بسم الله الرحمن الرحيم
جلسه صد و يك
وقد افاد المحقق العراقي (قدس سره):
« بعد ما عرفت بأن القدرة في ظرف العمل بالنذر شرط شرعي لا يكاد يتصور فرق بين الصورتين للجزم بأن ما هو شرط في ظرف العمل على فرض تقديم الآخر مفقود فلا يبقى المجال لتقديم دليل النذر حينئذ مع فرض مقارنة زمان عمله مع زمان تنجز وجوب الحج أو بعد تنجزه.
نعم لو كان قبل زمان تنجز وجوب الحج بأن يكون قبل الاستطاعة أو قبل خروج الرفقة تقدم النذر لأن حفظ القدرة حينئذ شرط عقلي في طرف النذر فإطلاق دليله يرفع موضوع دليل وجوب الحج كما أن الأمر بالعكس في طرف العكس كما لا يخفى.»
وحاصله: ان في فرض تقدم حصول الاستطاعة او مقارنته مع النذر لا وجه لتقدم النذر، لان المانع لوجوب الحج حينئذٍ القدرة الشرعية في ظرف العمل بالنذر التي تمنع عن وجوب الحج وتحقق الاستطاعة والمفروض انها غير متحققة قبل ظرف العمل بالنذر.
واما مع فرض تأخر الاستطاعة، تقدم النذر، وكذا قبل خروج الرفقة لانه يجب عليه حفظ القدرة في طرف النذر ويرفع به وجوب الحج؛ فلا فرق بين ما ذكره من القسمين في هذه الجهة.
وأساس المانعية في النذر بالنسبة الى وجوب الحج عنده القدرة لاتيان النذر حين العمل به، واما نفس وجوبه كما في المقام لا مانعية له بالنسبة الى تحقق الاستطاعة.
وافاد السيد الحكيم (قدس سره):
« النذر المعلق قسم واحد، وهو المشروط، ولأجل ذلك اشتهر : أن التعليق في العقود والايقاعات مبطل، يراد بذلك ما لو كان الايقاع فيه معلقا. وأما ما كان على نحو الواجب المعلق فليس النذر فيه معلقا بل المعلق هو المنذور.
وكيف كان، تارة : يكون الايقاع معلقا - أعني : المعنى الايقاعي الذي يوقعه البائع - وهو البيع في قول البايع : " بعت إذا جاء يوم الجمعة "، أو مضمون النذر في قول الناذر : " لله علي إذا جاء يوم الجمعة أن أفعل كذا " ونحو ذلك.
وتارة : لا يكون تعليق في المعنى الايقاعي، وإنما يكون في متعلق المعنى الايقاعي، وهو الصوم في قول الناذر : " لله علي أن أصوم إذا جاء يوم الجمعة "، أو الصدقة في قوله : " لله علي أن أتصدق إذا جاء يوم الجمعة "، أو الزيارة في مثل الفرض المذكور في المتن فالمعلق يكون هو الزيارة، في مقابل القسم الأول الذي يكون المعلق عليه معنى : " لله علي " الذي عرفت أنه المعنى الايقاعي.»
ثم افاد (قدس سره) في ذيل قوله: في آخر المسألة «والسر في ذلك: ان وجوب النذر مشروط والنذر مطلق، فوجوبه يمنع من تحقق الاستطاعة.»
« يعني : وجوب الحج مشروط بالاستطاعة، ووجوب الوفاء بالنذر غير مشروط حسب الفرض، فيكون رافعا للاستطاعة. فيرتفع وجوب الحج. هذا ولكن ما ذكره من السر إن كان المقصود به سر تقديم النذر على الاستطاعة في أصل المسألة، فقد عرفت أن السر غير ذلك، وهو ما ذكرنا. وإن كان المقصود به سر تقديم النذر في المقام فلا مقتضي له، لأن السر فيه هو السر في أصل المسألة. وكان المناسب ذكر السر في عدم تقديم النذر المشروط في المقام لأنه الخارج عن الكلية التي تعرض فيها لأصل المسألة.
وكيف كان فالفرق الذي ذكره بين النذر المعلق والمشروط غير ظاهر، لأن النذر المشروط أيضا يقتضي وجوب تحصيل المقدمات قبل حصول الشرط عقلا. إذ لا فرق بين الوجوب المشروط والمعلق في ذلك، فكما يجب تحصيل المقدمات قبل حصول المعلق في الواجب المعلق يجب تحصيلها أيضا في الوجوب المشروط.
غاية الأمر : أنه في الواجب المعلق يكون تحصيلها واجبا شرعا بناء على وجوب المقدمة، وفي الوجوب المشروط يكون واجبا عقلا، كما أشرنا إلى ذلك في مسألة غسل المستحاضة قبل الفجر من هذا الشرح. وإذا وجب عقلا فعل المقدمات قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله كان ذلك رافعا للاستطاعة، ومانعا من وجوب حج الاسلام.
وقولهم : " المانع الشرعي كالمانع العقلي " يراد به ما هو أعم من ذلك. هذا مع العلم بحصول الشرط، أما مع الجهل فيمكن الرجوع إلى أصالة عدم حصول الشرط أو غيرها من الأصول، فيجب عليه الحج ظاهرا، لكن إذا انكشف بعد ذلك حصول الشرط، وأنه مكلف بالزيارة لا بالحج يكون الحج غير مجز عن حج الاسلام.»[1]
وحاصل ما افاده (قدس سره)
غير بيان الفرق بين تعليق الانشاء و تعليق المنشأ، الاشكال على صاحب العروة (قدس سره) بانه لا تفريق بين الموردين:
وذلك: لان التعليق في مثل قوله «لله علي ان أزور الحسين في عرفة عند مجيء مسافري» يرجع الى متعلق المعنى الايقاعي وهو الزيارة، لا الى نفس المعنى الايقاعي، وهو النذر، وحيثية لله عليّ.
فالانشاء والمعنى الايقاعي وهو النذر مطلق في المقام، فلا تعليق في وجوب الزيارة، ويكون حكمه حكم النذر المنجّز، ووجوبه يمنع عن تحقق الاستطاعة، واما فيما عبّر عنه صاحب العروة من الاشتراط على نحو الواجب المشروط مثل قوله: «اذا جاء مسافري فلله ان أزور الحسين (ع)»، وعبر عنه السيد الحكيم بالمعلق ايضاً الا ان التعليق كان في الانشاء والمعنى الايقاعي، فلا وجوب للزيارة الا بعد مجيء المسافر، وليس كالنذر المنجز، وهذا لا يمنع عند صاحب العروة عن تحقق الاستطاعة. فافاد السيد الحكيم (قدس سره) بان في هذا القسم ايضاً لا وجه لتحقق الاستطاعة ووجوب الحج.
وذلك:
لانه اذا كان الوجوب مشروطاً، فان المعنى الايقاعي والانشائي في النذر المشروط بمجيء المسافر انما يقتضي وجوب تحصيل المقدمات قبل حصول الشرط عقلاً، بمعنى انه يجب عليه التهيأ لاتيان المنذور عند تحقق شرط.
فلا فرق بين الوجوب المشروط والمعلق في ذلك، وكما انه يجب تحصيل المقدمات قبل حصول المعلق في الواجب المعلق، فكذلك يجب تحصيلها في الواجب المشروط، الا ان في الواجب المعلق يكون تحصيلها واجباً شرعاً بناءً على وجوب المقدمات، وفي الواجب المشروط يكون واجباً عقلاً. واذا وجب عقلاً فعل المقدمات قبل حصول الشرط مع العلم بحصوله كان ذلك رافعاً للاستطاعة، ومانعاً من وجوب حج الاسلام، وان قولهم المانع الشرعي كالمانع العقلي انما يعمّ المورد.
وافاد في آخر مقالته، بان هذا مع العلم بحصول الشرط، واما مع الجهل فيرجع الى اصالة عدم حصول الشرط او غيرها من الاصول، ويجب عليه الحج ظاهراً. لكن اذا انكشف بعد ذلك حصول الشرط، وانه كان مكلفاً بالزيارة لا بالحج، يكون ما أتى به من الحج غير مجز عن حجة الاسلام لانكشافه عن عدم حصول الاستطاعة له في عامه.
فحاصل الأشكال، عدم تمامية تفريق صاحب العروة (قدس سره) بين المقامين وانه لا يجب الحج في المقامين ويجب عليه النذر.
[1] . السيد محسن الحكيم، مستمسك العروة الوثقي، ج10، ص122-124.