بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و شش
وحاصل ما افاد الشيخ (قدس سره):
ان في ملاقي بعض اطراف العلم الاجمالي قولان:
الاول:
ان الملاقاة لبعض اطراف النجس المعلوم بالاجمالي يوجب سراية النجاسة من الملاقي الي الملاقي واتساع دائرة النجس بالملاقاة، لأن النجاسة المحتملة في فرض وجودها في الاناء الذي هو طرف للعلم الاجمالي بالنجاسة انما تسري الي الثوب كما هو الحال في صورة اتصال الماء النجس بغيره وامتزاجه به.
وعليه فيكون موضوعاً لقوله تعالي: «والرجز فاهجر» لأن هجر النجس انما يدل علي وجوب هجر ملاقيه، وإن هجر ملاقيه من شئون وجوب الهجر عن عين النجس، ولا يتحقق الاجتناب عن النجس الا بالاجتناب عن عين النجس وملاقيه.
الثاني:
ان وجوب الاجتناب عن النجس جعل مستقل يتكفله مثل قوله تعالي «والرجز فاهجر» لأن النجاسة حكم وضعي تعبدي، يتكفل الجعل التكليفي الاجتناب عنها، وأما ملاقي النجاسة فهو موضوع مستقل غير موضوع النجاسة، ولا يتكفل الجعل التكليفي للاجتناب عنها الاجتناب عنه.
والملاقاة انما تكون واسطة ثبوتية لحدوث فرد آخر من النجاسة، وهو اجنبي عن نجاسة الأصل، نظير وساطة الغليان لحدوث نجاسة العصير ووساطة التغيير لانفعال الماء، فلو لم يثبت تعبد شرعي بالنسبة الي الملاقي لا وجه لوجوب الاجتناب عنه لعدم الدليل عليه بعد قصور دليل وجوب الاجتناب عن النجس عن شموله له.
وبعبارة اخري، ان النجاسة في العين النجس حكم وضعي ثابت بمقتضي الادلة ويشمله دليل وجوب الاجتناب، اما الملاقي لعين النجس فنجاسته ايضاً حكم وضعي لابد من ثبوته حتي يشمله دليل وجوب الاجتناب، ولا يتكفل ما دل علي الثبوت في عين النجس لثبوته، ومع الشك في هذا الحكم الوضعي السببي ـ اي تنجس الملاقي ـ لكان مقتضي الأصل فيه اصالة الطهارة واصالة الإباحة.
وأفاد (قدس سره) بأن الأقوي هو الثاني.
ورد الالتزام بالأول من بعض الأركان مثل السيد ابي المكارم ابن زهره، حيث استدل في الغنية علي تنجس الماء القليل بملاقاة النجاسة بما دل علي وجوب هجر النجاسات في قوله تعالي «والرجز فاهجر»، وكذا رواية عمرو بن شمر عن جابر الجعفي عن ابي جعفر عليه السلام بقوله: ان الله سبحانه حرم الميتة.
وأفاد في وجه الرد:
ما مر من ان الاجتناب عن النجس لا يراد به الا الاجتناب عن عين النجس، والنجاسة حكم وضعی وأثر شرعي يترتب علي العنوان الواقعي، ويكون مثل وجوب الحد للخمر، وأما في ملاقي النجس او شرب محتمل الخمرية فلا وجه لثبوت هذه الآثار.
وأفاد (قدس سره):
ان تنجس الملاقي اي ملاقي الرجز اذا لم يكن عليه اثر من ذلك الرجز ليس وجوب الاجتناب عنه بمقتضي والرجز فاهجر الا لمجرد تعبد خاص وهو غير ثابت في المقام.
وكذا انه لو حكم الشارع بوجوب هجر المشتبه في الشبهة المحصورة فلا يدل ذلك علي هجر ما يلاقيه.
كما رد الاستدلال بالرواية بضعف السند، وقد مر انه لا تنصيص علي وثاقته، الا انه يشمله التوثيق العام من ابن قولويه وعلي بن ابراهيم في تفسيره، ومعه يتم سندها عند الالتزام بتماميته.
ورد الاستدلال به من جهة الدلالة:
بأن الظاهر من الحرمة في قوله (علیه السلام): ان الله سبحانه حرّم الميتة، النجاسة لأن مجرد التحريم لا يدل علي النجاسة فضلاً عن نجاسة ملاقي الفاره.
وقد افاد في ما اورد علي نفسه:
انه لو لم يثبت وجوب الاجتناب عن ملاقي النجس من حيث ملاقاته له الا ان الملاقي يصير كالملاقي طرفاً للعلم الاجمالي بالنجاسة، ولا فرق بين المتلاقين في كون كل واحد منهما طرفاً لشبهة النجاسة، مثل ما اذا قسم احد طرفي الشبهة بقسمين، و جعل كل واحد منهما في اناء، فإنهما معاً طرف للعلم الاجمالي بالنجاسة بعينه وبين الطرف الآخر، او ان كل واحد منهما طرف للشبهة والعلم الاجمالي بنجاسته او الطرف الآخر. وأفاد في دفعه:
ان بالنسبة الي الملاقي الذي هو طرف للشبهة لا يمكن جريان اصالة الطهارة لمعارضتها بجريان الأصل في الطرف الآخر، وأما في الملاقي فلا مانع من جريان اصالة الطهارة، وليست الأصل فيه معارضاً بشيء.
هذا مع:
ان جريان الاصل في الملاقي جريان للأصل في الشك المسببي، وجريانه فيها حاكم على جريان الأصل في الشك المسببي، والأصل السببي في الملاقي بما انه محتمل النجاسة لصالة الطهارة ولو فرض جريانها لكان رافعاً للشك في المسبب، ولكن في المقام انها معارضة بمثله فيجري الاصل في المسبب بلا محذور، هذا ثم ان الشيخ (قدس سره) افاد في النقطة، وهي حصر تنجيز العلم الاجمالي بخصوص اطرافه من حيث تعارض الأصول المرخصة، وفي المقام اصالة الطهارة، علي ما سلكه من مسلك الاقتضاء، وأفاد بأن جريان الأصل في الملاقي لا معارض له، ورد في انه لو تغير اطراف تنجيز العلم الاجمالي بالنجاسة.
مثل: ما لو حصل للأصل في الملاقي اصل آخر في مرتبته يعارضه كما لو وجد معه ملاقي المشتبه الآخر.
او نظير: ما لو كان ملاقاة شيء لأحد المشتبهين قبل العلم الاجمالي، وفقد الملاقي ثم حصل العلم الاجمالي بنجاسة المشتبه الباقي او المفقود.
لدخل الملاقي في دائرة تنجيز العلم الاجمالي فيلزم الاجتناب عنه، وقد عرفت ان صاحب الكفاية (قدس سره) قرر تمام البحث في هذه الموارد وأفاد بأن بالنسبة الي حكم الملاقي يلزم القول بالتفصيل بين موارد ثلاثة.
وأفاد صاحب الكفاية في حاشيته علي الرسائل في ذيل قول الشيخ: «قولان مبنيان علي ان تنجس الملاقي...».
« تنجس ملاقي النجس و لو جاء من قبل وجوب الاجتناب عنه بأن كان الخطاب الدال على وجوب الاجتناب عنه دالا على وجوب الاجتناب عن ملاقيه عرفا غير مستلزم للحكم بنجاسة ملاقي أحد الطرفين ، لان العقل الحاكم في الباب بوجوب الاجتناب انما يحكم به من باب المقدمة العلمية ، و هذا الباب مسند في طرف الملاقي ، فكيف يتعدى حكمه إلى ما ليس فيه ملاكه ومناطه ، فتأمل جيدا.»
وحاصله:
ان تنجس ملاقي النجس والبحث فيه حتي بناء علي الالتزام بالسراية ودلالة وجوب الاجتناب عن النجس علي وجوب الاجتناب عن ملاقيه عرفاً، لا يرتبط ولا يستلزم الحكم بالنجاسة في ملاقي لبعض اطراف الشبهة لافتراق اساس البحث فيهما، فإن لزوم الاجتناب عن اطراف الشبهة المقرونة بالعلم الاجمالي انما يكون بحكم العقل مقدمة علمية لاجتناب النجس المعلوم في البين، وهذا المناط غير جار في ملاقي بعض الاطراف فلا وجه لتعدي الحكم الي غيره.
وأفاد سيدنا الاستاذ (قدس سره):
ان البحث في هذا التنبيه جهتان، الجهة الفقهية، والجهة الأصولية، والبحث من الجهة الاولي انما يكون في كيفية تنجس ملاقي النجس وأنه هل يكون بنحو يكفي في تنجيزه العلم الاجمالي الذي يدور طرفه بين الملاقي وطرفه الآخر، او انه بنحو لا يتنجز الا بمنجز آخر غير العلم الاجمالي.
وأما البحث في الجهة الثانية انما يكون في ان الملاقي هل يكون طرفاً لعلم اجمالي منجز آخر ليجب الاجتناب عنه، او انه ليس كذلك، فلا يجب الاجتناب عنه كسائر ما شك في طهارته ونجاسته بالشبهة البدوية.
وأفاد في الجهة الاولي:
« أما الجهة الأولى : فتحقيق الكلام فيها : أنه لا إشكال في نجاسة ملاقي النجس . إنما الكلام في كيفية تنجسه فيه . وهي ثبوتا تحتمل وجوها أربعة :
الأول :
أن يكون من جهة سراية النجاسة إلى الملاقي حقيقة وواقعا ، وانبساطها بنحو تشمله ، فلا يكون الحكم باجتناب الملاقي حكما جديدا ، بل هو عين الحكم الأول ، وإنما اتسعت دائرة متعلقه ، ونظيره في التكوينيات انحلال الجوهر النجس بالماء ، فيتلون جميع الماء بلون الجوهر بالسراية الحقيقية ، ويكون الحكم باجتناب الجوهر مستلزما لاجتناب جميع الماء لاتساع دائرة الجوهر ، بعد أن كانت ضيقة عند انكماشه وجموده .
الثاني :
أن يكون من جهة ان الاجتناب عن ملاقي النجس من شؤون وتبعات الاجتناب عن النجس ، بحيث لا يتحقق الاجتناب عن النجس إذا لم يجتنب عن ملاقيه ، كاكرام خادم العالم أو ابنه الذي يعد اكراما للعالم نفسه عرفا .
الثالث :
أن يكون لزوم الاجتناب عن الملاقي حكما تعبديا مستقلا ، لكن فعليته بفعلية لزوم الاجتناب عن الملاقي - بالفتح - ، ولا تتوقف على تحقق الملاقاة .
الرابع :
أن يكون حكما مستقلا ولا يصير فعليا إلا بفعلية موضوعه وهو الملاقاة .
ولا يخفى عليك: ان العلم الاجمالي بنجاسة أحد الإناءين يقتضي بنفسه لزوم الاجتناب عن ملاقي أحدهما على الوجوه الثلاثة الأولى دون الرابع .
وذلك:
أما على الأول: فلان الملاقي يكون أحد طرفي الشبهة ، لسراية النجاسة حقيقة إليه - على تقدير نجاسة ملاقاة - ، فهو نظير ما لو قسم أحد الإناءين قسمين ، فالاجتناب عن النجس المعلوم أولا لا يتحقق جزما إلا بالاجتناب عن الملاقي أيضا .
وأما على الثاني: فلان امتثال التكليف المحتمل في الملاقي - بالفتح - المفروض لزومه لتنجزه بالعلم ، لا يتحقق إلا بالاجتناب عن ملاقيه ، لأنه من شؤون وتبعات الاجتناب عن نفس الملاقي - بالفتح - .
وأما على الثالث: فلان العلم بالحكم الفعلي الثابت في الملاقي يصاحبه العلم بالحكم الفعلي الثابت فعلا في الملاقي لان المفروض فعليته من الآن وقبل تحقق الملاقاة .
وأما على الرابع: فلا يتأتى ما ذكر ، لان فعلية الحكم لا تتحقق إلا بتحقق الملاقاة ، فلا يكون طرفا للعلم من الأول ، وقبل الملاقاة .
فيقع الكلام على هذا الوجه في الجهة الأصولية ، وهي ان الملاقي طرف لعلم إجمالي جديد منجز أو ليس بطرف ؟ »[1]
[1] . الشهيد السيد عبد الصاحب الحكيم، منتقى الأصول تقرير البحث السيد محمد الروحاني، ج5، ص148-149.