينه والطرف وعدم ما يوجب منعه عن التأثير من أصل أو قاعدة اشتغال مثبت للتكليف في بعض أطرافه بعد انعزال العلم الاجمالي السابق بين الملاقى بالفتح و الطرف عن التأثير بحدوثه بعد خروج بعض أطرافه عن الابتلاء.
واما على مسلك الاقتضاء:
فقد يقال بقيام ملاقيه مقامه في وجوب الاجتناب نظرا إلى معارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف بعد عدم جريانه في المفقود والخارج عن الابتلاء.
وفيه:
ان عدم جريان الأصل في التالف أو الخارج عن الابتلاء انما هو بالنسبة إلى اثره الخارج عن مورد ابتلا المكلف فعلا من نحو حرمة ارتكابه ووجوب الاجتناب عنه.
واما بالنسبة إلى اثره المبتلى به فعلا كنجاسة ملاقيه فلا بأس بجريان الأصل فيهما بلحاظ هذا الأثر، و لذا ترى بنائهم على إجراء أصالة الطهارة في الماء التالف فعلا عند الابتلاء بأثره من نحو صحة الوضوء به وطهارة البدن والثوب المغسول به بلا التفات منهم إلى الأصول الجارية في نفس الأمور المزبورة.
وعليه نقول:
انه بعد إن كان نجاسة الملاقي بالكسر و وجوب الاجتناب عنه من آثار نجاسة الملاقي بالفتح، تجري فيه أصالة الطهارة بلحاظ هذا الأثر ولو في ظرف تلفه وخروجه بنفسه عن الابتلاء.
فتعارض أصالة الطهارة الجارية في المشتبه الاخر وبعد سقوطهما تصل النوبة إلى الأصل الجاري في المسبب وهو الملاقي بالكسر، فتجري فيه أصالة الطهارة لسقوط معارضها في المرتبة السابقة بالمعارضة مع الأصل الجاري في الملاقى بالفتح كما في صورة عدم فقده.
واما توهم:
ان المجعول في الملاقي بالكسر لا يكون الا طهارة واحدة لا طهارتان لامتناع جعل طهارتين لشئ واحد ومع سقوطها بالمعارضة مع الأصل في الطرف لا يبقى مجال لجريانها ثانيا في الملاقى.
فمدفوع:
بان الممتنع انما هو جعل طهارتين لشئ في عرض واحد واما جعل الطهارتين الطوليتين إحداهما من حيث نفسه والاخرى من حيث سببه بنحو لا يكاد اجتماعهما في مرتبة واحدة بل وزمان واحد، فلا برهان يقتضى امتناعه، والا اقتضى المنع عن جريان أصالة الطهارة فيه حتى في ظرف بقاء الملاقي بالفتح، مع أنه لا يلتزم به المتوهم المزبور أيضا.
ومع الغض عن ذلك نقول:
إنه بعد إن كان لهذه الطهارة الواحدة المجعولة طريقان أحدهما في مرحلة الدلالة والحجية في طول الاخر بحيث لا تصل النوبة إلى الثاني الا بعد سقوط الأول عن الحجية ولو بالتعارض، فلا مانع عن الاخذ بالأصل الجاري في الملاقي بعد سقوط الأصل في الطرف بمعارضته مع الأصل الجاري في الملاقى، لان ذلك هي نتيجة جعل الطريقين الطوليين، والا لا يجري الأصل فيه حتى في ظرف وجود الملاقي بالفتح كما هو ظاهر.
و حينئذ فلا محيص من التفصيل في وجوب الاجتناب عن الملاقى بالكسر عند فقد الملاقى قبل العلم بين المسلكين في العلم الاجمالي.
ولعل إطلاق كلام الشيخ قده بقيام الملاقي بالكسر مقام الملاقى بالفتح عند فقده مبنى على القول بعلية العلم الاجمالي لوجوب الموافقة القطعية كما هو مختاره (قدس سره).
والا فعلى القول بالاقتضاء لا وجه لدعوى قيامه مقام التالف ومعارضة الأصل الجاري فيه مع الأصل الجاري في الطرف، بل اللازم على هذا المسلك هو عدم التفصيل في جريان أصالة الطهارة في المسبب وهو الملاقي بين صورة وجود الملاقى بالفتح وبين صورة فقده أو خروجه عن الابتلاء.
نعم: انما يتجه التفصيل المزبور بين صورة وجود الملاقى وفقده فيما إذا كان الأصل من الأصول غير التنزيلية، كأصالة الحلية على وجه، فإنه بعد عدم جريانهما في التالف بعدم صلاحية التالف لجعل الحلية الظاهرية فيه، ينتهي الامر مع فقده في أصالة الحلية في الملاقي، فتعارض الأصل الجاري في الطرف، وبعد تساقطهما يؤثر العلم الاجمالي بينهما اثره.
ثم لا يخفى: ان ما ذكرنا من وجوب الاجتناب عن ملاقي المفقود على العلية، انما هو في صورة عدم علمه بعود المفقود بعد ذلك وصيرورته مورد ابتلا المكلف، والا ففي فرض عوده في زمان يمكن فيه الامتثال لا يجب الاجتناب عن الملاقي من جهة سقوط علمه حينئذ عن التأثير بسبقه بعلم إجمالي آخر و هو العلم بالتكليف غير محدود في الطرف أو بتكليف محدود في الملاقى بالفتح، فإنه بتأثير هذا العلم في التنجيز يخرج العلم بين الملاقي والطرف عن صلاحية المنجزية، فيرجع الشك بالنسبة إلى الملاقي بدويا تجري فيه أصالة الطهارة كما هو ظاهر.»[1]
[1]. الشيخ محمد تقي البروجردي، نهاية الافكار تقرير بحث المحقق ضياء الدين العراقي، ج3، ص363-365.