بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و ده
ثم ان المحقق العراقي (قدس سره) افاد في الأمر الثاني من الأمور التي يستدعي تقديمها البحث في المقام:
«الأمر الثاني:
لا إشكال نصا وفتوى بل وضرورة في نجاسة ملاقى النجس ووجوب الاجتناب عنه.
وانما الكلام في وجه نجاسته ، وغاية ما قيل أو يمكن ان يقال في ذلك أمور.
أحدهما:
أن تكون نجاسته لمحض التعبد الشرعي بان يكون الملاقي للنجس موضوعا مستقلا حكم الشارع بنجاسته ووجوب الاجتناب عنه في قبال جعل النجاسة للملاقى بالفتح نظير نجاسة الكلب في قبال نجاسة الخنزير.
غاية الأمر:
كان هذا الحكم في ظرف ملاقاته للتنجيس بحيث يكون مثل هذه الجهة مأخوذا في موضوعه على نحو الشرطية من دون أن تكون نجاسته من جهة السراية من الملاقى بأحد الوجهين الآتيين.
ثانيها:
أن تكون من جهة السراية بمعنى الاكتساب بان تكون نجاسة الملاقي ناشئة عن نجاسة الملاقى بالفتح و مسببة عنها وفي طولها نظير نشوء حركة المفتاح من حركة اليد فكان الملاقاة سببا لهذا النشو لا انها حكم مجعول مستقل في عرض الحكم بنجاسة الملاقى - بالفتح - ، ولا كونها انبساطا للنجاسة الثابتة للملاقي.
ثالثها:
أن تكون نجاسته لأجل السراية بمعنى الانبساط بان يكون الملاقاة منشأ لا تساع دائرة نجاسة الملاقي و انبساطها إلى الملاقى كاتساعها في صورة اتصال الماء المتنجس بغيره وامتزاجه به فكانت نجاسة الملاقي حينئذ من مراتب نجاسة الملاقى بل بوجه عينها ، لا انها فرد آخر من النجاسة في قبال نجاسة الملاقى كما في الصورة الأولى ، ولا مسببا عن نجاسته بحيث تكون في طول نجاسته وفي رتبة متأخرة عنها.
هذه وجوه ثلاثة متصورة في وجه نجاسة الملاقي للنجس.»
ثم افاد بأن هذه الوجوه انما تتصور في موارد اخري قال:
«وبتأتي مثلها أيضا بالنسبة إلى ملكية المنفعة والنماءات المتصلة والمنفصلة ، فان ملكية النماء و المنفعة.
تارة: تعتبر ملكية مستقلة تعبدية في عرض ملكية العين بان كان تبعيتها للعين بحسب الوجود محضا لا بحسب الملكية.
وأخرى: تعتبر كونها ناشئة عن ملكية العين بحيث أخذ ملكية العين علة لملك النماء والمنفعة.
وثالثة:
تعتبر ملكيتها من مراتب ملكية العين ومقام انبساطها بما يشمل النماء والمنفعة.
فعلى الوجه الأخير: ـ الثالث ـ
لا شبهة في أنه مع العلم الاجمالي بنجاسة أحد الشيئين أو غصبيته يجب الاجتناب عن الملاقي لاحد طرفي العلم وعما له من التوابع المتصلة و المنفصلة لوقوع الملاقي والنماء بمقتضى الانبساط المزبور طرفا للعلم الاجمال بالتكليف في عرض طرفية الملاقى والعين المثمرة الموجب لرجوع العلم الاجمالي إلى العلم بتكليف واحد في طرف أو تكليفين في طرف آخر. بخلافه على الوجهين الأوليين ، فإنه لا يجب الاجتناب فيهما عن الملاقي للشك في ملاقاته للنجس المعلوم في البين وعدم إحراز صغرى الخطاب بالاجتناب عن ملاقى النجس ولو إجمالا.
هذا: ولكن الوجه الأخير منها وكذا الوجه الأول غاية البعد ، فإنه مما لا يساعد عليه كلمات الأصحاب من التعبير بمثل ينجسه أو لا ينجسه وينفعل و نحوه.
فان الظاهر من نحو هذه التعبيرات هو كون نجاسة الملاقي من جهة السراية بمعنى السببية لا الانبساط ولا من جهة التعبد.
وكذا ما في متفرقات النصوص من التعبير بنحو ما ذكر كقولهم عليهم السلام ( الماء إذا بلغ قدر كر لا ينجسه شئ ) الظاهر في سببية نجاسة الشئ لنجاسة الماء عند عدم بلوغه كرا.
بل كلماتهم مشحونة بالسراية بمعنى السببية كما يشهد له بنائهم على ملاحظة السببية و المسببية بينهما. والتزامهم بعدم معارضة أصالة الطهارة في الملاقي مع استصحاب النجاسة في الملاقى - بالفتح -.
والا فعلى السراية بمعنى الانبساط والاتساع لا مجال لهذا الكلام فان نجاسة الملاقي حينئذ انما تكون في عرض نجاسة الملاقى لكونها مرتبة سعة نجاسته وبعد عدم اقتضاء التعبد بنجاسة الملاقى لاثبات السراية التي هي من اللوازم العادية الواقعية تجري أصالة الطهارة في الملاقي فتعارض مع استصحاب النجاسة في الملاقى مع أنهم لا يلتزمون بذلك.
كل ذلك مضافا:
إلى قضاء الارتكاز العرفي في التنجيسات العرفية و قذاراتهم ، فان مقتضى الارتكاز العرفي هو كون نجاسة الملاقي من شؤون نجاسة الملاقى - بالفتح - وجائية من قبل ما لاقاه ، لا انها مرتبة سعة نجاسة الملاقي كطول الخط بالنسبة إلى ذاته ، ولا انها نجاسة مستقلة تعبدية في قبال نجاسة الملاقي ، ولذا ترى إباء ، ارتكازهم عن سراية النجاسة إلى الماء العالي الوارد.
وحينئذ: فالمتعين من مجموع الكلمات والنصوص بضميمة الارتكاز العرفي هو الوجه الثاني من الوجوه الثلاثة المتقدمة لا الوجه الأول ولا الوجه الثالث فإنهما مما لا شاهد عليه لا من الاخبار ولا من الكلمات ، بل كان الشاهد فيهما على خلافهما. »[1]
وما افاده (قدس سره) متين في تقريب مسلك السراية بمعني السببية، فإن السراية بمعني الاتساع وإن كانت تساعد بعض النصوص خصوصاً مع اعتبار مثل الرطوبة في السراية الا ان مقتضي الارتكاز العرفي وكلمات الاصحاب هي السراية بمعني السببية.
ومعه لا سبيل الي كون الاجتناب عن الملاقي لأجل محض التعبد، وأنه موضوع مستقل لوجوب الاجتناب.
هذا.
ثم ان بعد معرفة كون وجه نجاسة الملاقي للنجس هي السراية بمعني السببية.
فإنه لا شبهة في نجاسة ملاقي النجس نصاً وفتويً. والكلام في المقام ليس في ذلك، بل البحث في ملاقي محتمل النجاسة مع اقترانه بالعلم الاجمالي.
[1] . الشيخ محمد حسين الغروي الأصفهاني، نهاية الدراية في شرح الكفاية، ج 2، ص353-355.